«الوطنية للانتخابات» تعلن جاهزية اللجان الانتخابية لاستقبال الناخبين    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    «القومي للمرأة»: تشكيل غرفة عمليات استعدادا لانتخابات مجلس النواب    موفدو الأوقاف بالخارج يدلون بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية (صور)    «العمل» تعلن اختبارات منح التدريب المجانية بالمعهد الإيطالي لتأهيل الشباب    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    «المشاط» تتلقى تقريرًا حول تطور العلاقات المصرية الألمانية واستعدادات انعقاد المفاوضات الحكومية    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 69.176 شهيدا و170.690 مصابا    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    بعد فيديو الشرع وكرة السلة.. ما الهوايات المفضلة لرؤساء العالم؟    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    توروب يعلن تشكيل الأهلي لمباراة الزمالك    ياناس يا ناس زمالك عايز الكاس .. كيف حفز الأبيض لاعبيه قبل مواجهة الأهلى بالسوبر ؟    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة في 7 إدارات بالقليوبية    فضيحة داخل المستشفى.. ننفرد بنشر قائمة العقاقير المخدرة بمستشفى تخصصي بشبرا    أثناء سيره في الشارع.. مصرع شاب طعنًا في قنا    أشرف العشماوي ناعيا الروائي مصطفى نصر: ظل مخلصا لمكانه وفنه حتى النهاية    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    على مدار 6 ايام متواصلة.. قوافل طبية وتوعوية تقدم خدماتها ل 8984 مستفيد بأسيوط    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب    صرف تكافل وكرامة لشهر نوفمبر 2025.. اعرف هتقبض امتى    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقة وقلم
جسور فوق هوة الماضي

من شرفة قاعة البرلمان الإثيوبي تابعت خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي.
كانت القاعة مكتظة بنحو 595 من أعضاء البرلمان بمجلسيه (مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالي). وكانت مقاعد الشرفة يشغلها الوفد الرسمي المرافق للرئيس ورؤساء التحرير والإعلاميون، وسفراء الدول العربية والافريقية، بجانب البابا ماتياس البطريرك الإثيوبي وعلماء الدين الإسلامي.
في تمام الثالثة إلا الربع من بعد الظهر بتوقيت أديس أبابا، دخل الرئيس السيسي إلي القاعة بصحبة رئيسي المجلسين، بينما كان رئيس الوزراء ديسالين يحتل مقعده في الصف الأمامي بالقاعة.
وقف النواب الإثيوبيون يصفقون بحرارة ترحيبا وتقديراً، وظل التصفيق متواصلاً، وبادلهم الرئيس التحية، مشيرا إليهم بيديه - في خجل - كما هي عادته عندما يجد الحفاوة بالغة، لكي يجلسوا.
نصف ساعة استغرقها خطاب الرئيس السيسي، دون أن يقاطع بتصفيق أو علامات ترحيب بما يقول. وفجأة حينما أنهي خطابه، هب النواب واقفين، وارتجت القاعة بصقفة منتظمة الإيقاع، فضم الرئيس كفيه متشابكين تعبيرا عن تضامن مصر وإثيوبيا، وحينما هم الرئيس بالخروج، وقف النواب من جديد يصفقون بنفس الطريقة، وكانت السعادة تقفز من عيون السيسي وديسالين علي السواء.
كنت أتوقع أن يخرج السيسي عن نص خطابه العقلاني العاطفي الصادق، أو أن يرتجل كما اعتدنا في نهاية كلماته، لكنه لم يشأ، فبين لسان المتحدث وآذان الحضور مترجم فوري، قد لا تسعفه كلمات في نقل الأقوال إلي سامعيها، فيختلف المنقول عما هو مقصود.
في زيارة الساعات الست والثلاثين إلي أديس أبابا التقي الرئيس السيسي بكل إثيوبيا. أمس الأول قابل رئيس الجمهورية الدكتور تيشومي، ثم أجري مباحثات قمة مع رئيس الوزراء ديسالين في جلسة مغلقة اقتصرت عليهما ثم جلسة موسعة بحضور وفدي البلدين. بعدها التقي أعضاء مجلس الأعمال المصري الإثيوبي، ثم أطل علي الشعب الإثيوبي في حوار تليفزيوني عبر شاشات التليفزيون الرسمي. واستقبل البطريرك ماتياس، قبل أن يلتقي رئيس الوزراء ورجال الدولة الإثيوبية في عشاء رسمي.
