بالتزامن مع الانتخابات النيابية.. «حماة الوطن» يدشن برنامجًا لإدارة الحملات الانتخابية    طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي بالمنيا يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    "التميز في النشر العلمي الدولي" ورش عمل بجامعة حلوان    «التضامن» تقر قيد 6 جمعيات فى 4 محافظات    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الخميس (جملة)    بعد الزيادة الكبيرة في عيار 21.. سعر الذهب اليوم الخميس 22 مايو 2025 بمنتصف التعاملات    السيسي يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة «شل» العالمية    الجريدة الرسمية تنشر 9 قرارات جديدة لرئيس الوزراء في عدد اليوم الخميس 22 مايو 2025    رئيس اتحاد الغرف البلغارية: يوجد فرص استثمارية بين مصر وبلغاريا في الزراعة والطاقة والمواصلات    الحكومة تستعرض تفاصيل مشروع القطار الكهربائي السريع.. 2000 كم و60 محطة لنقلة حضارية في النقل الأخضر    الجامعة العربية: فقدان التنوع البيولوجى تهديد مباشر لرفاهية الإنسان وأمن المجتمعات    بعد حادث واشنطن.. صحيفة عبرية توجه اتهامات ل «الموساد» (ما القصة؟)    مؤيد لفلسطين وتبرع لحملة بايدن.. من هو مطلق النار على موظفي سفارة إسرائيل ب واشنطن؟    حيش الاحتلال ينذر سكان 14 حيا في شمال غزة بالإخلاء تمهيدا لتوسيع عملياته العسكرية    عاجل- وزير الخارجية الإيطالي: إسرائيل تنتهك القانون الإنساني وندعم المقترح المصري لإعمار غزة دون تهجير    وزير الخارجية يلتقي مع المفوض الأوروبي للصحة    وزير الأوقاف يُدين استهداف وفد دبلوماسى دولى بنيران قوات الاحتلال فى جنين    معاريف: إطلاق النار بواشنطن ثاني فشل ل الموساد خلال عام    إمام عاشور يغادر المستشفى.. وفحص طبي جديد في مران الأهلي    564 ألفا و592 طالبا يؤدون امتحانات النقل بالفيوم.. صور    البدء في تصحيح أوراق امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بمطروح    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    القبض على 19 متهمًا بحوزتهم مخدر «الآيس» في بورسعيد    عامل ينهي حياة زوجته ب«عصا خشبية» بسبب خلافات أسرية بسوهاج    تعدى على الملكية الفكرية.. سقوط مدير مطبعة غير مرخصة في السلام    ارتكبوا 4 جرائم مشابهة.. القبض على لصوص المساكن في الحي الراقي    تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 22-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    الكشف اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الأحد.. وزير الثقافة يدشن تطبيق "ذاكرة المدينة" الخاص بجهاز التنسيق الحضاري    الليلة.. قصور الثقافة تقيم معرض تجربة شخصية بالعريش ضمن مشروع المعارض الطوافة    الأوقاف تشارك في ورش عمل لتصحيح السلوكيات والممارسات الصحية خلال عيد الأضحى    وزير الصحة يُهنئ رئيس هيئة «الاعتماد والرقابة» لحصوله على جائزة الطبيب العربي ل2025    المستشفيات الجامعية تنظم الاحتفالية السنوية لنظافة الأيدي احتفالا باليوم العالمي    عاصي الحلاني يختتم مهرجان القبيات الفني في لبنان أغسطس المقبل    الزمالك في مواجهة نارية ضد الترجي بنصف نهائي كأس الكؤوس الإفريقية لليد    جدول ترتيب الدوري السعودي قبل مباريات اليوم    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام الاتفاق في الدوري السعودي    بطولة أحمد داش.. الفيلم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر السينما    نصف نهائي بطولة أفريقيا لليد.. الموعد والقناة الناقلة لمباراة الزمالك والترجي    سعر الدولار اليوم الخميس 22 مايو 2025 في البنك المركزي    تقرير رسمى: تحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ بداية العام وحتى الآن    دوري أبطال إفريقيا.. بيراميدز يشارك في حفل "كاف" للكشف عن الشكل الجديد لكأس الأبطال    الحكومة تعلن تعديل قانون التعليم في مصر| 12 سنة إلزامية    «فولكانو ديسكفري»: نشاط زلزالي محتمل في الإسكندرية أو القرب منها    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    لماذا زادت الكوارث والزلازل خلال الفترة الحالية؟.. أمين الفتوى يوضح    مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزم التحقيق في هوية الشخص الذي أدار البلاد بدلا من بايدن    الفيلم الوثائقي الأردني "أسفلت" يفوز بجائزة في مهرجان كان السينمائي 2025    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    الزمالك يُكثف استعداداته لمواجهة بتروجت في دوري نايل    امتدح بوستيكوجلو دون ذكر اسمه.. صلاح يهنئ توتنهام بعد التتويج بالدوري الأوروبي    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    الاسم زوج..والفعل «مستعار»    خالد الجندي: الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة «جائزة» بشروط شرعية    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء الإداري يرسي مبدأ جديدة في قضايا تعذيب المواطنين

أقرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية مبدأ جديدا في قضايا التعذيب التي يرتكبها بعض ضابط الشرطة ضد أحد المواطنين بالبحيرة .
