في ظل تطورات متسارعة يشهدها العالمين العربي والإسلامي، يفتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،الثلاثاء 14 أغسطس، أعمال القمة الإسلامية الطارئة في قصر الصفا الملكي بمكةالمكرمة. ومن المقرر أن يحضر القمة زعماء وملوك ورؤساء وفود 57 دولة يمثلون أعضاء منظمة التعاون الإسلامي. وتأتي القمة الحالية بعد مرور سبع سنوات على القمة الاستثنائية الأولى بمكةالمكرمة عام 2005، التي كانت -على حد قول الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو - مشروع "مارشال عربي إسلامي شبيه بمشروع المارشال الأمريكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ووصف أوغلو التوقيت السياسي الراهن للأمتين العربية والإسلامية ب"المفرق الكبير في تاريخ العالم الإسلامي، ولم نعرف أزمات ومشكلات مثل التي نواجهها اليوم، وذلك مقابل يقظة سياسية كبيرة لدى الشعوب". وإذا كان ملف الأزمة السورية من أبرز الملفات العاجلة والساخنة التي تتطلب اتخاذ قرارات فورية تصل لمسألة تجميد عضوية النظام السوري بمنظمة التعاون الإسلامية فإن ملف مسلمي دولة ميانمار" الروهينجا " لا يقل أهمية، بل إن المذابح التي ترتكب بحق المسلمين هناك باتت أمراً بالغ الخطورة في ظل ذيوع الانتهاكات ضد المسلمين في معظم أنحاء العالم. كما أن الأوضاع الفلسطينية ووقف الاحتلال الإسرائيلي وتهويد المقدسات بفلسطين المحتلة بات أمراً مقلقاً في ظل انشغال العالم بتطورات دول الربيع العربي، فضلاً عن الأوضاع بمالي والساحل الإفريقي، بالإضافة للقضايا الاقتصادية بين الدول الإسلامية وأهمية تشجيع التبادل التجاري وإزالة المعوقات بين الدول الإسلامية أصبحت من القضايا المحورية للقمة. ومن ثم يمكن القول أنه إذا كانت قمة مكة الأولى قد خرجت بالعديد من القرارات أبرزها إقرار خطة "العمل العشري" في جميع المجالات: الاقتصادية والثقافية والسياسية والتكنولوجية والصحية والاجتماعية، التي قطعت فيها منظمة المؤتمر الإسلامي شوطا كبيرا تتجاوز نسبته 80% مما تم إقراره في تلك القمة، التي أجازها قادة الدول الإسلامية، ويحدث ذلك للمرة الأولى في تاريخ العمل الإسلامي المشترك. فإن القمة الاستثنائية الثانية التي تعقد يومي 14 و 15 من أغسطس الجاري، والتي تأتي في ظروف وتحديات جديدة تواجه العمل الإسلامي ككل، تتصدرها: الحالة الأمنية والوضع المقلق في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا الملف السوري، والقضية الفلسطينية، إلى جانب قضية مسلمي ميانمار، تستوجب الخروج برؤية إسلامية مشتركة في ملفات القمة تُعيد مسار التضامن الإسلامي للوجهة الصحيحة باعتبار أن قمة مكة فرصة للوحدة ووضع الاستراتيجيات لإيجاد حلول لقضايا الأمة. وإذا كانت قمة مكة 2005 قد نجحت في ثلاثة أهداف رئيسة شكلت معالم جديدة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي الإصلاح الداخلي للمنظمة، وإعادة هيكلتها مما مكنها من مواجهة التحديات الراهنة، وتوطيد مكانتها الفاعلة في الشؤون الدولية، فإن قمة مكة 2012 مطالبة بترجمة الأحداث والتطورات التي يمر بها العالم الإسلامي ترجمة حقيقية تعبر عن وحدة الصف وتماسك المسلمين والعمل على صياغة دور جديد للمنظمة من خلال استحداث آليات جديدة لمعالجة قضايا المسلمين بشك فوري. وثمة آمال عريضة يتوقعها المحللون من قمة مكة وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري، بعد إعلان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي انان استقالته من ملف الأزمة السورية بسبب تعنت النظام السوري، واستخدامه السلاح الثقيل والطوافات وكل أنواع أداة الإجرام في جميع مدن سوريا ضد شعبه. ومن هنا أصبحت الفرصة سانحة أمام قمة مكة لبحث تعيين مسؤول جديد من عدة مرشحين منهم الأخضر الإبراهيمي، وميجيل انجيل موراتينوس، وعمرو