يوم أمس.. وقبيل أن يتوجه الرئيس إلي مبني البرلمان لإلقاء خطابه، استهل نشاطه في مقر إقامته بفندق شيراتون بلقاءين مهمين أولهما مع أعضاء لجنة الدبلوماسية الشعبية الإثيوبية الذي يضم نخبة المجتمع من سياسيين وأكاديميين ومفكرين وفنانين وإعلاميين وأصحاب أعمال ورجال دين، وثانيهما مع كبار علماء الدين الإسلامي في إثيوبيا.
في تقديري أن لقاء الرئيس بالنخبة الإثيوبية كان بقدر أهمية خطابه أمام البرلمان، بل لعل نتائجه وصداه في الأيام والأسابيع المقبلة ستكون أشد تأثيراً علي الرأي العام، عبر ممثلي النخبة الإثيوبية.
في هذا اللقاء الذي استغرق ساعتين، سادت المودة والحرارة وعم التفاؤل، وبدا أن ميراث ماضي الشكوك قد زال وتبدد.
سبعة متحدثين تكلموا أمام الرئيس السيسي، أولهم محمد رشيد نائب رئيس المجلس الفيدرالي الذي عبر عن امتنانه للرئيس بالوفاء بوعده للجنة الدبلوماسية الشعبية حينما التقاها في القاهرة، بزيارة أديس أبابا، والحديث أمام البرلمان، والالتقاء معهم مجدداً في العاصمة الإثيوبية.
وقال رشيد إن التوقيع علي اتفاق إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة، هو إعلان عن بدء حقبة جديدة في علاقات البلدين تقوم علي التعاون والتفاهم.
كان من أبرز المتحدثين، السيدة مولو رئيسة مجلس الأعمال الإثيوبي، التي قالت: كل الناس هنا تحبك ليس فقط بسبب مواقفك الإيجابية، إنما هي تشعر من أحاديثك داخل مصر وخارجها، انك رجل صادق ومخلص، وتلمس من ابتسامتك الصافية طيبة وتواضعاً، وتجد فيها مع الشخصية الجادة الصارمة إحساساً بالطمأنينة.
ثم تحدثت البروفيسور هيروت الاستاذة الجامعية، قائلة: »‬شكراً لك لأنك كسرت الحاجز الذي ظل يعزل مصر عن إثيوبيا ثلاثين عاماً. وشكرا لك علي وفائك بالوعد. فأنت رجل كلمة. قلت انك ستزورنا وفعلت، وأنك ستتحدث أمام البرلمان بعد المؤتمر الاقتصادي، وجئت فور انتهاء أعماله. وأقول بصدق لو كان في العالم قادة كثيرون مثلك، لأصبح أكثر أمناً وسلاماً».
وأضافت البروفيسور هيروت: هناك أمران أود التأكيد عليهما.. الأول هو البناء علي النوايا السياسية الطيبة، لتوفير المناخ الذي يكفل للمولود الجديد وهو علاقات التعاون بيننا النمو والقوة. الأمر الثاني هو دور الإعلام، فالإعلام يمكن أن يساعد علي نجاح الاتفاق أو يدمره، ونتمني أن يتناول الإعلام المصري هذه المسألة بإيجابية.
وعقب الرئيس علي البروفيسور هيروت والسيدة مولو، مطالباً الاثنتين بإعداد برنامج متكامل لتوطيد العلاقات الشعبية بين البلدين. وقال: سأخصص لكما مكتباً في مقر رئاسة الجمهورية لتعملا علي التواصل بين الناس هنا وفي مصر من أجل تعزيز أواصر العلاقات.
بعد ذلك تحدث أمام الرئيس حاخام يهودي وقس مسيحي وشيخ مسلم. قال الثلاثة: »‬لقد كنا في صلوات مستمرة من أجل تحقيق الرخاء والخير والتنمية لمصر وإثيوبيا، وعندما شاهدناكم انت ورئيس الوزراء ديسالين والرئيس السوداني البشير ترفعون أياديكم وهي متشابكة، رفعنا نحن أيادينا إلي الله نحمده ونشكره أن استجاب لصلواتنا».
وفي ختام اللقاء.. قال الرئيس السيسي: »‬لقد جئت وفي يدي أحمل الخير وليس الشر للشعب الإثيوبي، وأقول لكم وحديثي موجه بالأخص لرجال الدين: خلوا بالكم من بلدكم.. هذا ما قلته لأشقائنا في البلاد العربية وأنتم أشقاء».
