نظر إليها بعمق.. ومسك بيديها مقبلًا لها... فوضعت على جبينه هي الأخرى قبلة تطمئنه بها.. ويمر أمام عينيها حلم بأن يصبح ابنها المستقبل.. الذي انتهكه العدوان الإسرائيلي في دقائق.. "بحر البقر" .. مجزرة عانى منها 150 طفلًا، جمعهم البراءة والحرية والأمل، كل منهم ذهب إلى مدرسته بحر البقر بمحافظة الشرقية حاملًا حقيبته وحلم ال"بكرة". لم يكن أحدهم على علم بأن الحلم انتهى، وأن 8 إبريل 1970، ستنتقل أحلامهم إلى الجنة، بعد أن تنتشل منهم إسرائيل حقائبهم وتهديهم "قنبلة" تزن 1000 رطل عبر طائرات الفانتوم المحلقة فوق مدرستهم. وبعد لحظات من الانفجار، كراسات ملقاة في كل مكان منها ما رسم فيها "وردة" ومنها ما رسم فيها "أمي" ومنها ما حمل "علم مصر"، وكلها مغطاة بدماء الأشلاء المتناثرة في كل مكان ل31 طفلًا، في مشهد مروع انخلعت له القلوب. ومن نجا من الحادث يعاني من عاها وأزمات نفسية، لن يعالجها إلى القضاء على الكيان الصهيوني الغادر، الذي يحاول أن يخترق العقول المصرية بأس وسيلة، ولكن لا يعرف أن الأمر منتهي. وأخذت الجرائد تكتب.. والإذاعة تردد: "“في الثامن من إبريل عام 1970 أغارت الطائرات الإسرائلية من طراز فانتوم على مدرسة بحر البقر الابتدائية، بمنطقة الصالحية شرقى الدلتا بالشرقية، وأسفرت تلك الغارة الوحشية عن مصرع 31 طفلا وإصابة 36 آخرين من أطفال المدرسة، وأحدثت الغارتان الوحشيتان رد فعل عميق لدى الرأي العام العالمي، وانكشفت لدى العالم حقيقة التخطيط العسكري الإسرائيلي". وحاولت السينما المصرية تخليد هذه المجزرة، من خلال الأفلام بينها "العمر لحظة، إضافة إلى الأغاني منها ما كتبه المبدع صلاح جاهين والتي غنتها الفنانة شادية، وكلماتها: "الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال.. في قصر الأممالمتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزي .. دي لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذي". ومن فيلم "العمر لحظة" الذي قامت ببطولته الفنانة ماجدة: الألم باقِ، والقصة لن تنتهي، فالعدوان الإسرائيلي لم يكف عن استهداف أروح الأبرياء، والأمر لا يتعلق بمصر وحدها، فما يحدث في فلسطين يعمق الجرح ويزيد من نزيف المشاعر على تلك الأروح التي تذهب هباء، وكل يوم مجرزة "بحر البقر" جديدة تحدث، وهناك حلم باقِ بالقضاء على العدوان الإسرائيلي لاسترداد جزء من حق كل روح سلبت بغير حق.