أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن التحدي الأكبر الذي نراه يهدد شعوبنا اليوم يتمثل في المحاولات اليائسة لنشر فكر منحرف ومتطرف تحت شعار إعلاء كلمة الدين الإسلامي، لافتا إلى أن خطورة ذلك تكمن في أن هذا الفكر بات يهدد أمن وسلامة الشعوب وحرياتهم وقدرتهم على ممارسة حياتهم اليومية. وأشار إلى أن تيار العنف والتطرف والإرهاب ينطوي على أفكار مغلوطة تجافي صحيح الدين الإسلامي وتسيء إلى مبادئه الداعية إلى تبنى مفاهيم السماحة والتآخي والتعايش السلمي بين البشر وتحريم القتل والعنف أيا كانت الذرائع. جاء ذلك في كلمة الرئيس السيسي – السبت 27 فبراير- خلال زيارته لجامعة نزارباييف، بالعاصمة الكازاخستانية. وتم إنشاء الجامعة في عام 2010 وفقاً لأعلى المعايير الدولية بمبادرة من الرئيس الكازاخي نزار باييف لتمثل صرحا تعليميا كبيرا ومركزا بحثيا فريدا ومتطورا في منطقة وسط آسيا. وقال السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الجامعة ترتبط باتفاقيات شراكة مع عدد من كبريات الجامعات العالمية، وتضم كليات الهندسة، والعلوم والتكنولوجيا، والتعليم، والعلوم الإنسانية والدراسات الاجتماعية، والطب، والسياسات العامة. وفيما يلي نص كلمة السيسي: «يسعدني أن أتحدث إليكم اليوم من هذا البلد الصديق الذي تجمعنا به أواصر وروابط تاريخية تعود إلى عقود عديدة شهدت تواصلاً مستمراً بين الشعبين في مختلف المجالات خاصة في المجال الثقافي والتعليمي. كما يسعدنى ويشرفني أن تتاح لى الفرصة للتواصل مع المجتمع الثقافي والأكاديمي الكازاخي من فوق منبر جامعة "نزارباييف" هذه المؤسسة العلمية الكبيرة التي أسهمت على امتداد العقد الماضي ولا تزال في إثراء الحياة العلمية والفكرية ليس في كازاخستان فحسب، وإنما على امتداد عالمنا الإسلامي وعلى المستوى الدولي. ويطيب لي في هذا المقام أن أشيد بحكمة الرئيس "نزارباييف" والتي انعكست في اهتمامه بمجال التعليم باعتباره مجالا حيويا وضروريا لبناء الأمم والشعوب يساهم في تحقيق نهضتها وتقدمها ولقد كانت رؤيته ثاقبة لإنشاء صرح تعليمي عظيم يثرى الحياة العلمية والأكاديمية في كازاخستان ويتواصل مع كبريات الجامعات الدولية لتحقيق التبادل المعرفي والثقافي بين كازاخستان ومختلف دول العالم. لقد كان التعاون الثقافي والأكاديمي بين مصر وكازاخستان ولا يزال الجسر الممتد للعلاقات الثنائية وأثق أن إرادتنا السياسية سوف تستمر لمد هذا الجسر بالمزيد من التواصل والنمو تحقيقا لرفاهية الشعبين ولطالما اتسمت علاقات البلدين بالتميز إذ كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بكازاخستان فور استقلالها عام1991 . كما تعد كازاخستان من أكثر الدول تأييداً لإرادة الشعب المصري الحرة ولخياراته المستقلة التي عبر من خلالها عن رغبة حقيقية في التغيير نحو الأفضل ونجحت مصر في تنفيذ كافة استحقاقات خارطة المستقبل التي توافقت عليها القوى الوطنية المصرية، حيث تم استكمال تلك الاستحقاقات بتشكيل مجلس النواب الجديد الذي يشهد أكبر نسبة تمثيل للمرأة والشباب، فضلاً عن ذوى الاحتياجات الخاصة والمصريين المقيمين في الخارج. وتواكبت مع تلك الجهود رؤية اقتصادية وتنموية تعمل مصر على تنفيذها سواء في المرحلة الراهنة أو من خلال إستراتيجية بعيدة المدى حيث يتم تدشين وتنفيذ العديد من المشروعات التنموية الكبرى مثل مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس وما يضمه من مناطق صناعية ولوجستية وموانئ ومشروع تنمية واستصلاح المليون ونصف المليون فدان لإنشاء مجتمعات عمرانية وتنموية متكاملة. كما تم في الرابع والعشرين من فبراير الجاري إطلاق إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030" التي تهدف إلى جعل مصر ضمن أفضل ثلاثين دولة على مستوى العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد، فضلاً عن مؤشرات جودة الحياة والارتقاء بمعدلات النمو إلى 10% سنويا مع مراعاة الأبعاد السياسية والاقتصادية والبيئية وتتكامل تلك الأهداف مع احترام حقوق الإنسان وضمان