أكد المستشار أحمد جمال الدين عبد اللطيف رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى، أن القضاء هو حصن العدالة وملاذ المظلومين. وشدد - في الكلمة التي ألقاها خلال الاحتفال بعيد القضاء، والتي شهدها الرئيس عبد الفتاح السيسي السبت 23 أبريل- أن القضاة يؤدون رسالتهم في منظومة متكاملة للعدالة في المحاكم ومجلس الدولة وفى المحكمة الدستورية وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية، بعيدا عن السياسة بما لها وما عليها، مشيرا إلى أن القاضي الحق هو من ينأى بنفسه عن السياسة ويترفع عن الإعلام، فهو من لا يعرفه أحد، حتى المتقاضى لا يعرف عنه إلا أنه القاضي. وأوضح جمال الدين عبد اللطيف، موجها حديثه للرئيس أن القضاة يعملون في إطار نظام قضائي راسخ حافل وغني بالضمانات التي تكفل سلامة وعدالة أحكامه وتؤكد شموخه. وقال إن تسيب الأحكام من أعظم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم، بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التي يعلنونها فيما يفصلون فيه من القضية، وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والاستبداد. فيما يلي نص كلمة المستشار أحمد جمال الدين عبد اللطيف رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى :- بسم الله الرحمن الرحيم "رب أشرح لى صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" "صدق الله العظيم" باسم الشعب سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية السادة الضيوف الكرام الأعزاء.. قضاة مصر الأجلاء أهلا بحضراتكم جميعا أهلا بك يا سيادة الرئيس في دار القضاء العالي، داري ودارك ودار المصريين جميعا، التي أستقر في وجدان الشعب وضمير الأمة أنها حصن العدالة وملاذ المظلومين. ولعلك يا سيادة الرئيس تتذكر، مثلما أتذكر، بل من المؤكد أنك تتذكر عندما كنت تأتي في مرحلتي الصبا والشباب من القاهرة الفاطمية إلى القاهرة الخديوية فترى من بعيد دار القضاء العالي، لا تدخل إليها، ولا حتى تفكر في الدخول إليها، ولكنك كنت إذ تراها تعلو قامتك وترتفع هامتك ويتعمق لديك الإحساس بوطنيتك والفخر والزهو بمصريتك، ويتجلى الشعور الكامن في وجدانك بأن فى مصر قضاء . سيادة الرئيس .. السادة الحضور عندما أتكلم عن دار القضاء العالي فإن حديثي غير مقصور على الحجر والأثر، بل إنه ينصب أساسا على البشر، وهم قضاة مصر الأجلاء الذين يقولون في الناس كلمة الحق لاتضعفهم رغبة أو رهبة ، لأنهم ينشدون العدل صفة من صفات الله العظمى . وعندما أتكلم عن قضاة مصر لا يقتصر حديثي على من شرفت بحضورهم اليوم ، فلقد حال ضيق مساحة هذه القاعة دون حضور باقي القضاة الذين يؤدون رسالتهم في منظومة متكاملة للعدالة في محاكمنا ومجلس الدولة وفى المحكمة الدستورية وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية بعيدا عن السياسة بما لها وما عليها . القاضي الحق ياسيادة الرئيس هو من ينأى بنفسه عن السياسة ويترفع عن الإعلام ، القاضي الحق هو من لايعرفه أحد، حتى المتقاضى لا يعرف عنه إلا أنه القاضي. وأطمئنك ياسيادة الرئيس، وأرجو أن تطمئن المصريين جميعا أن قضاتهم يعملون في إطار نظام قضائي راسخ حافل وغنى بالضمانات التي تكفل سلامة وعدالة أحكامه وتؤكد شموخه . إن تسبيب الأحكام - ياسيادة الرئيس - من أعظم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم، بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التي يعلنونها فيما يفصلون فيه من الأقضية، وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والاستبداد . سيادة الرئيس .. إذا أردت أن تعرف قاضيا فاقرأ أسبابه، إذ لا محل لمعرفة القاضي إلا من خلال عمله القضائي المعلن، فهو -وحده- الذي يشهد له أوعليه، أما القاضي الذي يظهر بصفته قصدا في المحافل العامة، وقد يصفق له العامة، فهو الأردأ، ومآله حتما أن يلفظه القضاء . وإذا كان القضاة - ياسيادة الرئيس - بشرا قد يخطئون، فإن منظومة الطعن في أحكامهم كفيلة بتصحيح جل أخطائهم. وإذا