أكدت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة ، في حكم تاريخي على أن التعذيب جريمة وخطأ شخصي جسيم للضابط يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة بصورة بشعة يستوجب التعويض من ماله الخاص وليس من مال الوزارة لخرقه أحكام الدستور فضلا عن محاكمته جنائيا وإلزام وزير الداخلية بإحالة من يثبت فى حقه التعذيب لمجلس تأديب لمحاكمته تأديبيا.
وأكدت المحكمة ان التعذيب بجميع صوره وإشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته حقوق الإنسان ، كما أكدت أيضا على أن مفهوم الأمن تحول في الفكر الحديث من منظور ضيق قاصر على الشرطة إلى شراكة مع الجمهور فالإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق الجرائم المكتشفة مما يقتضى ضرورة التعاون بينهما ، وأكدت أيضا على ان التعذيب نظرا لخطورة أثاره على مستقبل الضابط فانه يلزم إقامة الدليل عليه ورفضت تعويض المواطن لعجزه عن تقديم الدليل ولحصول الضابط على قرار من النيابة العامة بالحفظ.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاوري نائبى رئيس مجلس الدولة، أولا : فى الدعوى الاصلية : بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب المدعىأبو الخير يسين احمد أبو الخير الزام وزير الداخلية بتعويضه عما ذكره من تعرضه للتعذيب على يد الضابط محمد احمد زايد رئيس مباحث ايتاى البارود انذاك لحفظ النيابة العامة المحضر الادارى رقم 5397 لسنة 2004 إداري ايتاي البارود لعدم كفاية الادلة وعدم ثبوت دليل التعذيب والزمته مصروفاتها . ثانيا : وفى الدعوى الفرعية : المقامة من وزير الداخلية ضد الضابط المذكور بعدم قبولها والزمت الادارة مصروفاتها.
قالت المحكمة ان اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة بالقرار 39/46 المؤرخ في 10 ديسمبر 1984والتى دخلت حيز النفاذ فى 26 يونيه 1987 تقرر تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها على مستوى العالم، ومراعاة منها المادة 5 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، ومراعاة منها ايضا لاعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ،الذي اعتمدته الجمعية العامة .وقد أقرت مصر الاتفاقية وفقاً للقرار الجمهوري 154 في 6 إبريل 1986 ونُشرت في الجريدة الرسمية المصرية في 7 يناير 1988 ودخلت حيز النفاذ في 25 يوليو 1986واصبحت من ثم قانونا من قوانينها.