موسى، والبرادعي، وكلهم شخصيات لها تاريخ وخبرة في الدبلوماسية، إلا أن الدبلوماسية لم تكن فعالة يوماً مع النظام السوري، والآن أصبحت الفرصة قوية لفرض عقوبات على النظام السوري، فقد أيدت 133 دولة في الجمعية العامة من الاممالمتحدة المشروع السعودي حول سوريا، ما اظهر عزلة روسيا والصين في موقفهما. وفيما يتعلق بأزمة مسلمي الروهينجا، فإن القمة لديها فرصة كبيرة لوضع الحلول العاجلة للأزمة، خاصة بعد موافقة حكومة ميانمار على السماح لمنظمة التعاون الإسلامي بتقديم مساعدات إلى النازحين من أقلية الروهينجا المسلمة في هذا البلد، ورافق وفد المنظمة ممثلون للهلال الأحمر في الكويت وقطر، وقد أكد رئيس ميانمار"استعداد المنظمات الإنسانية الإسلامية لتقديم العون العاجل لولاية راخين دون تمييز". وكان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو قد دعا في وقت سابق من الشهر الجاري إلى إرسال بعثة تقصي حقائق إلى ميانمار للتحقيق في المذابح والانتهاكات التي ترتكبها السلطات بحق المسلمين، وكانت أعمال عنف شملت مسلمي ولاية راخين أسفرت عن مقتل ثمانين شخصا في يونيو الماضي، حيث يقيم نحو 800 ألف من الروهينجا في حالة حصار في شمالي ولاية راخين، ويحرمهم القانون من التمتع بالجنسية، حيث تعتبرهم السلطات مهاجرين من بنجلاديش. ورغم هذه الآمال العريضة التي تنتظر قمة مكة، فإن ثمة تحديات جسيمة تعترض القمة وقراراتها، بسبب الأهواء التي قد تصاحب بعض الوفود المشاركة ونشير هنا إلى حالتين فقط: الحالة الأولي وهي الحالة الإيرانية والتي تعمل جاهدة مع كل ما يدعم النظام السوري وضد أي عقوبات قد تُفرض عليه، ولابد من الإشارة هنا إلى التوترات التي تصاعدت بين طهرانوالرياض بشأن مواقفهما المتناقضة من الثورات التي تشهدها المنطقة. وتختلف القوتان الإقليميتان أيضا بشأن الانتفاضة في سوريا، ففي الوقت الذي تدعم فيه طهران النظام السوري فإن الرياض تدعم المعارضة، وأيدت إيران بقوة جهود الأسد لقمع الانتفاضة وأغضبت القوى الغربية ودولا في المنطقة بتشجيع الصراع في سوريا بإرسال مقاتلين وأسلحة لمساعدة النظام. فضلاً عن ذلك، سعت إيران وبقوة قبيل انعقاد قمة مكة لعمل تكتل إقليمي يحول دون اتخاذ أي عقوبات ضد سوريا، وهنا يمكن القول أن الجولة التي قام بها ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على دوائر النفوذ الإيراني المباشر في المنطقة، لبنان وسوريا والعراق، والتصريحات المتشددة التي رافقتها، تشير إلى أن طهران المحشورة بدأت هجوماً مضاداً في الملف السوري يتخذ شكل التهديد بتوسيع المواجهة بين النظام والمعارضة ونقلها إلى إطار إقليمي لإجبار العالم على التفاوض معها حول ضمان مصالحها بعد سقوط نظام بشار الأسد. ومما يذكر أن إيران تتهم كلا من الولاياتالمتحدة وتركيا والسعودية وقطر بتقديم الدعم العسكري للثورة السورية، وهي تنفي بالمقابل تقديم المساعدة العسكرية للنظام. الحالة الثانية وهي الحالة الجزائرية التي عارضت المشروع السعودي ضد النظام السوري، وهو ما يعكس تخوف النظام الجزائري من أن يصل الاحتجاج الشعبي إليه. ولعل في تولي السعودية مشروع القرار ألأممي الأخير بالإسراع في تحقيق الانتقال السياسي في سورية دلالة لافتة، فالموقف السعودي، وهو الأول في تاريخها، يحمل في طياته، إلى جانب الدعم الكبير الذي تحقق له في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إصراراً واضحاً على مواجهة التداعيات التي قد تفرضها عملية الانتقال السياسي أو سقوط النظام في سوريا. ويمكن القول أنه رغم هذه التحديات وغيرها الكثير، فإن قمة مكة بقراراتها المتوقعة والمنتظرة قد تشكل علامة فارقة في تاريخ منظمة المؤتمر الإسلامي وفي هذه المرحلة الحساسة من التطورات التي يشهدها العالم أجمع ويُتوقع الكثير من القرارات المهمة اللازمة للقضايا المطروحة.