عشت أياما معدودة في العاصمة السودانية الخرطوم، مع معاناة الصحافة أهلها،من خلال مشاركتي كمراقب في اجتماعات الامانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب والمكتب الدائم، لم تكن المرة الاولي للتماس مع هذه المنظمة العربية الهامة، والتي تضم في عضويتها 19 نقابة، ولكنها بالقطع هي الاهم، فقد سبق لي ان تابعت اجتماعات لها في دورات سابقة في القاهرة، وأهمية تلك الدورة، مرتبط بالظرف التاريخي الذي تمر به المهنة من جهة، والمنطقة العربية من جهة أخري، وظني أن القائمين علي الاتحاد كانوا علي قدر من المسئولية، من خلال المناقشات حول امرين مهمين، الاول مايتعلق بوضع الاتحاد نفسه، والثاني الاوضاع الصعبة التي يتعرض لها العاملون في الصحافة، في عدد ليس قليلا من الدول العربية. المناقشات كانت حامية، وقادها نقيب الصحفيين المصريين يحيي قلاش، وهو نموذج علينا ان نفخر به جميعا، وأظن انه في طريقه إلي تولي رئاسة الاتحاد في الانتخابات القادمة حول التراجع الشديد لدور الاتحاد، علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية وحتي المهنية، مقارنة بما كان عليه الحال منذ تأسست لجنته التحضيرية في فبراير 1964، ومؤتمره العام الاول، الذي استضافته الكويت في فبراير من العام التالي، الاتحاد، بعد ان كان مع اتحاد المحامين العرب، اهم تجمع مهني عربي، له ادوار سياسية وتعمل له الحكومات العربية ألف حساب. وتعددت الاجتهادات في تفسير سر ذلك التراجع، منها مايتعلق بالظروف السياسية التي تمر بها المنطقة، ومنها مايشير إلي تعدد الوسائل الاعلامية، وطغيان دور شبكات التواصل الاجتماعي، وكلها تؤدي إلي نتيجة واحدة، والتي عبر عنها المجلس في بيانه الختامي بأنه «وصل إلي حالة الجمود وانعدام التنسيق والجدوي « مما يستوجب معه التغيير الجذري، وإدخال إصلاحات عميقة علي مستوي الخطاب والممارسة «،وقد قرر المشاركون عقد مؤتمر عام استثنائي في مايو من العام القادم في تونس، للمصادقة علي النظام الاساسي الجديد للاتحاد، وخطة عمل تتوافق مع انتخاب قيادة جديدة للاتحاد،قد تساهم في بث الحيوية داخل واحد من اهم الاتحادات العربية وأقدمها. اما الامر الثاني، فهو المتعلق بالارتباط بين الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، وبين اوضاع الصحفيين والصحافة، وقد نجح المشاركون في الاجتماعات، وجميعهم من قادة الرأي في الدول العربية، في توصيف صحيح ودقيق للحالة العربية،التي مازالت تعيش حالة مخاض حقيقي، غير انه يعاني من مصاعب الانتقال الديمقراطي،الذي ادي في بعض الدول العربية إلي حالة انفلات، تهدد بتقويض اركان التنظيم المدني للدولة والمجتمع، كما تعاني بعض الدول العربية من تنامي ظاهرة الارهاب،التي تمكنت من بعض الدول العربية، بفضل ضعف الدولة أو إضعافها، وذلك بإرادة خبيثة من بعض الدولة الإقليمية والدولية، وكان من الواضح ان الصحفيين، هم في مقدمة من يدفعون ثمن الارهاب ومصاعب ذلك الانتقال الديمقراطي، فكان من المهم التأكيد علي مجموعة من المبادئ، منها ان الديمقراطية خيار لايمكن التراجع عنه، وأن الصحفيين لايمكن ان يكونوا محايدين في المعركة ضد الارهاب. في نفس الوقت مطالبة الحكومات العربية، بعدم اخذ الحرب ضد الارهاب، ذريعة لفرض مزيد التضييقات علي العمل الصحفي،والحريات عموما. وقد كشف التقرير الذي قدمه الامين العام للاتحاد الزميل حاتم زكريا،عن الثمن الباهظ الذي يدفعه الصحفيون، للدفاع عن حق الموطن العربي في المعرفة، وتتنوع من ظلم ذوي القربي من بعض الانظمة العربية، ومنها اليمن التي يعاني صحفيوها من ابشع صورالاضهاد، علي يد تحالف الخروج علي الشرعية من الحوثيين،وجماعة علي عبدالله صالح مرتين، باعتبارهم مواطنين يمنيين وكونهم ثانيا قادة رأي وفي مقدمة معركة الدفاع عن الشرعية، فلم يقتصر الامر كما قال مروان دماج وكيل نقابة الصحفيين اليمنيين علي الاستيلاء علي جميع المؤسسات الاعلامية، وإغلاق كل الصحف الخاصة، سوي عدد محدود محسوب علي جماعة الحوثي وصالح، كما سقط شهداء، وهناك من تم خطفه او اعتقاله،ومن ذلك ايضا مصادرة الصحف التي عانت منها الصحف السودانية مرتين، خلال هذا العام في فبراير ومايو، وطال في إحدي المرات 14 صحيفة. اما المأساة الحقيقية فهي تلك التي يعيشها المئات من الصحفيين الفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي، والتي وثقها د.عبدالناصر النجار نقيب الصحفيين هناك، وتضمنها تقرير كامل تم تقديمه إلي الاجتماع، كشف عن 112 انتهاكا وجريمة بحق الصحفيين الفلسطينيين والمؤسسات الاعلامية، خلال احداث الهبة الشعبية الفلسطينية المتواصلة، منذ بداية شهر اكتوبر الماضي،وحتي منتصف نوفمبر الماضي، وكان الرقم قد وصل إلي 229 منذ بداية العام الحالي، وحتي اكتوبر، ولهذا فقد دعم اتحاد الصحفيين العرب مطلب نقابة فلسطين، وتوجها إلي ايداع ملف لدي المحاكم الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب عن جرائمهم، بحق الصحفيين الفلسطينيين، ولرفع قضايا امام محاكم اوربية ودولية