أمام البرلمان الإثيوبي، شاهدت الرئيس السيسي يتكلم. واستمعت معكم إلي خطابه. في رأيي أنه وثيقة تاريخية سينقل منها زعماء المستقبل في افريقيا عبارات مأثورة إلي الأجيال القادمة، كما نقل السيسي في خطابه عبارات لآباء أفارقة مؤسسين كعبدالناصر ونكروما.
هذا الخطاب يحتاج إلي أكثر من قراءة، لعباراته، ومضامينه، ورسائله، ورؤاه.
ويمكن من الخطاب أن نخلص إلي رسائل محددة حرص السيسي أن ينقلها إلي الشعبين المصري والإثيوبي، مثلما أراد توجيهها أيضا إلي الشعوب الافريقية، ومن أبرز هذه الرسائل:
لا ينبغي أبدا أن يأمن أحدنا علي مستقبله دون الآخر أو أن يبني رفاهيته علي حساب أخيه. ولا سعادة لأحد في شقاء الآخرين، فكما أن للشعب الإثيوبي الشقيق الحق في التنمية ورفع مستوي معيشة أبنائه، فإن لإخوتكم المصريين الحق ليس فقط في التنمية ولكن في الحياة ذاتها التي قامت علي ضفاف نهر النيل الذي يعد المصدر الوحيد للمياه.. بل للحياة.
علينا أن ننظر إلي الماضي فقط لنأخذ العبرة من الصعاب التي خضناها والعقبات التي اعترضت سبيل علاقاتنا، ويجب أن نتفق علي أنها لن تضع قيوداً علي الحاضر ولن تعيق تطلعاتنا إلي المستقبل.
أدعوكم إلي بناء جسور الثقة، وإلي سد فجوات الشك والريبة وألا نسمح لها بأن تصبح هوة تفصل فيما بيننا.. ولدينا اليوم الفرصة لإنفاذ الإرادة السياسية التي أنجزت اتفاق المبادئ، باستكمال الاجراءات الدستورية في دولنا ليدخل حيز التنفيذ دون ابطاء. فالعبرة ليست بالكلمات ولا بتوقيع الاتفاقيات وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص.
علينا أن نكتب صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا تقوم علي التعاون والمصالح المشتركة والفوائد المتبادلة، وتجنب النزاعات غير المجدية والصراعات التي تستنفد الموارد والطاقات. وأدعوكم لنضع معا ركائز مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا.. تضاء فيه فصول المدارس في اثيوبيا ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم.. ويضمن العيش الكريم لشعبينا.
فور انتهائه من كلمته أمام البرلمان الإثيوبي، توجه الرئيس السيسي إلي المطار عائدا إلي القاهرة.
جاء السيسي من الخرطوم إلي أديس أبابا محلقاً بطائرته فوق النيل الأزرق، علي عكس اتجاه تدفق مياهه، وعاد بها إلي القاهرة وهو يرنو إلي المياه تهدر من فوق الهضبة إلي السودان ومصر، ولعله كان يردد عبارته الأهم أمام البرلمان الإثيوبي: إن تدفق مياه النيل من المنبع إلي المصب ما هو إلا حصص إلهية قدرها الله لنا جميعاً.
من شرفة قاعة البرلمان الإثيوبي تابعت خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي.
كانت القاعة مكتظة بنحو 595 من أعضاء البرلمان بمجلسيه (مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالي). وكانت مقاعد الشرفة يشغلها الوفد الرسمي المرافق للرئيس ورؤساء التحرير والإعلاميون، وسفراء الدول العربية والافريقية، بجانب البابا ماتياس البطريرك الإثيوبي وعلماء الدين الإسلامي.
في تمام الثالثة إلا الربع من بعد الظهر بتوقيت أديس أبابا، دخل الرئيس السيسي إلي القاعة بصحبة رئيسي المجلسين، بينما كان رئيس الوزراء ديسالين يحتل مقعده في الصف الأمامي بالقاعة.
وقف النواب الإثيوبيون يصفقون بحرارة ترحيبا وتقديراً، وظل التصفيق متواصلاً، وبادلهم الرئيس التحية، مشيرا إليهم بيديه - في خجل - كما هي عادته عندما يجد الحفاوة بالغة، لكي يجلسوا.
نصف ساعة استغرقها خطاب الرئيس السيسي، دون أن يقاطع بتصفيق أو علامات ترحيب بما يقول. وفجأة حينما أنهي خطابه، هب النواب واقفين، وارتجت القاعة بصقفة منتظمة الإيقاع، فضم الرئيس كفيه متشابكين تعبيرا عن تضامن مصر وإثيوبيا، وحينما هم الرئيس بالخروج، وقف النواب من جديد يصفقون بنفس الطريقة، وكانت السعادة تقفز من عيون السيسي وديسالين علي السواء.
