كالعادة كان لابد من تدخل الرئيس لكسر طوق سياسة الجزر المنعزلة التي تحكم أداء الحكومة وأجهزتها والتي تناولت مظاهرها في بعض مقالاتي الأخيرة. كان من نتائج هذا الوضع السائد تعطيل المشروعات الاستثمارية التي تحتاجها مسيرة التنمية التي لا تقدم ولا نهوض بدونها. هذه القضية كانت ومازالت متمثلة فيما يواجه المستثمرين من تعويق مفتعل لمشروعاتهم. ليس خافيا الأسباب وراء هذا السلوك والذي ينحصر في مساوئ الأداء بالأيدي المرتعشة أو الاستجابة لما يسعي اليه الفساد ويستهدفه المفسدون. لم يكن شيئا غريبا ان يعلن الرئيس استعداده للتوقيع علي أي قرار بنفسه يتعلق بتسهيل اقامة اي مشروع يساهم في دفع خطة التنمية. انه بذلك يؤكد ادراكه لحجم البيروقراطية التي يتم اتخاذها غطاء مستترا لما عانينا ونعاني منه من تخلف عن مواكبة النهوض لسرعة الانجاز. ان هذه الأيدي المرتعشة لمسئولينا ليست سوي حالة مرضية من أهم شواهدها فقدان شجاعة الموافقة علي ما هو مطلوب من قرارات.. لا جدال أنه كان وراء ذلك.. موجة الاتهامات التي لم يكن لها لا ضابط ولا رابط وسادت الساحة بعد ثورة ٢٥يناير. هذا التوجه لقي الدعم والتأييد من جماعة الارهاب الاخوانية سعيا إلي احكام سيطرتها علي مقاليد الأمور في هذا البلد من خلال الارهاب وتشويه كل شيء. كان من نتيجة هذا الذي حدث.. تفشي ظاهرة توجيه الاتهامات عمال علي بطال دون أي سند ترتب علي هذ المناخ تقديم الضحايا إلي المحاسبة القضائية وما يمكن ان يرتبط بها من مهانة وفترات للسجن الاحتياطي لا فرق بين البريء وغير البريء إلي ان تصدر الأحكام النهائية. هذا الذي حدث يذكرنا بالحكاية السياسية الفكاهية التي ترددت في إحدي فترات حكم الستينيات. إنها تقول ان حمارا شوهد يعبر الحدود هاربا من مصر إلي ليبيا فسأله أحدهم لماذا تهرب ومعروف انك حمار لم ترتكب جرما. هنا ضحك الحمار ساخرا وهو يرد: انني أهرب مما سوف يصيبني إلي أن أثبت أنني حمار؟! من المؤكد أن أصحاب هذه الأيدي المرتعشة قد يكونون علي يقين بأنهم ليسوا فاسدين ولا يسعون لارتكاب ما يضر بوطنهم. رغم هذا فإن خوفهم من أن يؤدي توقيعهم بالموافقة علي ما هو معروض عليهم إلي وقوعهم فريسة للشكاوي الكيدية تجعلهم يفضلون عدم التوقيع ضمانا للنجاة من أي اتهام أو محاسبة. يضاف إلي أسباب ارتعاش هذه الأيدي - في بعض الأحيان - الافتقار إلي الكفاءة والثقة.. لا جدال ان غياب هاتين الصفتين يحرم اي مسئول من شجاعة اتخاذ القرار الصحيح الذي يحقق المصلحة العامة وليس أي شيء آخر. من جانب آخر وحتي إذا ما توافرت هذه الصفات والقدرة علي اتخاذ القرار فإن هذه الفئة لا تسلم أيضا من الخوف والتردد نتيجة غياب ضمانات الحماية لهم في مواجهة إرهاب البلاغات الكيدية الموتورة . ان عدم اللجوء إلي تفعيل قوانين حساب ومعاقبة مقدمي هذه البلاغات بعد ثبوت كذب ما جاء فيها من اتهامات وادعاءات.. ساهم في استشراء اضرار هذه الظاهرة علي إيجابية الأداء داخل أجهزة الدولة. ان كل مخلص غيور ومتحمس يتطلع إلي انطلاق هذا البلد إلي آفاق التقدم والازدهار لتعويض ما فات - وهو كثير- لابد أن يحزن ويأسي لهذا الوضع المأساوي الذي نعيشه والذي اصبح قيدا يقف عقبة أمام الآمال والطموحات. هذا الواقع المؤسف كان وراء احتداد السيسي وهو يقوم بافتتاح مصنع الفيوم. تجلي ذلك في الشكوي والتحذير من البيروقراطية التي تعوق الانجاز بالمعدلات المطلوبة. قال لمن حوله «هاتولي القرارات المتعلقة بمشروعات التنمية المعطلة وسوف أوقع عليها بنفسي للخلاص من هذه البيروقراطية التي تكلفنا استمرار التخلف وخسائر بمليارات الجنيهات». ان ما عبر عنه الرئيس في هذه الكلمات المريرة ليست إلا تجسيدا لموانع عدم التقدم بالمعدلات الواجبة التي تستجيب لما نتطلع اليه ونتمناه. هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق بدون ان يحرص كل في موقعه علي الانجاز والعمل والانتاج وبذل العرق.. في كل مجال من المجالات. ليس هناك من فرصة لأي تحسن في الأحوال المعيشية دون وعي باهمية وحتمية العمل والانتاج. لابد من التخلي من وضع الأيدي علي الخدود والجلوس في المقاهي والتجول في الشوارع في انتظار الفرج المتمثل في الحصول علي ما نحلم به دون أن نقدم مقابله عملا وانتاجا وعرقا. هذا الذي أقوله كان وسيلة كل الشعوب الذي أدركت أهمية كل هذه المتطلبات والواجبات. ان العائد الذي تحصلت عليه في النهاية هو تمتعها بالحياة الكريمة وتقدم الاوطان ما تنتمي اليها.