رئيس الوزراء يؤكد موقف مصر الراسخ لدعم القضية الفلسطينية    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 23 يوليو 2025    ترامب: سأتخلى عن الرسوم الجمركية في هذه الحالة    إعلام إسرائيلي: حماس تطالب بإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى    الداخلية السورية تنفي عمليات إعدام جماعية بحق موقوفي النظام السابق    هجوم روسي أدى إلى انقطاع الكهرباء عن 220 ألف أوكراني    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    رغبة جارسيا تتحدى عروض الرحيل عن الريال    ليفربول يوقع عقد احتراف مع اللاعب المصري كريم أحمد    بعد الرحيل عن الأهلي.. يحيى عطية الله يقترب من العودة لناديه الأصلي (تفاصيل)    انقلاب ميكروباص وإصابة 10 أشخاص على الطريق السياحي بالجيزة    وكيل تعليم سوهاج يناقش أهم المقترحات للانتهاء من الفترة المسائية بمدارس المحافظة    تجديد الثقة في تامر سمير رئيسا لجامعة بنها الأهلية والمغربي والدش وشكل نوابا حتى 2026    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    «نوستالجيا» أيامنا الحلوة.. فن إحياء الماضي في الأوبرا    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    113 شهيدًا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    طرح الإعلان الرسمي لفيلم Giant بطولة أمير المصري    مؤشرات تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي في كل المحافظات    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    الأسد من المشاهير والحمل قائد المشاريع.. كيف يتعامل مواليد كل برج مع الحياة الجامعية؟    حقق إيرادات 51 مليون جنيه في 21 يوم.. أحدث أفلام أحمد السقا في السينمات (تفاصيل)    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    عرضان برتغالي ومصري.. الأهلي يستقر على إعارة لاعبه    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة ويشيد بالتقدم المحقق    برلماني: "23 يوليو" نقطة تحول لبناء دولة العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني    اللون الأخضر يكسو مؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم    محافظ الغربية يتابع أعمال إصلاح كورنيش طنطا: نتحرك بخطوات مدروسة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    ماذا يحدث للجسم عند تناول الحمص يوميا؟    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    وزيرا الأوقاف والتربية والتعليم يوقعان بروتوكول تعاون لإطلاق حضانات تعليمية بالمساجد    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    السيسي: مصر دار الأمن والاستقرار ولدينا 10 ملايين شخص من بلاد كثيرة    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    وزير الخارجية يُسلِّم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى رئيس بوركينا فاسو    وفاة 4 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة بين عائلتين بقنا    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر رزق يكتب: مرافعات السيسي..وتدشين صفحة جديدة في العلاقات مع ألمانيا
ورقة وقلم
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 04 - 06 - 2015


الحقيقة التي باتت تدركها ميركل
بهدوء.. قال الرئيس عبدالفتاح السيسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل »أنتم لا تدركون حتي الآن معني أن ينزل 30 مليون مصري من منازلهم، وأن يقفوا في الشوارع يوم 30 يونيو، يريدون التغيير وإنقاذ بلدهم من شبح حرب أهلية يحوم فوق رءوس المصريين«.
وبحسم.. ردت ميركل علي السيسي:
«سيادة الرئيس.. لو لم نكن أدركنا هذه الحقيقة، ما كنا نستقبلك اليوم في هذا المكان!».
جاءت ملاحظة السيسي، ورد ميركل في ختام الجلسة الثنائية لمباحثات القمة المصرية الألمانية التي جرت ظهر أمس بدار المستشارية الألمانية في برلين.
هذه المساجلة الصريحة طوت نهائيا صفحة ظلت تخيم علي علاقات البلدين منذ 30 يونيو 2013، حينما تبنت ميركل موقفا غير مفهوم من ثورة الشعب المصري، وتمسكت به ما يزيد علي العام، ثم شرعت في مراجعته، مع اتصال تليفوني أجرته مع السيسي، وعدلت عنه بعد لقاء أكثر من ناجح جمع بينهما في دافوس يوم 23 يناير الماضي.
أخيرا.. طويت هذه الصفحة أمس، وفتحت صفحة جديدة في العلاقات السياسية والتشاور بين البلدين تتصف بالنضوج، اساسها وجود مصلحة استراتيجية تربط مصر وألمانيا، تحتمل الاختلاف في وجهات النظر، وتحترم الرؤي وإن تعارضت، وتعتمد النقاش والحوار والزيارات المتبادلة منهجا لشرح موقف كل طرف، وتتطلب التركيز علي ما يجمع البلدين من مصالح حيوية في تحقيق الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب بما يصون أمن واستقرار أوروبا، وتستوجب تعزيز علاقات الشراكة والتعاون المصري الألماني لمساندة المهمة الكبري التي تنتظر السيسي علي حد قول الرئيس الألماني يواخيم جاوك من أجل تأمين المعيشة الكريمة والديمقراطية لشعبه وتحقيق السلام والاستقرار لبلاده.
هذه المعالم للصفحة الجديدة في العلاقات المصرية - الألمانية، هي تقريبا فحوي كلمة المستشارة ميركل خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته مع الرئيس السيسي عقب مباحثات القمة، ومضمون اجاباتها عن اسئلة الصحفيين المصريين والألمان.
المؤتمر الصحفي تأخر بعض الوقت، ليس فقط لامتداد المباحثات التي جرت في لقاء ثنائي ثم علي مأدبة غداء ضمت أعضاء الوفد المصري المرافق للرئيس، لكن أيضا لتعطل المصعد المخصص لنقل السيسي وميركل من قاعة المباحثات بدار المستشارية الي الطابق الثاني، حيث توجد قاعة المؤتمرات الصحفية التي تحمل مداخلها لوحات زيتية لوجوه المستشارين الألمان السابقين، بدءا من كوزاد اديناور أول مستشار لألمانيا الغربية وحتي المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر.
ولعل في تعطل المصعد مغزي واشارة بأنه هناك دائما ما ليس في الحسبان، حتي في المانيا، البلد الذي يخطط بعناية، ويتحسب لكل طاريء، وينفذ بدقة هي مضرب الأمثال!
يكن الرئيس السيسي اعجابا شخصيا بالتجربة الألمانية وبالشعب الألماني الذي استطاع اعادة بناء بلاده ورفعها الي مصاف القوي الكبري بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية تدميرا شاملا، وقسمت الدولة الي اثنتين والعاصمة إلي عاصمتين يفصل بينهما جدار يمزق أبناء البلد الواحد، ولا يداني اعجاب الرئيس بالألمان، سوي تقديره للتجربة اليابانية المماثلة ولعقيدة العمل التي يعتنقها الشعب الياباني.
يتوق الرئيس لنقل التجربتين والخبرتين، إلي مصر وهي تستعد لبناء دولة ثالثة حديثة، بعد دولتي محمد علي وعبدالناصر، خاصة ان دولة محمد علي كانت ملهمة لدولة الامبراطور ميجي الذي أسس نهضة اليابان.
ولعل هذا الإعجاب وذلك التقدير وتلك الرغبة هي سر حرص الرئيس علي زيارة ألمانيا، وعزمه علي تلبية دعوة اليابان لزيارتها في وقت ما من هذا العام.
180 دقيقة، استغرقتها مباحثات القمة المصرية - الألمانية امس في برلين.
هذه المباحثات جرت علي أصداء هتافات مدوية وأناشيد وطنية، كانت تتردد علي ألسنة جموع من مئات المصريين الذين توافدوا علي برلين من الولايات الالمانية ومن دول أوروبية قريبة، وأحاطوا بالرئيس منذ هبطت طائرته بمطار «تيجيل» مساء أمس الأول، وحتي وصل الي مقر إقامته في فندق «أدلون»، وظلوا علي الرصيف المقابل للفندق طوال الليل يحملون اعلام مصر وصور الرئيس، وتنقلوا منذ الصباح الباكر بين قصر «بلفيو» مقر الرئاسة الألمانية، ودار المستشارية الألمانية، وفندق «أدلون» ووزارة الاقتصاد.
بينما كانت المفاجأة، أن الذين جمعهم التنظيم الدولي للإخوان والقوي الاقليمية الراعية له، لم يتعد عددهم ثلاثين أو أربعين شخصا، غالبيتهم من أصول عربية غير مصرية!
جرت المباحثات أيضا في ظل حملة إعلامية في عدد من الصحف الألمانية، مازالت تصف ثورة 30 يونيو بالانقلاب، والسيسي بالدكتاتور والإخوان بالقوة السياسية، انعكاساً لحالة غيبوبة ركن إليها الإعلام الخارجي المصري، وترك الاكاذيب تروج والباطل يرعي، دون رد أو تفنيد، وكان السيسي متألقاً بشدة وهو يشرح ويفسر في كلمته المرتجلة في المؤتمر الصحفي حقائق ما جري ويجري في مصر، وكأن مكتوباً عليه داخل البلاد وخارجها، أن يقوم بعمل أناس يعجزون عن مباشرة أبسط مهام هي في صميم مسئولياتهم!
لقاء برلين، كان اللقاء الثاني بين السيسي وميركل بعد لقائهما الأول في دافوس الذي استغرق 45 دقيقة وتم منذ 130 يوماً.
يومها.. بدا الرئيس مرتاحاً لنتائج مباحثاته مع ميركل، وقال لي: إنها كانت ناجحة للغاية. فقد أظهرت تفهما للأوضاع في مصر وللخطوات السياسية علي صعيد خارطة المستقبل ودور مصر في تحقيق الاستثمار بالشرق الأوسط.
في ذلك اللقاء روي الرئيس ملخصاً للأوضاع التي أدت إلي ثورة 30 يونيو، وأنصتت إليه ميركل باهتمام وقالت: إن نظام الإخوان كان يقود مصر إلي طريق آخر، والحقيقة أنهم اخفقوا في أشياء كثيرة أهمها إدارة الدولة.
وفي مباحثات الأمس.. تحدثت ميركل عن حرص ألمانيا علي أن تكون شريكة لمصر، الدولة التي تعتبر مركز الثقل في الشرق الأوسط، وأبدت رغبتها في الاستماع إلي رؤية الرئيس لما يجري في الشرق الأوسط، ثم تطرقت إلي أحكام الإعدام التي صدرت بحق عدد من قيادات الإخوان وعلي رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي، وشرح لها الرئيس السيسي اجراءات النظام القضائي المصري في شأن أخذ رأي المفتي في الأحكام، وضمانات الطعن عليها من جانب النيابة أمام محكمة النقض.
وشدد الرئيس علي المكانة الكبيرة التي تحتلها ألمانيا في نفوس المصريين والعلاقات القوية التي تربط البلدين، وقال لميركل: المهم أن تروا ما يحدث في مصر من منظورنا أيضا وليس بعيونكم فقط. وأضاف ان مصر الجديدة تحترم حقوق الإنسان وتعمل علي إرساء دولة الديمقراطية، وتحرص علي اجراء الانتخابات البرلمانية في أقرب وقت لاستكمال بناء مؤسسات الدولة.
في المؤتمر الصحفي المشترك عقب المباحثات.. قالت ميركل إن هناك عوامل اتفاق بين البلدين فيما يتعلق بعلاقات الشراكة، ورغبة ألمانيا في مساندة مصر في سعيها نحو الاستقرار والرخاء، وإدراكها لدور مصر المركزي في عملية السلام ومكافحة الإرهاب، وأشارت إلي ان هناك أيضا عناصر اختلاف أهمها عقوبات الإعدام التي لا تطبق في ألمانيا وترفضها حتي لو كانت ضد الإرهابيين، وقالت أيضا ان الاختلافات ليست جديدة في علاقات البلدين، وقد انتقدنا أوضاع حقوق الإنسان عندما التقينا مع الرئيس الأسبق مبارك، وقلنا رأينا أيضا في بعض الأمور عندما جاءنا الرئيس السابق مرسي.
أما الرئيس السيسي فقد نحي كلمته المكتوبة جانبا، وارتجل كلمة استبق بها ما كان يدور في خلد الصحفيين الألمان!
كما قلت كان الرئيس متألقا وهو يشرح بعبارات مركزة حقيقة ما جري ويجري علي أرض مصر في نقاط محددة:
- لستم وحدكم الذين تؤمنون بالحريات والديمقراطية.. نحن أيضا نؤمن بهذه القيم ونتمناها، لكن لقصور لدينا لم نستطع أن نوصل رسالتنا إلي العالم.
- لولا شعب مصر الذي خرج بالملايين لمكافحة الفاشية، لكانت بلدنا سقطت في أتون حرب أهلية، ولكان 90 مليون مصري قد أصبحوا لاجئين يتلقون منكم مساعدات مالية تلقيها الطائرات.
- الرئيس السابق محمد مرسي كان منتخبا ديمقراطيا وحصل علي 51٪ من الأصوات. ونفس الشعب الذي أعطاه هذه النسبة لم يجد وسيلة لنزع الشرعية عنه إلا الخروج في الشارع.
- جيش مصر تربطه علاقة خاصة بشعب مصر. انه جزء من الشعب ينبض بنبضه وهو ملك للمصريين وليس لحكام بدءا من مبارك وحتي السيسي.
- مصر دولة دستور منذ مائة عام، تحترم القضاء وليس لأحد أن يناقش أحكامه، وضمانات العدالة مكفولة، والأحكام الغيابية تسقط قانونا بمجرد مثول المتهم الغائب أمام المحكمة ليحاكم من جديد.
- إذا كنتم أنتم حريصون علي الحياة وعلي الإنسانية، فنحن دولة ذات حضارة ولا تستكثروا علينا أن نكون حريصين أيضا علي الحياة وعلي الإنسانية.
قبيل مباحثات القمة.. جرت في قصر الرئاسة الألماني مراسم الاستقبال الرسمية للرئيس السيسي، ثم اجتمع السيسي مع الرئيس الألماني يواخيم جاوك في لقاء سادته المودة، وعبر فيه جاوك عن ترحيبه بالسيسي قائلا: اننا نكن لكم احتراما شديدا، ونعرف ان توليكم السلطة كان من أجل تحقيق السلام والاستقرار للشعب، ونؤكد دعمنا لكم في مهمتكم الكبري لضمان العيش الكريم لشعبكم والتحول نحو الديمقراطية.
بعد مباحثات القمة التقي السيسي في مقر اقامته مع فالترشتاينماير وزير الخارجية الألماني واستعرض معه الأوضاع في إقليم الشرق الأوسط، وقال له: اننا نتفهم الضغوط التي تتعرضون لها في شأن علاقاتكم مع مصر. لكننا نريد منكم أن تعرفوا الحقائق عن ظروفنا، وتنظروا إليها ليس من منظوركم فقط، وإنما من منظورنا أيضا.
في ختام اليوم الأول لنشاطه في العاصمة الألمانية، التقي الرئيس السيسي مع زيجار جابرييل نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد والطاقة، وشهد معه التوقيع علي 4 عقود واتفاقات، أهمها إنشاء 3 محطات كهرباء بطاقة 13.4 ميجاوات وتكلفة 10 مليارات دولار تنشئها شركة «سيمنس» الألمانية العملاقة.
ويبقي أهم حصاد اليوم، تدشين صفحة جديدة في علاقات مستقرة ناضجة لا تزعزعها اختلافات في رؤي أو وجهات نظر، تسودها الصراحة والرغبة في تفهم مواقف وظروف كل طرف.
الحقيقة التي باتت تدركها ميركل
بهدوء.. قال الرئيس عبدالفتاح السيسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل »أنتم لا تدركون حتي الآن معني أن ينزل 30 مليون مصري من منازلهم، وأن يقفوا في الشوارع يوم 30 يونيو، يريدون التغيير وإنقاذ بلدهم من شبح حرب أهلية يحوم فوق رءوس المصريين«.
وبحسم.. ردت ميركل علي السيسي:
«سيادة الرئيس.. لو لم نكن أدركنا هذه الحقيقة، ما كنا نستقبلك اليوم في هذا المكان!».
جاءت ملاحظة السيسي، ورد ميركل في ختام الجلسة الثنائية لمباحثات القمة المصرية الألمانية التي جرت ظهر أمس بدار المستشارية الألمانية في برلين.
هذه المساجلة الصريحة طوت نهائيا صفحة ظلت تخيم علي علاقات البلدين منذ 30 يونيو 2013، حينما تبنت ميركل موقفا غير مفهوم من ثورة الشعب المصري، وتمسكت به ما يزيد علي العام، ثم شرعت في مراجعته، مع اتصال تليفوني أجرته مع السيسي، وعدلت عنه بعد لقاء أكثر من ناجح جمع بينهما في دافوس يوم 23 يناير الماضي.
أخيرا.. طويت هذه الصفحة أمس، وفتحت صفحة جديدة في العلاقات السياسية والتشاور بين البلدين تتصف بالنضوج، اساسها وجود مصلحة استراتيجية تربط مصر وألمانيا، تحتمل الاختلاف في وجهات النظر، وتحترم الرؤي وإن تعارضت، وتعتمد النقاش والحوار والزيارات المتبادلة منهجا لشرح موقف كل طرف، وتتطلب التركيز علي ما يجمع البلدين من مصالح حيوية في تحقيق الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب بما يصون أمن واستقرار أوروبا، وتستوجب تعزيز علاقات الشراكة والتعاون المصري الألماني لمساندة المهمة الكبري التي تنتظر السيسي علي حد قول الرئيس الألماني يواخيم جاوك من أجل تأمين المعيشة الكريمة والديمقراطية لشعبه وتحقيق السلام والاستقرار لبلاده.
هذه المعالم للصفحة الجديدة في العلاقات المصرية - الألمانية، هي تقريبا فحوي كلمة المستشارة ميركل خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته مع الرئيس السيسي عقب مباحثات القمة، ومضمون اجاباتها عن اسئلة الصحفيين المصريين والألمان.
المؤتمر الصحفي تأخر بعض الوقت، ليس فقط لامتداد المباحثات التي جرت في لقاء ثنائي ثم علي مأدبة غداء ضمت أعضاء الوفد المصري المرافق للرئيس، لكن أيضا لتعطل المصعد المخصص لنقل السيسي وميركل من قاعة المباحثات بدار المستشارية الي الطابق الثاني، حيث توجد قاعة المؤتمرات الصحفية التي تحمل مداخلها لوحات زيتية لوجوه المستشارين الألمان السابقين، بدءا من كوزاد اديناور أول مستشار لألمانيا الغربية وحتي المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر.
ولعل في تعطل المصعد مغزي واشارة بأنه هناك دائما ما ليس في الحسبان، حتي في المانيا، البلد الذي يخطط بعناية، ويتحسب لكل طاريء، وينفذ بدقة هي مضرب الأمثال!
يكن الرئيس السيسي اعجابا شخصيا بالتجربة الألمانية وبالشعب الألماني الذي استطاع اعادة بناء بلاده ورفعها الي مصاف القوي الكبري بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية تدميرا شاملا، وقسمت الدولة الي اثنتين والعاصمة إلي عاصمتين يفصل بينهما جدار يمزق أبناء البلد الواحد، ولا يداني اعجاب الرئيس بالألمان، سوي تقديره للتجربة اليابانية المماثلة ولعقيدة العمل التي يعتنقها الشعب الياباني.
يتوق الرئيس لنقل التجربتين والخبرتين، إلي مصر وهي تستعد لبناء دولة ثالثة حديثة، بعد دولتي محمد علي وعبدالناصر، خاصة ان دولة محمد علي كانت ملهمة لدولة الامبراطور ميجي الذي أسس نهضة اليابان.
ولعل هذا الإعجاب وذلك التقدير وتلك الرغبة هي سر حرص الرئيس علي زيارة ألمانيا، وعزمه علي تلبية دعوة اليابان لزيارتها في وقت ما من هذا العام.
180 دقيقة، استغرقتها مباحثات القمة المصرية - الألمانية امس في برلين.
هذه المباحثات جرت علي أصداء هتافات مدوية وأناشيد وطنية، كانت تتردد علي ألسنة جموع من مئات المصريين الذين توافدوا علي برلين من الولايات الالمانية ومن دول أوروبية قريبة، وأحاطوا بالرئيس منذ هبطت طائرته بمطار «تيجيل» مساء أمس الأول، وحتي وصل الي مقر إقامته في فندق «أدلون»، وظلوا علي الرصيف المقابل للفندق طوال الليل يحملون اعلام مصر وصور الرئيس، وتنقلوا منذ الصباح الباكر بين قصر «بلفيو» مقر الرئاسة الألمانية، ودار المستشارية الألمانية، وفندق «أدلون» ووزارة الاقتصاد.
بينما كانت المفاجأة، أن الذين جمعهم التنظيم الدولي للإخوان والقوي الاقليمية الراعية له، لم يتعد عددهم ثلاثين أو أربعين شخصا، غالبيتهم من أصول عربية غير مصرية!
جرت المباحثات أيضا في ظل حملة إعلامية في عدد من الصحف الألمانية، مازالت تصف ثورة 30 يونيو بالانقلاب، والسيسي بالدكتاتور والإخوان بالقوة السياسية، انعكاساً لحالة غيبوبة ركن إليها الإعلام الخارجي المصري، وترك الاكاذيب تروج والباطل يرعي، دون رد أو تفنيد، وكان السيسي متألقاً بشدة وهو يشرح ويفسر في كلمته المرتجلة في المؤتمر الصحفي حقائق ما جري ويجري في مصر، وكأن مكتوباً عليه داخل البلاد وخارجها، أن يقوم بعمل أناس يعجزون عن مباشرة أبسط مهام هي في صميم مسئولياتهم!
لقاء برلين، كان اللقاء الثاني بين السيسي وميركل بعد لقائهما الأول في دافوس الذي استغرق 45 دقيقة وتم منذ 130 يوماً.
يومها.. بدا الرئيس مرتاحاً لنتائج مباحثاته مع ميركل، وقال لي: إنها كانت ناجحة للغاية. فقد أظهرت تفهما للأوضاع في مصر وللخطوات السياسية علي صعيد خارطة المستقبل ودور مصر في تحقيق الاستثمار بالشرق الأوسط.
في ذلك اللقاء روي الرئيس ملخصاً للأوضاع التي أدت إلي ثورة 30 يونيو، وأنصتت إليه ميركل باهتمام وقالت: إن نظام الإخوان كان يقود مصر إلي طريق آخر، والحقيقة أنهم اخفقوا في أشياء كثيرة أهمها إدارة الدولة.
وفي مباحثات الأمس.. تحدثت ميركل عن حرص ألمانيا علي أن تكون شريكة لمصر، الدولة التي تعتبر مركز الثقل في الشرق الأوسط، وأبدت رغبتها في الاستماع إلي رؤية الرئيس لما يجري في الشرق الأوسط، ثم تطرقت إلي أحكام الإعدام التي صدرت بحق عدد من قيادات الإخوان وعلي رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي، وشرح لها الرئيس السيسي اجراءات النظام القضائي المصري في شأن أخذ رأي المفتي في الأحكام، وضمانات الطعن عليها من جانب النيابة أمام محكمة النقض.
وشدد الرئيس علي المكانة الكبيرة التي تحتلها ألمانيا في نفوس المصريين والعلاقات القوية التي تربط البلدين، وقال لميركل: المهم أن تروا ما يحدث في مصر من منظورنا أيضا وليس بعيونكم فقط. وأضاف ان مصر الجديدة تحترم حقوق الإنسان وتعمل علي إرساء دولة الديمقراطية، وتحرص علي اجراء الانتخابات البرلمانية في أقرب وقت لاستكمال بناء مؤسسات الدولة.
في المؤتمر الصحفي المشترك عقب المباحثات.. قالت ميركل إن هناك عوامل اتفاق بين البلدين فيما يتعلق بعلاقات الشراكة، ورغبة ألمانيا في مساندة مصر في سعيها نحو الاستقرار والرخاء، وإدراكها لدور مصر المركزي في عملية السلام ومكافحة الإرهاب، وأشارت إلي ان هناك أيضا عناصر اختلاف أهمها عقوبات الإعدام التي لا تطبق في ألمانيا وترفضها حتي لو كانت ضد الإرهابيين، وقالت أيضا ان الاختلافات ليست جديدة في علاقات البلدين، وقد انتقدنا أوضاع حقوق الإنسان عندما التقينا مع الرئيس الأسبق مبارك، وقلنا رأينا أيضا في بعض الأمور عندما جاءنا الرئيس السابق مرسي.
أما الرئيس السيسي فقد نحي كلمته المكتوبة جانبا، وارتجل كلمة استبق بها ما كان يدور في خلد الصحفيين الألمان!
كما قلت كان الرئيس متألقا وهو يشرح بعبارات مركزة حقيقة ما جري ويجري علي أرض مصر في نقاط محددة:
- لستم وحدكم الذين تؤمنون بالحريات والديمقراطية.. نحن أيضا نؤمن بهذه القيم ونتمناها، لكن لقصور لدينا لم نستطع أن نوصل رسالتنا إلي العالم.
- لولا شعب مصر الذي خرج بالملايين لمكافحة الفاشية، لكانت بلدنا سقطت في أتون حرب أهلية، ولكان 90 مليون مصري قد أصبحوا لاجئين يتلقون منكم مساعدات مالية تلقيها الطائرات.
- الرئيس السابق محمد مرسي كان منتخبا ديمقراطيا وحصل علي 51٪ من الأصوات. ونفس الشعب الذي أعطاه هذه النسبة لم يجد وسيلة لنزع الشرعية عنه إلا الخروج في الشارع.
- جيش مصر تربطه علاقة خاصة بشعب مصر. انه جزء من الشعب ينبض بنبضه وهو ملك للمصريين وليس لحكام بدءا من مبارك وحتي السيسي.
- مصر دولة دستور منذ مائة عام، تحترم القضاء وليس لأحد أن يناقش أحكامه، وضمانات العدالة مكفولة، والأحكام الغيابية تسقط قانونا بمجرد مثول المتهم الغائب أمام المحكمة ليحاكم من جديد.
- إذا كنتم أنتم حريصون علي الحياة وعلي الإنسانية، فنحن دولة ذات حضارة ولا تستكثروا علينا أن نكون حريصين أيضا علي الحياة وعلي الإنسانية.
قبيل مباحثات القمة.. جرت في قصر الرئاسة الألماني مراسم الاستقبال الرسمية للرئيس السيسي، ثم اجتمع السيسي مع الرئيس الألماني يواخيم جاوك في لقاء سادته المودة، وعبر فيه جاوك عن ترحيبه بالسيسي قائلا: اننا نكن لكم احتراما شديدا، ونعرف ان توليكم السلطة كان من أجل تحقيق السلام والاستقرار للشعب، ونؤكد دعمنا لكم في مهمتكم الكبري لضمان العيش الكريم لشعبكم والتحول نحو الديمقراطية.
بعد مباحثات القمة التقي السيسي في مقر اقامته مع فالترشتاينماير وزير الخارجية الألماني واستعرض معه الأوضاع في إقليم الشرق الأوسط، وقال له: اننا نتفهم الضغوط التي تتعرضون لها في شأن علاقاتكم مع مصر. لكننا نريد منكم أن تعرفوا الحقائق عن ظروفنا، وتنظروا إليها ليس من منظوركم فقط، وإنما من منظورنا أيضا.
في ختام اليوم الأول لنشاطه في العاصمة الألمانية، التقي الرئيس السيسي مع زيجار جابرييل نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد والطاقة، وشهد معه التوقيع علي 4 عقود واتفاقات، أهمها إنشاء 3 محطات كهرباء بطاقة 13.4 ميجاوات وتكلفة 10 مليارات دولار تنشئها شركة «سيمنس» الألمانية العملاقة.
ويبقي أهم حصاد اليوم، تدشين صفحة جديدة في علاقات مستقرة ناضجة لا تزعزعها اختلافات في رؤي أو وجهات نظر، تسودها الصراحة والرغبة في تفهم مواقف وظروف كل طرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.