كنت أتوقع أن يخرج السيسي عن نص خطابه العقلاني العاطفي الصادق، أو أن يرتجل كما اعتدنا في نهاية كلماته، لكنه لم يشأ، فبين لسان المتحدث وآذان الحضور مترجم فوري، قد لا تسعفه كلمات في نقل الأقوال إلي سامعيها، فيختلف المنقول عما هو مقصود.
في زيارة الساعات الست والثلاثين إلي أديس أبابا التقي الرئيس السيسي بكل إثيوبيا. أمس الأول قابل رئيس الجمهورية الدكتور تيشومي، ثم أجري مباحثات قمة مع رئيس الوزراء ديسالين في جلسة مغلقة اقتصرت عليهما ثم جلسة موسعة بحضور وفدي البلدين. بعدها التقي أعضاء مجلس الأعمال المصري الإثيوبي، ثم أطل علي الشعب الإثيوبي في حوار تليفزيوني عبر شاشات التليفزيون الرسمي. واستقبل البطريرك ماتياس، قبل أن يلتقي رئيس الوزراء ورجال الدولة الإثيوبية في عشاء رسمي.
يوم أمس.. وقبيل أن يتوجه الرئيس إلي مبني البرلمان لإلقاء خطابه، استهل نشاطه في مقر إقامته بفندق شيراتون بلقاءين مهمين أولهما مع أعضاء لجنة الدبلوماسية الشعبية الإثيوبية الذي يضم نخبة المجتمع من سياسيين وأكاديميين ومفكرين وفنانين وإعلاميين وأصحاب أعمال ورجال دين، وثانيهما مع كبار علماء الدين الإسلامي في إثيوبيا.
في تقديري أن لقاء الرئيس بالنخبة الإثيوبية كان بقدر أهمية خطابه أمام البرلمان، بل لعل نتائجه وصداه في الأيام والأسابيع المقبلة ستكون أشد تأثيراً علي الرأي العام، عبر ممثلي النخبة الإثيوبية.
في هذا اللقاء الذي استغرق ساعتين، سادت المودة والحرارة وعم التفاؤل، وبدا أن ميراث ماضي الشكوك قد زال وتبدد.
سبعة متحدثين تكلموا أمام الرئيس السيسي، أولهم محمد رشيد نائب رئيس المجلس الفيدرالي الذي عبر عن امتنانه للرئيس بالوفاء بوعده للجنة الدبلوماسية الشعبية حينما التقاها في القاهرة، بزيارة أديس أبابا، والحديث أمام البرلمان، والالتقاء معهم مجدداً في العاصمة الإثيوبية.
وقال رشيد إن التوقيع علي اتفاق إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة، هو إعلان عن بدء حقبة جديدة في علاقات البلدين تقوم علي التعاون والتفاهم.
كان من أبرز المتحدثين، السيدة مولو رئيسة مجلس الأعمال الإثيوبي، التي قالت: كل الناس هنا تحبك ليس فقط بسبب مواقفك الإيجابية، إنما هي تشعر من أحاديثك داخل مصر وخارجها، انك رجل صادق ومخلص، وتلمس من ابتسامتك الصافية طيبة وتواضعاً، وتجد فيها مع الشخصية الجادة الصارمة إحساساً بالطمأنينة.
ثم تحدثت البروفيسور هيروت الاستاذة الجامعية، قائلة: »‬شكراً لك لأنك كسرت الحاجز الذي ظل يعزل مصر عن إثيوبيا ثلاثين عاماً. وشكرا لك علي وفائك بالوعد. فأنت رجل كلمة. قلت انك ستزورنا وفعلت، وأنك ستتحدث أمام البرلمان بعد المؤتمر الاقتصادي، وجئت فور انتهاء أعماله. وأقول بصدق لو كان في العالم قادة كثيرون مثلك، لأصبح أكثر أمناً وسلاماً».
وأضافت البروفيسور هيروت: هناك أمران أود التأكيد عليهما.. الأول هو البناء علي النوايا السياسية الطيبة، لتوفير المناخ الذي يكفل للمولود الجديد وهو علاقات التعاون بيننا النمو والقوة. الأمر الثاني هو دور الإعلام، فالإعلام يمكن أن يساعد علي نجاح الاتفاق أو يدمره، ونتمني أن يتناول الإعلام المصري هذه المسألة بإيجابية.