سيادة القانون، فضلا عن سياسة خارجية نشطة وفعالة ومتوازنة. إن التطورات التي تشهدها مصر تأتى في ظل أوضاع إقليمية سريعة ومتلاحقة وفى محيط إقليمي يموج بالأزمات التي تتسم بتعقيدات وملابسات تجمع بين الاقتتال الأهلي والتناحر الطائفي وتمدد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الأمر الذي ينذر بتهديد مفهوم الدولة الوطنية وكيانها. وأشار السيسي إلى أن الخطوة الأولى التي لا غنى عنها لمواجهة خطر التطرف والإرهاب هى أن نتوحد جميعا وبصدق النية والعزم على هزيمة الإرهاب والوقوف بحزم دون أي تهاون أمام الجماعات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة سعيا لوقف تمددها والقضاء عليها دون تمييز ولقد نادت مصر منذ عقود بضرورة القضاء على الإرهاب والتطرف الفكري المصاحب له من خلال وضع إستراتيجية شاملة لا تقتصر على البعد الأمني فحسب، وإنما تأخذ في الاعتبار أيضا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأبعاد الفكرية والدينية، بالإضافة إلى عدم التمييز فيما بين التنظيمات الإرهابية إلى تنظيمات متطرفة وأخرى أقل تطرفا. إن مصر بتراثها الثقافي والديني تعي جيداً الأساليب الهدامة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية باسم الإسلام من أجل السيطرة على عقول الشباب ولقد دعوت علماء الأمة لاتخاذ خطوات جادة من أجل مواجهة الفكر المتطرف وتصحيح مفاهيمه المغلوطة عن الإسلام على المستويين المحلي والدولي ووجهت نداء للأزهر الشريف بمنهجه الوسطى المستنير وبما يمثله من مرجعية دينية عنوانها الاعتدال والتسامح أن يعمل على إطلاق العديد من المبادرات لدحض الأفكار والمفاهيم المغلوطة وقيادة جهود التجديد في العلوم الفقهية والفكر الإسلامي لتتواكب مع روح العصر وتفنيد ادعاءات وحجج وفتاوى التنظيمات المتطرفة والرد عليها بهدف إعداد شباب واع وقادر على إدراك متطلبات العصر وتحدياته ومقاومة الانجراف وراء أهواء تنظيمات إرهابية لا ترغب إلا في تحقيق مآربها ومصالحها الشخصية. وفى هذا الصدد، فإننا في مصر نعول كثيرا على قيام شركائنا في المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات مماثلة والعمل كذلك على تنفيذ التدابير اللازمة لوقف استفادة الإرهاب من ثورة المعلومات ووسائل التكنولوجيا الحديثة التي ساهمت بلا أدنى شك في إضفاء أبعاد جديدة على ظاهرة الإرهاب والتطرف الفكري وجعلتها تنتشر بشكل متزايد بين أرجاء المجتمع الدولي الأمر الذي يستوجب العمل بجدية من أجل الحيلولة دون استخدام التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لتلك الوسائل من أجل نشر أفكارها المغلوطة واستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفها. وثقتي كاملة في أن دولة كازاخستان وما تمثله من اعتدال ووسطية شعبها وبحكمة وشجاعة قيادتها تعد في مقدمة شركائنا في مطالبة المجتمع الدولي بمزيد من العمل المشترك من أجل كف أيدي الإرهاب الغاشم عن مصائر شعوبنا ومستقبل أبنائنا والمضي قدما بخطى ثابتة على طريق التنمية الذي يعد وبحق العامل الرئيسي في اقتلاع جذور الإرهاب في ظل استغلال الجماعات الإرهابية للظروف الاقتصادية الصعبة لاستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفها. لقد جاء حصول مصر على عضوية مجلس الأمن الدولي عن الفترة 2016/2017 وانتخابها لرئاسة لجنة مكافحة الإرهاب المنبثقة عن المجلس ليعكس مدى اهتمامنا بهذه القضية ومدى ثقة المجتمع الدولي في حرصنا على النهوض بالجهود الدولية في مواجهة ظاهرة الإرهاب وعلى تبنى مواقف مبنية على مبادئ وأسس ثابتة لا تخضع لأي أهواء أو تحيز والاستمرار في انتهاج سياسات نشطة وواقعية لمواجهة جذور هذه الظاهرة. واختتم السيسي كلمته قائلا:إن جهود مكافحة الإرهاب لن تجدي نفعا إلا إذا بذلت في إطار من وحدة الهدف وإدراك لخطورة المعركة التي نخوضها فهى معركة من أجل مستقبل الحضارة الإنسانية كلها ومن أجل غد أفضل تستطيع شعوبنا أن تتمتع فيه بثمرة البناء والتقدم والرخاء بعيدا عن أعمال العنف والترويع وتهديد أمن الشعوب وسلامها».