واضافت المحكمة ان المشرع الدستورى المصرى جعل الكرامة حق لكل انسان ولم يجز المساس بها , والزم الدولة باحترامها وحمايتها وجعل التعذيب بجميع صوره واشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لتعلقها بحقوق الانسان والزم الدولة بان كل من يقبض عليه او يحبس او تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته ، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا اكراهه ولا ايذاؤه بدنيا او معنويا ولا يكون حجزه او حبسه الا فى اماكن مخصصة لذلك لائقة انسانيا وصحيا وجعل كل مخالفة لاى من تلك الالتزامات الدستورية جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون بل منح للمتهم حق الصمت واهدر كل قول يثبت انه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم او التهديد بشئ منه ولا يجوز التعويل عليه، كما ان المشرع الدستورى جعل الشرطة فى خدمة الشعب وولاؤها له وتكفل للمواطنين الطمأنينة والامن وتسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
وذكرت المحكمة أن الفقه اللاتيني قد ذهب إلى أن الخطأ الشخصي المتصل بالوظيفة الإدارية يأخذ إحدى صورتين : فإما أن يكون خطأ عمدياً ، وإما أن يكون خطأ جسيماً بحيث يصل إلى حد خرق أحكام الدستور أو ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات ، وفي الحالتين يسأل الموظف من ماله الخاص ، ويستوجب مسئوليته الشخصية ، وتتمثل الصورة الأولى في الخطأ العمدي faute intentionnelle la وغايته البحث عن اتجاه نية الموظف إلى إلحاق الأذى بالغير ، كاشفاً بذلك عن شخصية مرتكبه الضعيفة ونزواته الهزيلة وعواطفه المتهاترة باغياً من تصرفه تحقيق مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتية وأغراضه الخاصة التي لا تتعلق بالصالح العام بأي صلة و لا ترتبط بأي علاقة مع الخدمة الوظيفية ، فتقوم مسئوليته الشخصية ويلتزم بالتعويض من ماله الخاص عن الاضرار التي اصابت الغير ، اما الخطأ الجسيم faute lourde la فهو الخطأ الذي يجاوز المخاطر العادية للوظيفة ، ولا يمكن قبوله أو ايجاد عذر لارتكابه ، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة للموظف غير المتوسط ، ويعد الخطأ جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الايذاء ام لا ، وفي تلك الحالة يخطئ الموظف خطأ قانونيا جسيما ، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة ، ويمثل ذلك التجاوز انحرافا حقيقيا للسلطة في الدرك الاسفل منها ، وهو ما يستوجب مسئولية الموظف الشخصية ، ويسأل عنه الموظف في ماله الخاص .
وأشارت المحكمة إلى 14 مرجعا علميا لفقهاء فى فرنسا وحكمين للقضاء الإداري المصري إبان العصر الملكي وتسعة أحكام حديثة لمجلس الدولة الفرنسي.
واكدت المحكمة ان ارتكاب رجل الشرطة جريمة التعذيب الواقع على احد المواطنين تعد خرقا دستوريا وجرما جنائيا واثما تأديبيا وتشكل خطأ شخصياً من جانبه تستوجب مسئوليته عن التعويض المطالب به من ماله الخاص باعتبار ان التعذيب ينال من الكرامة الانسانية وان ارتكابه لهذا الخطأ الجسيم يجاوز المخاطر العادية للوظيفة ، وان التعذيب لا يمكن قبوله أو ايجاد عذر لارتكابه ولا يمكن التسامح فيه خاصة بعد ان ثار الشعب على كل مظاهر الاستبداد بثورتيه فى 11 يناير 2011 و30 يونيه 2013 ، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة لرجل الشرطة غير المتوسط ، ويعد الخطأ فى حالة التعذيب جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الايذاء ام لا ، ، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة ، ويمثل ذلك التجاوز منه انحرافا حقيقيا للسلطة في الدرك الاسفل منها وهو المنوط به بان يكفل للمواطنين الطمأنينة والامن والسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة ويلتزم بما يفرضه عليه الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، وهو ما يستوجب المسئولية الشخصية لرجل الشرطة ، ويسأل عنه في ماله الخاص . فضلا عما يؤدى اليه التعذيب من نتائج فادحة تتمثل فى ايذاء الشعور العام للمواطنين وما يترتب على ذلك من عدم استقرار الحياة فى المجتمع وتعارضه مع اصل من الاصول القانونية الذى تمليه الطمأنينة العامة وما تقضى به ضرورة إستقرار الحقوق و الروابط الإجتماعية إستقراراً ثابتاً ، و لذلك تعتبر المخالفة القانونية فى هذه الحالة خطيرة و جسيمة ومن ثم وجب اعتبار خطأ رجل الشرطة فى تلك الحالة خطأ شخصياً يستوجب مسئوليته عن التعويض من ماله الخاص.
