كثيرة هي أبيات الشعراء والمادحين لجمال وجلال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» وكثير هم المحبون والصالحون الذين دبجوا الدواوين العامرة في مدحه. ساعة عجز مشركو مكة عن إثناء النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» عن نشر دعوته وإرساء دعائم دينه الجديد، تفتق الذهن القرشي عن ضربه بالإشاعة والإعلام، والإعلام وقتها ووقتنا، يعني الكلمة، ومفعول الكلمة في الإعلام أمضي وأقسي من ضربة سكين. بحثوا واختاروا المذيع اللامع أو قل الشاعر النحرير الذي ينتمي حزبيا إليهم ودينيا يذبح لهبل واللات، واستهموا علي شعرائهم فوقع السهم علي حسان بن ثابت. التدبير أن يقدح حسان محمداً ويهجوه بمنقصة تذمه بها العرب وتتناقلها الهوائيات العربية والأعجمية ويحظي بكل «لايكات» الإعجاب والسخرية. في الصباح تخير حسان مكانه علي طريق النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» عله يري منه منقصة في جسمه، صوته، مشيته، يسجلها شعراً يطوف الآفاق ليردده الشعراء والفقراء، عبيدهم والأمراء، في طريقه المعتاد يخطو رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» وحسان يتربص به أو قل يتلصص عساه يفوز بمبتغاه. في لحظة فارقة تلتقي الوجوه وتتقابل العيون وبسهام لحظه يصيب المصطفي قلب حسان ليخر صعقا، ليقوم لا يلوي علي شيء، يجثو ثم يقوم، وكأن خمر قريش كلها ملأت جوفه فأسكرته فلا يكاد يبين. تتناوله أيدي القرشيين حتي يفيق وكلهم أرخي أذنيه. فلما أفاق، وما أفاق من سهم لحظه الفتان قال: لما رأيت أنواره سطعت.. وضعت من خيفتي كفي علي بصري خوفا علي بصري من حسن طلعته.. فلست أنظره إلا علي قدري روح من النور في جسم من القمر.. كحلية نسجت من الأنجم الزهر وذاعت كلمات حسان «رضي الله عنه» مدحاً وحباً وتيها برسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» فكان أول مادح شعراً لحضرة المصطفي. غير أن قصيدة «البردة» للإمام البوصيري نالت من الشيوع والقبول ما لم تنله قصيدة أخري سواء من قصائد البوصيري أو لغيره من المادحين. قيض الله تعالي للبردة الشيخ عبدالعظيم العطواني رحمه الله وكأنما كما يقول مولانا الإمام الشعراوي كتبت البردة ليشدو بها العطواني. الشيخ عبدالعظيم العطواني من مواليد محافظة أسوان مركز إدفو، تعلم أحكام القرآن الكريم وأتم حفظه كاملاً ومجوداً. قرأ الشيخ العطواني البردة ولمست موسيقاها شغاف قلبه وثنايا أذنيه فحفظها وراح يرددها ويشدو بها بين أقرانه حتي سمعه شيخه فقال له «لقد تملكت منك البردة وتملكت منها وعشقتها وعشقتك وامتلأ بها قلبك فخرجت من صوتك وكأنها لم تخرج من صوت أحد قبلك». ذاعت «البردة» التي ألفها الإمام البوصيري علي لسان الشيخ عبدالعظيم العطواني رحمه الله والذي وافته المنية في فبراير الماضي.