واصل مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في دورته الأولى، الأربعاء 24 فبراير، فعالياته بتقديم فرقتي "المجد" للفنون الشعبية العمانية، و"وجدة الألفية للغناء الغرناطي" المغربية، عروضهما الفنية التي بهرت الجمهور الذي حضر لهما عروضهما على مسرح كورنيش الفجيرة. واستحوذت عروض فرقة "المجد" للفنون الشعبية العمانية، على إعجاب الجمهور حيث جعلت فنيات الإضاءة والخلفيات والمناظر المطلة على بحر عمان الكبير العرض يتحرك في بانوراما شبه طبيعية، فكانت موسيقى البحر وهدير أمواجه وإيقاعاته الحية مجسدة في العرض العماني. وكانت رقصة البحر العمانية التقليدية خير استهلال لعروض الفنون الشعبية، فبحر عمان يمثل العنصر الطبيعي الأول الذي قامت عليه الحضارة الخليجية ونهضت، وتجسد رقصة البحر العلاقة بين الرجل والمرأة في صراع الحياة وما بين هذا الصراع من مشاعر ولغة وتفاهم. و(الجنبية) العمانية أي الخنجر تشكل على الحزام رمزاً للرجولة، والعباءات المفضضة الناعمة تعطي البعد الآخر للأنثى شريكة الرجل ونصف الحياة، تحاول المرأة بحركة العباءة أن ترسم ملامح تموج صفحات وجه البحر، ويحاول الرجل باستعراض السيف والخنجر أن يجسد فكرة الحماية والصمود والفروسية لتتكامل عناصر الحياة بين القوة والنعومة فيحدث التوازن الكوني المنشود الذي يجعل الحياة ممكنة. فنياً تم تقسيم ألوان الأزياء بين الأحمر الوردي والأخضر للنساء، بينما احتفظ الرجال بألوان الأزياء التقليدية التي يغلب عليها الأبيض عدا ألوان العمامة والحزام. كان عازف المزمار التقليدي الذي عزف على الاسكوتش أو "القربة" هو بطل العرض بلا منازع، إذ تجول بين الجمهور وكسر الحاجز بين المسرح والجمهور وتفاعل معهم، وهذه الآلة مصدرها المرتفعات الأسكتلندية لكنها توطنت وصارت جزءاً من الثقافة الشعبية العمانية، وهي آلة معروفة بصوتها الشجي كما أنها آلة تنبيهٍ واحتفال تثير الحماس وتبعث على البهجة والفرح، وقد شهدت في المهرجانات الفنية الثقافية العمانية كما في صلالة مثلاً أنها الآلة الرئيسية التي يفتتح بها الاحتفال، وتتشكل منها أوركسترا كبيرة لزيادة الصوت والتأثير. في عرض كورنيش الفجيرة لعب عازف المزمار الأسكتلندي بأكثر من أسلوب أداء فنوع بين إيقاعات الحماسة على رقصة السيف والموسيقى البهيجة التي تهدف لإشاعة روح الفرح والبهجة. المغني الفردي ومجموعة الطبول والإيقاعات أحيت الليلة بكل جديد وغاص صوت المغني في أغوار بعيدة ليستخرج لنا جواهر النغم كدانات بحر عمان. كما جاءت مشاركة فرقة "وجدة الألفية للغناء الغرناطي" في مهرجان الفجيرة الدولي للفنون لتحقق إحدى مقاصد المهرجان العليا وهي ربط الثقافات المشرقية بالمغاربية، كما يهدف المهرجان أيضاً لتشجيع وإحياء الطبوع والموروثات الحضارية العريقة لا سيما على مستوى الوطن العربي والمشرق الإسلامي. يتميز المغرب العربي بالغنى والتنوع على مستوى تباين وتعدد ألوان أداء الغناء والموسيقى، فثمة الطبوع العريقة التي ترجع إلى الأثر الإسباني الأندلسي قبل آلاف السنين، وهناك اللون المغاربي الأصيل "الدورزوا" و "الصحراوي" فضلاً عن المقامات الشرقية الأخرى كالبياتي والعجم والمصمودي، وتحاول فرقة وجدة أن تعيد إلى الأسماع التقاليد الأندلسية في السماع والتذوق. التخت الأندلسي يعتمد على الوتريات والإيقاعات كالرق والصنج والكمان العربي والعود والقانون بجانب أعذب آلة موسيقية ألا وهي الصوت البشري وألوان الأداء الصوتي تتراوح بين القصائد الغزلية من أشعار "ابن زيدون" مثلاً: (لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا فلطالما غير النأي المحبينا" أو موشح "يا غزالاً نافراً قد غبت عني" أو "ولهان يهزه دلاله كالغصن مع النسيم مالو" الصوت الأندلسي أحياناً ينغم الحرف دون حاجة للشعر مثل "أمان أمان أمان أمان ليلى أمان أمان أمان" وهو لون قابل للتلوين والإعادة والتكرار بعشرات الأساليب الأدائية دون أن يمل. يعتمد اللون الأندلسي فنياً على ظاهرة مميزة للموسيقى الشرقية وهي ظاهرة التوافق الصوتي بين الآلة والإيقاع والصوت البشري والكورس الذي يستعيد المرجعات عبر صوت المغني الفردي. وفي نهاية الوصلات الغنائية قدمت المطربة خولة بنزيان أغنيتان من إبداعها الخاص، وفي الختام كرمت إدارة المهرجان الفرقتين العمانية والمغربية، بحضور المهندس محمد سيف الأفخم مدير المهرجان ومدير هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام.