وزير الأوقاف يحيل إمام مقصر ...ويوجه بضبط خطة سير العمل العاملين بالاوقاف بضرورة الالتزام بالضوابط    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    8 ديسمبر 2025.. الذهب يرتفع هامشيًا وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    الإسكان: دفع العمل بمشروعات الطرق بمواقع سكن لكل المصريين في حدائق أكتوبر و15 مايو    وزارة الكهرباء تبحث الاستفادة من الخبرات الكورية في مجالات استخراج وتعدين الخامات الأرضية    هيئة فلسطينية: جهود المؤسسات الدولية لا تتوقف لإغاثة غزة رغم العراقيل الإسرائيلية    بريطانيا: سقوط نظام الأسد فتح نافذة أمام السوريين لمستقبل أفضل    قافلة «زاد العزة» ال89 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    إطلاق قافلة زاد العزة ال 89 إلى غزة بحمولة 256 ألف سلة غذائية وملابس    أسد.. كاف يكشف عن تميمة كأس الأمم الأفريقية بالمغرب    حسام حسن يوجه رسالة لحسن شحاتة: نتمنى له الشفاء العاجل    وزير الشباب يبحث مع وفد معمل لندن مستجدات اعتماد المعمل المصري للمنشطات    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    تجديد حبس طالب عاشر شقيقته القاصر وأنجب منها سفاحا بالمرج    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    النيابة العامة تحقق في حادث قضاة المنيا.. وتصريح الدفن عقب صدور تقرير الطب الشرعي وتحاليل الDNA    بالأسماء.. إصابة 16 شخصًا بحالات اختناق داخل مصنع بالإسماعيلية    رئيس الأوبرا يهنئ الطالبة هند أنور لفوزها فى مهرجان نسيج الفن بالدوحة    طرح البوستر الرسمى لفيلم القصص قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر    وزير الثقافة يشارك في افتتاح فعاليات مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي «أسبوع الإبداع» بأذربيجان    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    اسعار الحديد اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    انتخابات النواب، السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها للتصويت بالدوائر الملغاة    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    خدمة اجتماعية بني سويف تحتفل باليوم العالمي للتطوع    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    محمد فراج يعلق على الانتقادات التي طالت دوره في فيلم الست: مش مطالب أبقى شبيه بنسبة 100%    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبنودي : عمر من النضال والثورة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 22 - 04 - 2015

عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. كنا عيالاً لم تزل أعوادنا خضرا، نضرب بجد في رحاب الوطن، كان الوطن فسيحاً، ولم نكن وصلنا مرحلة الفطام السياسي بعد، وكان يلقمنا زاداً لرحلة النضال، أبداً لم يكن بخيلاً مع جيل تكون وعيه في رحاب جمال عبدالناصر ومشروعه الوطني للتحرر والنهضة والبناء، كنا عيالاً نضرب في الأرض علي بوابة الوطن، وكان هو حارساً ضمن حراس بوابة الأرض والعيال، أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم، وفؤاد حداد،وعبد الوهاب البياتي، وملك عبد العزيز ونازك الملائكة والفيتوري ومحمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد مهران السيد ومحمد إبراهيم ابو سنة وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد، رأيناه في وجوه علي الشط، والأرض والعيال، وحاورناه في الزحمة مع أحمد سماعين، وبعد التحية والسلام، قابلته أنا والناس في السد العالي مع حراجي القط وفاطنة أحمد عبد الغفار في منزلها الكاين بجبلاية الفار تحتضن عزيزة وعيد أبناء الشقاء والكفاح والغربة في عيون الوطن، وفي الفصول والموت علي الأسفلت، عشنا معه ورفاقه المد والجزر والمشروع والممنوع، كان حارساً لنا من أن تعقرنا الكلاب، وكان حائط الصد يطل علينا بعد أن ضرب المشيب رأسه من وراء المربعات وهو لايزال قابضاً علي جذوة الشعر والنضال والحرية.
كان أبانا الذي في سموات الوطن وعلي الأرض. كنا مفتونين بالثورة وجمال عبد الناصر نغني لها وله مع عبدالحليم حافظ. ربما لم نكن نعي بعد عمق النكسة، لكن كانت مناولتنا الأولي علي يديه في عدي النهار والمغربية جاية تتخفي ورا ضهرالشجر، وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها،جانا نهار مقدرش يدفع مهرها،ياهل تري الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين،أبو الغناوي المجروحين، يقدر ينسيها الصباح أبو شمس بترش الحنين، أبدا... بلدنا للنهار... بتحب موال النهار، لما يعدي في الدروب ويغني قدّام كل دار.
عرفته أول مرة في الأرض والعيال، أهدتني الديوان رفيقة العمر وزوجتي بعد ذلك الدكتورة أماني يوسف، ومعه جوابات حراجي القط، والغريب لألبير كامي، واسطوانة ألف ليلة وليلة لريمسكي كورساكوف. لم نكن نتهادي في مراهقة الحب ب »‬الدباديب» العبيطة. كنا نقرأ ونتبادل الكتب واسطوانات الموسيقي، كنا نغني مع الشيخ إمام أعمال فؤاد نجم ورجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني، يامصر إنتي اللي باقية وانت قصد الأماني، ونغني لزين العابدين فؤاد اتجمعوا العشاق ف سجن القلعة، اتجمعوا العشاق ف باب الخلق، والشمس غنوة من الزنازن طالعة، ومصر غنوة مفرعة ف الحلق، اتجمعوا العشاق ف الزنزانة، مهما يطول السجن مهما القهر، مهما يزيد الفجر بالسجانة، مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.
كنا نقوم بمسرحة أعمال أمل دنقل ومحمود درويش في قصر ثقافة الحرية، ابن مشروع الثقافة الجماهيرية، وقررت مسرحة جوابات حراجي القط، ومن أسف لم تصرح لنا الجامعة بالعرض، وتحايلنا علي الأمر واستعوضناه بعرض »‬الفيل ياملك الزمان »‬ لسعد الله ونوس. كنا نصدر جريدة الحوار برئاسة المناضل المرحوم عاطف جلال، وكان معنا المرحوم د. محمد عباس منسق كفاية بعد ذلك، ويونس عبادي وعبدالعزيز عمار وخميس عبد العزيز وحمدي ياسين نائب رئيس مجلس الدولة فيما بعد، ولما توقفت وصودرت، رحت أنا وعصام السعدني ومحمود بيرم وأماني يوسف وخالد سعد وإيمان صيام وحورية البدري وعبد الفتاح السيد وأحمد طلعت بن إبراهيم طلعت، نصدر مجلة الرسالة، إحياء لرسالة أحمد حسن الزيات. كنا لانعرف القعود ولا المهادنة، ولما شعرنا باليتم بعد وفاة ناصر أخرجنا الرسالة ولما توفي عبد الحليم حافظ، صوت الثورة، قررنا أن يكون العدد تعبيراً عن 23 يوليو ومشروعنا الناصري، ورحنا نعد نعياً لحليم في عدد ساخن تمت مصادرته في المطبعة، لكننا طبعناه »‬استنسل» ووزعناه في الجامعة والشوارع ودفعنا الثمن. وكانت مقدمتنا لانتفاضة 18 و19 يناير 1977 التي كانت ضد السادات وبدأت شرارتها من الترسانة البحرية وجامعة الإسكندرية، هكذا ذكرني المستشار محمود بيرم نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية من أسابيع. جاءني صوته مساءً عبر التليفون يذكرني أنه مر علي الرسالة 38 عاماً، لم أكن أحسب أننا إلي هذا الحد هرمنا في حب هذا الوطن. هزتني كلماته في عتاب رقيق، لماذا لم تكتب عن الرسالة؟ وهي التي كانت محرضاً علي أحدات انتفاضة يناير ومقدمة لها. لم يكن هذا في بالي ولا تقديري، لكن الكتابة عن الأبنودي ردتنا للكتابة عن الحركة الوطنية الطلابية وارتباطها العضوي مع الحركة العمالية والشعر والفن يتصدران الثورة.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل، هكذا جاءت كلماته في مقدمة ديوانه الأرض والعيال الذي أهداه إلي فؤاد حداد. وعرفنا بعدها أن النبل كله تجسد في الأبنودي الذي قام بجمع رباعيات صلاح جاهين وأصدر له أعماله الكاملة عندما اكتأب بعد النكسة، فأراد الأبنودي أن يعيده لحضن الحياة والشعر والثورة. في ذلك الوقت كان جاهين أمين خزانة شعر الثورة وصوتها، بينما كان الأبنودي علي نقيض عبدالناصر ودخل السجن لذلك، لكن النبل والوطنية دفعاه لجمع أعمال جاهين ونشرها، كما دفعاه بعد ذلك لرد الاعتبار لجمال عبدالناصر وثورته ومشروعه الوطني. كان مختلفاً مع عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنعه من تمجيد مشروعه لبناء السد العالي وقدم ملحمة وطنية ألهمت جيلنا كله والأجيال اللاحقة.
عشرات المرات احتشدت للكتابة عن عبد الرحمن الأبنودي، أشعاره وأفكاره ومواقفه، ووجدتني أكتب عن مصر ومسيرتها وثوراتها، ذلك أنك لاتستطيع الكتابة عن مصر دون الأبنودي ولا الكتابة عنه دون مسيرة نضال طويلة للشعر والفن والسياسة والثورة والوطن، لأنه كما قال في مربعات التحرير،بحر السياسة غويط.. ماكر، أما اللي فوق البر شديد، زي اللي بيبيعوا تذاكر، وعمرهم.. ماسافروا بعيد!!، لكن الأبنودي سافر دائماً لأبعد نقطة في كفاحه ضد الفاشية الدينية وحكم الإخوان، وجاءت كلماته لرئيسهم جارحة واضحة صريحه: الجِبَّة واسْعة علي مَعَاليك، والكُرْسي مِتْهزّ.. مَقَامُه ، رجَّعْتنا لْزَمَن المماليك، يرحم قَراقُوش وِأيَّامُه!! وهو الذي قال: مش كنت حالِف ما تِتْفرعَن ولا تْخالِف؟كام مرّة خَالفْت حِلْفاَنك علي الدستور؟حَالِفْت كل المِلَلْ.. وحْلِفْت ما تحالف..أهالينا.. مِنْ سلطنوك علي روسنا يا الدّكتور!!. ورغم إيمانه الشديد بعبد الفتاح السيسي ودعمه له، ورغم سؤال السيسي عنه في مرضه واهتمامه، فإن الأبنودي الذي أزعجه رفع الدعم والغلاء الذي أتي علي الفقراء لم يتردد في كتابة قصيدته »‬مرسال» عاتباً علي الرئيس: يا أيها القبطان قانون البحر متخفش علي الصاري وخاف علي اللحم.
عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.
عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. كنا عيالاً لم تزل أعوادنا خضرا، نضرب بجد في رحاب الوطن، كان الوطن فسيحاً، ولم نكن وصلنا مرحلة الفطام السياسي بعد، وكان يلقمنا زاداً لرحلة النضال، أبداً لم يكن بخيلاً مع جيل تكون وعيه في رحاب جمال عبدالناصر ومشروعه الوطني للتحرر والنهضة والبناء، كنا عيالاً نضرب في الأرض علي بوابة الوطن، وكان هو حارساً ضمن حراس بوابة الأرض والعيال، أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم، وفؤاد حداد،وعبد الوهاب البياتي، وملك عبد العزيز ونازك الملائكة والفيتوري ومحمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد مهران السيد ومحمد إبراهيم ابو سنة وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد، رأيناه في وجوه علي الشط، والأرض والعيال، وحاورناه في الزحمة مع أحمد سماعين، وبعد التحية والسلام، قابلته أنا والناس في السد العالي مع حراجي القط وفاطنة أحمد عبد الغفار في منزلها الكاين بجبلاية الفار تحتضن عزيزة وعيد أبناء الشقاء والكفاح والغربة في عيون الوطن، وفي الفصول والموت علي الأسفلت، عشنا معه ورفاقه المد والجزر والمشروع والممنوع، كان حارساً لنا من أن تعقرنا الكلاب، وكان حائط الصد يطل علينا بعد أن ضرب المشيب رأسه من وراء المربعات وهو لايزال قابضاً علي جذوة الشعر والنضال والحرية.
كان أبانا الذي في سموات الوطن وعلي الأرض. كنا مفتونين بالثورة وجمال عبد الناصر نغني لها وله مع عبدالحليم حافظ. ربما لم نكن نعي بعد عمق النكسة، لكن كانت مناولتنا الأولي علي يديه في عدي النهار والمغربية جاية تتخفي ورا ضهرالشجر، وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها،جانا نهار مقدرش يدفع مهرها،ياهل تري الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين،أبو الغناوي المجروحين، يقدر ينسيها الصباح أبو شمس بترش الحنين، أبدا... بلدنا للنهار... بتحب موال النهار، لما يعدي في الدروب ويغني قدّام كل دار.
عرفته أول مرة في الأرض والعيال، أهدتني الديوان رفيقة العمر وزوجتي بعد ذلك الدكتورة أماني يوسف، ومعه جوابات حراجي القط، والغريب لألبير كامي، واسطوانة ألف ليلة وليلة لريمسكي كورساكوف. لم نكن نتهادي في مراهقة الحب ب »‬الدباديب» العبيطة. كنا نقرأ ونتبادل الكتب واسطوانات الموسيقي، كنا نغني مع الشيخ إمام أعمال فؤاد نجم ورجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني، يامصر إنتي اللي باقية وانت قصد الأماني، ونغني لزين العابدين فؤاد اتجمعوا العشاق ف سجن القلعة، اتجمعوا العشاق ف باب الخلق، والشمس غنوة من الزنازن طالعة، ومصر غنوة مفرعة ف الحلق، اتجمعوا العشاق ف الزنزانة، مهما يطول السجن مهما القهر، مهما يزيد الفجر بالسجانة، مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.
كنا نقوم بمسرحة أعمال أمل دنقل ومحمود درويش في قصر ثقافة الحرية، ابن مشروع الثقافة الجماهيرية، وقررت مسرحة جوابات حراجي القط، ومن أسف لم تصرح لنا الجامعة بالعرض، وتحايلنا علي الأمر واستعوضناه بعرض »‬الفيل ياملك الزمان »‬ لسعد الله ونوس. كنا نصدر جريدة الحوار برئاسة المناضل المرحوم عاطف جلال، وكان معنا المرحوم د. محمد عباس منسق كفاية بعد ذلك، ويونس عبادي وعبدالعزيز عمار وخميس عبد العزيز وحمدي ياسين نائب رئيس مجلس الدولة فيما بعد، ولما توقفت وصودرت، رحت أنا وعصام السعدني ومحمود بيرم وأماني يوسف وخالد سعد وإيمان صيام وحورية البدري وعبد الفتاح السيد وأحمد طلعت بن إبراهيم طلعت، نصدر مجلة الرسالة، إحياء لرسالة أحمد حسن الزيات. كنا لانعرف القعود ولا المهادنة، ولما شعرنا باليتم بعد وفاة ناصر أخرجنا الرسالة ولما توفي عبد الحليم حافظ، صوت الثورة، قررنا أن يكون العدد تعبيراً عن 23 يوليو ومشروعنا الناصري، ورحنا نعد نعياً لحليم في عدد ساخن تمت مصادرته في المطبعة، لكننا طبعناه »‬استنسل» ووزعناه في الجامعة والشوارع ودفعنا الثمن. وكانت مقدمتنا لانتفاضة 18 و19 يناير 1977 التي كانت ضد السادات وبدأت شرارتها من الترسانة البحرية وجامعة الإسكندرية، هكذا ذكرني المستشار محمود بيرم نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية من أسابيع. جاءني صوته مساءً عبر التليفون يذكرني أنه مر علي الرسالة 38 عاماً، لم أكن أحسب أننا إلي هذا الحد هرمنا في حب هذا الوطن. هزتني كلماته في عتاب رقيق، لماذا لم تكتب عن الرسالة؟ وهي التي كانت محرضاً علي أحدات انتفاضة يناير ومقدمة لها. لم يكن هذا في بالي ولا تقديري، لكن الكتابة عن الأبنودي ردتنا للكتابة عن الحركة الوطنية الطلابية وارتباطها العضوي مع الحركة العمالية والشعر والفن يتصدران الثورة.
والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل، هكذا جاءت كلماته في مقدمة ديوانه الأرض والعيال الذي أهداه إلي فؤاد حداد. وعرفنا بعدها أن النبل كله تجسد في الأبنودي الذي قام بجمع رباعيات صلاح جاهين وأصدر له أعماله الكاملة عندما اكتأب بعد النكسة، فأراد الأبنودي أن يعيده لحضن الحياة والشعر والثورة. في ذلك الوقت كان جاهين أمين خزانة شعر الثورة وصوتها، بينما كان الأبنودي علي نقيض عبدالناصر ودخل السجن لذلك، لكن النبل والوطنية دفعاه لجمع أعمال جاهين ونشرها، كما دفعاه بعد ذلك لرد الاعتبار لجمال عبدالناصر وثورته ومشروعه الوطني. كان مختلفاً مع عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنعه من تمجيد مشروعه لبناء السد العالي وقدم ملحمة وطنية ألهمت جيلنا كله والأجيال اللاحقة.
عشرات المرات احتشدت للكتابة عن عبد الرحمن الأبنودي، أشعاره وأفكاره ومواقفه، ووجدتني أكتب عن مصر ومسيرتها وثوراتها، ذلك أنك لاتستطيع الكتابة عن مصر دون الأبنودي ولا الكتابة عنه دون مسيرة نضال طويلة للشعر والفن والسياسة والثورة والوطن، لأنه كما قال في مربعات التحرير،بحر السياسة غويط.. ماكر، أما اللي فوق البر شديد، زي اللي بيبيعوا تذاكر، وعمرهم.. ماسافروا بعيد!!، لكن الأبنودي سافر دائماً لأبعد نقطة في كفاحه ضد الفاشية الدينية وحكم الإخوان، وجاءت كلماته لرئيسهم جارحة واضحة صريحه: الجِبَّة واسْعة علي مَعَاليك، والكُرْسي مِتْهزّ.. مَقَامُه ، رجَّعْتنا لْزَمَن المماليك، يرحم قَراقُوش وِأيَّامُه!! وهو الذي قال: مش كنت حالِف ما تِتْفرعَن ولا تْخالِف؟كام مرّة خَالفْت حِلْفاَنك علي الدستور؟حَالِفْت كل المِلَلْ.. وحْلِفْت ما تحالف..أهالينا.. مِنْ سلطنوك علي روسنا يا الدّكتور!!. ورغم إيمانه الشديد بعبد الفتاح السيسي ودعمه له، ورغم سؤال السيسي عنه في مرضه واهتمامه، فإن الأبنودي الذي أزعجه رفع الدعم والغلاء الذي أتي علي الفقراء لم يتردد في كتابة قصيدته »‬مرسال» عاتباً علي الرئيس: يا أيها القبطان قانون البحر متخفش علي الصاري وخاف علي اللحم.
عندما تكتب عن الأبنودي فإنك لامحالة تكتب عن وطن عشقه الحياة والحرية، ولا يسعك إلا أن تهتف: والأرض فين وفين لما بترمي ف سنبلة بشاعر نبيل. الله يرحمك ياخال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.