واضافت المحكمة ان الضابط الذى يرتكب التعذيب على احد المواطنين بمناسبة وظيفته فان هذا التعذيب بجميع صوره واشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته اصلا من الاصول المتعلقة بحقوق الانسان , لذا فانه يتحمل قيمة التعويض من ماله الخاص وليس من مال وزارة الداخلية باعتبار ان التعذيب يمثل خطأ شخصيا يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة الامنية وخرقا دستوريا لما اولاه المشرع الدستوري لأول مرة فى الدستور المعدل لعام 2014 من الزام العاملين بجهاز الشرطة بحماية حقوق الانسان , كما انه يتوجب احالته الى القضاء الجنائى لمحاكمته جنائيا عن واقعة التعذيب بحسبانه سلوكا ماديا وفقا لنموذج التجريم يخرج عن قيم المجتمع المحروسة من المشرع متصلا بالركن المعنوى عن علم ووعى بالملابسات التى تحيط بهذا السلوك , فضلا عن وجوب قيام وزارة الداخلية بمحاسبته تأديبيا عن هذا الفعل الذى يخرج خروجا صارخا عن مقتضيات واجبات ضابط الشرطة المنوط به كفالة الطمأنينة والامن للمواطنين والسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة والالتزام بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات والاحترام لحقوق الانسان وحرياته الاساسية.
ومن حيث أن المشرع قرر فى قانون هيئة الشرطة انه يجب على الضابط مراعاة احكام هذا القانون وتنفيذها وعليه كذلك ان يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام وان يسلك فى تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب لها كما انه بموجب هذا القانون يسرى على اعضاء هيئة الشرطة مالا يتعارض مع هذا القانون من الأحكام الواردة فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وفى قانون التأمين الاجتماعي ولما كان قانون هيئة الشرطة خلا من تنظيم المسئولية المدنية للضابط عن خطئه الشخصى فانه يتعين سريان المبدأ الوارد في نظام العاملين المدنيين بالدولة الذى حدثت الواقعة محل النزاع فى ظله ومن بعده قانون الخدمة المدنية – وهو الشريعة العامة الواجبة التطبيق – أن الموظف لا يسأل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي .
وأكدت المحكمة في حكمها التاريخي أن مفهوم الأمن في الفكر الحديث تحول من منظور ضيق كان قاصرا على جهاز الشرطة إلى نظرة اعم واشمل جعلت منه مسئولية قومية يشارك فيها كل أفراد المجتمع اذ اضحى مفهوم الأمن شراكة بين كل أجهزة الدولة وكافة قطاعات الجمهور , وتعتبر العلاقة بين الشرطة والجمهور من أهم القضايا الأمنية لان مساهمة الجمهور في حفظ الأمن وتعاونه مع الشرطة يعد من مقتضيات الفاعلية لكشف الجريمة خاصة أن الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق إلى حد كبير عدد الجرائم المكتشفة الأمر الذي يبرز أهمية وضرورة التعاون الوثيق بين الشرطة والجمهور في تحقيق الأمن وما يقتضيه ذلك من وجوب اتسام العلاقة بينهما بالحميمية بدلا من افتقارها إلى التفاهم والتعاون وسوء الظن اذ يجب على رجال هيئة الشرطة المنوط بهم حماية أرواح وأموال المواطنين عدم الاعتداء بالتعذيب او بما من شأنه ان ينال من كرامة الإنسان لان القيام بذلك يبث الكراهية فى نفوس المواطنين تجاه رجال الشرطة بحسبانهم المنوط بهم اغداق حمايتهم وليس اقتراف تعذيبهم او النيل من كرامتهم فرجل الشرطة حينما يخطئ أويسلك مسلكًا معيبًا فانه يؤدي إلى انعكاسات سلبية على علاقته مع المواطنين ويجب مواجهتها بحسم وردعها بالكيفية التي تتناسب مع خطورتها لان الاصل أن الشرطة تؤدى وظيفتها في خدمة الشعب باعتباره واجبا دستوريا يبلور رسالة الشرطة في علاقاتها بالشعب لهذا كان لزامًا أن تكون ممارستها تحت إشراف السلطة القضائية ضمانا لعدم إساءة استخدامها
وذكرت المحكمة انه نظرا لخطورة الاثار المترتبة على التعذيب لمستقبل الضابط فانه يلزم اقامة الدليل عليه , ولما كان المدعى نسب الى الضابط محمد احمد زايد رئيس مباحث ايتاى البارود انذاك انه قام بتعذيبه اعتبارا من 18/5/2004 حتى يوم 21/5/2004 وانه حرر عن هذه الواقعة المحضر رقم 5397 لسنة 2004 إداري ايتاي البارود وذكر فى عريضة دعواه ان النيابة العامة قامت بحفظ هذا المحضر بتاريخ 7/2/2005 لعدم كفاية الادلة وقد كلفته المحكمة على مدار عدة جلسات ان يقدم بكافة طرق الاثبات ما يفيد تعرضه للتعذيب وصرحت له باستخراج صورة رسمية من التقرير الطبى الذى قدم صورة ضوئية منه غير ممهورة بخاتم الجمهورية او باى خاتم للمستشفى الا انه لم يقدم هذا او ذاك مما لا تطمئن معه المحكمة لهذه الورقة المرسلة , واذ استقرت محكمة النقض على ان أمر الحفظ الذي تصدره النيابة العامة بعد قيامها بأي إجراء من إجراءات التحقيق هو في صحيح القانون أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بمجرد صدوره حجيته في مواجهة كافة الخصوم في الدعوى، ومقتضى هذه الحجية امتناع العودة إلى الدعوى إلا في الحالات وبالكيفية التي قررها الشارع في المواد 210، 211، 213 من قانون الإجراءات الجنائية، ولو جاء الأمر في صيغة الحفظ الإداري، وسواء كان مسبباً أم لم يكن. كما أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له قوة الأمر المقضي به يمتنع معه تحرك الدعوى الجنائية من بعد صدوره ما لم تظهر أدلة جديدة قبل انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة أو يصدر النائب العام قراراً بإلغاء الأمر خلال المدة المنصوص عليها في المادة 212 من قانون الإجراءات الجنائية.
وان ادعاء المدعى انه قد تعرض للتعذيب على يد الضابط المذكور دون ان يقيم الدليل عليه وعجز عن اثبات دعواه رغم تكليفه بذلك عدة جلسات حال ان النيابة العامة قد حفظت المحضر المشار اليه لعدم كفاية الادلة فان ادعاءه - والحال كذلك- يكون مرسلا وينتفى معه ركن الخطأ فى جانب وزارة الداخلية بحسبانها المتبوع المسئول عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى ثبت فى حقه وكان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها وهو ما خلت الاوراق من ثبوته وتنهار معه باقى اركان المسئولية , ويضحى طلب المدعى بالزام وزارة الداخلية بالتعويض قائما على غير اساس سليم من الواقع او القانون مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى .
وذكرت المحكمة انه لا يحاج فى هذا المقام , ماذكره المدعى من ان قرار النيابة العامة بالحفظ فيه اجحاف بحقوقه , ذلك انه كان بامكانه التظلم منه لدى النائب العام وفقا للاجراءات المقررة قانونا , فضلا عن ان المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء محكمه النقض أنه لا يجوز التعويض عن أعمال السلطة القضائية سواء الأحكام الصادرة في الدعاوى الجنائية أو التأديبية وكذلك الإجراءات المتعلقة بعمل النيابة العامه بوصفها قرارات قضائية ينحسر عنها وصف القرارات الادارية فإجراءات التحقيق والمحاكمة وما تبعه يعتبر من قبيل الأعمال القضائية التي لا يجوز المطالبة بالتعويض عنها .