وعقب الرئيس علي البروفيسور هيروت والسيدة مولو، مطالباً الاثنتين بإعداد برنامج متكامل لتوطيد العلاقات الشعبية بين البلدين. وقال: سأخصص لكما مكتباً في مقر رئاسة الجمهورية لتعملا علي التواصل بين الناس هنا وفي مصر من أجل تعزيز أواصر العلاقات.
بعد ذلك تحدث أمام الرئيس حاخام يهودي وقس مسيحي وشيخ مسلم. قال الثلاثة: »‬لقد كنا في صلوات مستمرة من أجل تحقيق الرخاء والخير والتنمية لمصر وإثيوبيا، وعندما شاهدناكم انت ورئيس الوزراء ديسالين والرئيس السوداني البشير ترفعون أياديكم وهي متشابكة، رفعنا نحن أيادينا إلي الله نحمده ونشكره أن استجاب لصلواتنا».
وفي ختام اللقاء.. قال الرئيس السيسي: »‬لقد جئت وفي يدي أحمل الخير وليس الشر للشعب الإثيوبي، وأقول لكم وحديثي موجه بالأخص لرجال الدين: خلوا بالكم من بلدكم.. هذا ما قلته لأشقائنا في البلاد العربية وأنتم أشقاء».
أمام البرلمان الإثيوبي، شاهدت الرئيس السيسي يتكلم. واستمعت معكم إلي خطابه. في رأيي أنه وثيقة تاريخية سينقل منها زعماء المستقبل في افريقيا عبارات مأثورة إلي الأجيال القادمة، كما نقل السيسي في خطابه عبارات لآباء أفارقة مؤسسين كعبدالناصر ونكروما.
هذا الخطاب يحتاج إلي أكثر من قراءة، لعباراته، ومضامينه، ورسائله، ورؤاه.
ويمكن من الخطاب أن نخلص إلي رسائل محددة حرص السيسي أن ينقلها إلي الشعبين المصري والإثيوبي، مثلما أراد توجيهها أيضا إلي الشعوب الافريقية، ومن أبرز هذه الرسائل:
لا ينبغي أبدا أن يأمن أحدنا علي مستقبله دون الآخر أو أن يبني رفاهيته علي حساب أخيه. ولا سعادة لأحد في شقاء الآخرين، فكما أن للشعب الإثيوبي الشقيق الحق في التنمية ورفع مستوي معيشة أبنائه، فإن لإخوتكم المصريين الحق ليس فقط في التنمية ولكن في الحياة ذاتها التي قامت علي ضفاف نهر النيل الذي يعد المصدر الوحيد للمياه.. بل للحياة.
علينا أن ننظر إلي الماضي فقط لنأخذ العبرة من الصعاب التي خضناها والعقبات التي اعترضت سبيل علاقاتنا، ويجب أن نتفق علي أنها لن تضع قيوداً علي الحاضر ولن تعيق تطلعاتنا إلي المستقبل.
أدعوكم إلي بناء جسور الثقة، وإلي سد فجوات الشك والريبة وألا نسمح لها بأن تصبح هوة تفصل فيما بيننا.. ولدينا اليوم الفرصة لإنفاذ الإرادة السياسية التي أنجزت اتفاق المبادئ، باستكمال الاجراءات الدستورية في دولنا ليدخل حيز التنفيذ دون ابطاء. فالعبرة ليست بالكلمات ولا بتوقيع الاتفاقيات وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص.
علينا أن نكتب صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا تقوم علي التعاون والمصالح المشتركة والفوائد المتبادلة، وتجنب النزاعات غير المجدية والصراعات التي تستنفد الموارد والطاقات. وأدعوكم لنضع معا ركائز مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا.. تضاء فيه فصول المدارس في اثيوبيا ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم.. ويضمن العيش الكريم لشعبينا.
فور انتهائه من كلمته أمام البرلمان الإثيوبي، توجه الرئيس السيسي إلي المطار عائدا إلي القاهرة.
جاء السيسي من الخرطوم إلي أديس أبابا محلقاً بطائرته فوق النيل الأزرق، علي عكس اتجاه تدفق مياهه، وعاد بها إلي القاهرة وهو يرنو إلي المياه تهدر من فوق الهضبة إلي السودان ومصر، ولعله كان يردد عبارته الأهم أمام البرلمان الإثيوبي: إن تدفق مياه النيل من المنبع إلي المصب ما هو إلا حصص إلهية قدرها الله لنا جميعاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.