كان الدستور وقانون السلطة القضائية قد كفلا استقلال القضاء ، فمن المؤكد - كما تقول المذكرة الإيضاحية لأول قانون لاستقلال القضاء الصادر سنة 1943، خير ضمانات القاضي هى تلك التي يستمدها من قراره نفسه ، وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره ، فقبل أن تفتش عن ضمانات للقاضي فتش عن الرجل تحت وسام الدولة، فلن يصنع الوسام منه قاضيا إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي وعزة القاضي وكرامة القاضي وغضبة القاضي لسلطانه واستقلاله هذه الحصانة الذاتية هذه العصمة النفسية - كما تقول المذكرة الإيضاحية - هى أساس استقلال القضاء لا تخلقها نصوص ولا تعززها قوانين ، إنما تقرر القوانين الضمانات التى تؤكد هذا الحق وتعززه وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السؤ إلى استقلال القضاء . سيادة الرئيس .. السادة الحضور ربما يكون من المناسب في هذا السياق أن نتذكر معا الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديجول عندما عاد إلى باريس بعد الحرب العالمية الثانية ، وسأل عن أحوال بلاده فأجابوه سلبا . فسأل عن القضاء الفرنسي فأخبروه أنه بخير ، فقال إذا فرنسا بخير . وأنا اليوم أطمئنك ياسيادة الرئيس أن القضاء فى بلادنا والحمدلله لازال وسيظل بأذن الله بخير، وأرجوك أن تطمئن المصريين جميعا وأن تقول لهم وللعالم كله القضاء المصري بخير إذا مصر بخير . هذا عن القضاء والقضاة ، أما عن المتقاضين ونحن - في المحاكم - لا نعرف أسماءهم ، بل نعرفهم بصفاتهم ، فنقول المدعى والمدعى عليه ، المتهم والمجني عليه ، الطاعن والمطعون ضده، وهم ليسوا جميعا - كما قد يحسب البعض من الأشرار - بل إن أغلبهم من الأخيار الذين ظلموا وسلبت حقوقهم ، فتشوقوا للعدل ولاذوا بمحرابه ، وأنصافهم هو هدف النظام القضائي وغايته . ولكنني في هذا المقام - ياسيادة الرئيس - أجد من واجبي أن أقرر أن اللدد في الخصومات من أشد المشكلات التي يواجهها القضاء ، ولقد كنت في السابق أجد من يتباهى بأنه وأفراد أسرته لم يدخل أحدهم محكمة أو قسما للشرطة ، ولكنني الآن - مع الأسف الشديد - أجد من يتباهى بكثرة دعاويه، وبتردده الدائم على المحاكم ودور النيابة وأقسام الشرطة ، بل ويزهو باللدد في خصوماته . ومن ثم فأننى أرجوك ياسيادة الرئيس أن تتبنى الدعوة للسماحة في الاقتضاء والكف عن اللدد في الخصومات . ولنذكر، معا ، حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : "رحم الله إمرءا سمحا إذا باع وإذا أشترى وإذا قضى وإذا اقتضى" . ومن المعروف أن الرسول الكريم وقد كان أول قاضي في الإسلام ، عندما عرضت عليه قضية استحكم فيها النزاع ، قال عليه الصلاة والسلام للمتقاضين : " إنما أنا بشر مثلكم ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه ظلما فلا يأخذه ، لأنه بذلك يقتطع قطعة من جهنم يضعها في جوفه يوم القيامة" . سيادة الرئيس .. السادة الحضور عندما أرسل أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه يطلب أموالا لتحصين مدينته ، أجابه "حصنها بالعدل" ، فلتكن هذه الكلمة دستورا لنا جميعا ، ولنتكاتف معا لنحصن بلادنا بالعدل ، وليكن كل منا عادلا فى موقعه . وليرع كل منا الله في عمله وفى سائر أمور حياته ، وقديما قالوا لو أنصف الناس لاستراح القاضي، ولتأذن لي ياسيادة الرئيس أن أقول - لو جاز لي ذلك - لو أنصف الناس لاستراح الحاكم ، وأن أكرر وأردد ما قلته سيادتكم من قبل : ليحب بعضنا بعضا ، وليحترم بعضنا بعضا ، وليسع بعضنا بعضا . سيادة الرئيس .. السادة الحضور ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بين المصريين جميعا ، وإذا كان اليوم أفضل من الأمس القريب فإن الغد إن شاء الله سيكون أفضل من اليوم ، وإلى لقاء قادم بإذن الله ، ومصر أكثر محبة ووئاما، أكثر عدلا واستقرارا، ومصر أكثر أمنا وأمانا ، أكثر رفاهية ورخاء وازدهارا. شكرا سيادة الرئيس .. شكرا لحضراتكم جميعا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،