وأما عن دعوى الضمان الفرعية المقامة من وزير الداخلية بصفته ضد الضابط المذكور لتحميله فى ماله الخاص ما عساه ان تحكم به المحكمة فى الدعوى الاصلية فقالت المحكمة ان المستقر عليه فى قضاء الادارية العليا والنقض أن دعوى الضمان الفرعية هى دعوى مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية ولا تعتبر دفاعاً ولا دفعاُ فيها وإن لكل منها ذاتيتها واستقلالها بما ينبنى عليه أنه يجوز للمضرور أو طالب الضمان أن يطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأًصلية استقلالا دون انتظار الفصل فى طلب الضمان , كما أن المادة (120) من قانون المرافعات لم تلزم المحاكم بالفصل فى الدعوى الأصلية بطلب التعويض وفى طلب الضمان فجاءت صياغته بأن يقضى فى طلب الضمان وفى الدعوى الأصلية بحكم واحد كلما أمكن ذلك وإلا فصلت المحكمة فى طلب الضمان بعد الحكم فى الدعوى الأصلية .واذ كانت الجهة الإدارية المدعية فى هذه الدعوى تبتغى الحكم بإلزام المدعى عليه ( الضابط ) لتحميله فى ماله الخاص ما عساه ان تحكم به المحكمة فى الدعوى الاصلية ، ولما كان ما تقدم وكانت المحكمة قضت برفض الدعوى الاصلية فى هذه الدعوى ، ومن ثم فلا يوجد ثمة نزاع ثائر فى الدعوى الفرعية بينها وبين المدعى عليه فيها ومن ثم فقد انتفى النزاع بينهما ، الامر الذى تقضى معه المحكمة بعدم قبول هذه الدعوى الفرعية لانتفاء النزاع فيها
وذكرت المحكمة ان المشرع الدستورى كذلك ارتقى بالحماية الدستورية للحرية الشخصية او حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وجعل كل اعتداء على احداهما وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم , واجاز للمضرور اقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر والزم الدولة ان تكفل تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء ومنح المشرع الدستورى للمجلس القومى لحقوق الانسان الحق فى ابلاغ النيابة العامة عن اى انتهاك لهذه الحقوق وله ان يتدخل فى الدعوى المدنية منضما الى المضرور بناء على طلبه.
واشارت المحكمة أن القاعدة التقليدية في مجال قيام مسئولية الإدارة على أساس ركن الخطأ قد حرصت على التمييز والتفرقة بين الخطأ المرفقي أو المصلحي la faute de la service الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته ، وبين الخطأ الشخصي faute personnelle la الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى الموظف ذاته ، ففي الحالة الأولى تقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها و لا يسأل الموظف عن اخطائه المصلحية والإدارة هي التي تدفع التعويض ، وفي الحالة الثانية تقع المسئولية على عاتق الموظف شخصياً ، فيسأل الموظف عن خطئه الشخصي وينفذ الحكم قي أمواله الخاصة.
واختتمت المحكمة حكمها ان نظرية الخطأ الشخصى من ابتداع القضاء الإداري لضمان حسن سير المرفق العامة بانتظام وإطراد ، وحتى لا يحجم عمال تلك المرافق عن القيام بواجباتهم الوظيفية خشية المسئولية عن كل ما يقع منهم من أخطاء بمناسبة تسيير المرافق العامة ، فقامت هذه النظرية على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصي بمعاييره وضوابطه المحددة ، وبين الخطأ المرفقي الذي يقع من عامل معرض للخطأ والصواب وبمناسبة تسيير المرافق العامة ، وقد كان القضاء الإداري المصري سباقاً عن المشرع في خلق وابتداع تلك النظرية ، و قد لحقه المشرع المصري إذ قنن هذه النظرية بالنص عليها بداءة في المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 ، ثم بالمادة (55/3) من القانون رقم 58 لسنة 1971 ، و بالمادة (78) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بأن نص على أن " لا يسأل العامل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي " واخيرا بمقتضى المادة 55 من القانون رقم 18 لسنة 2015 باصدار قانون الخدمة المدنية والتى جرها نصها على انه : " ولا يسأل الموظف مدنيا الا عن خطئه الشخصى ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.