للروائي العربي العظيم عبدالرحمن منيف خماسية شهيرة عنوانها »مدن الملح» التجربة الأساسية فيها مستلهمة من المدن التي تنشأ في مناطق مرتبطة بازدهار اقتصادي مفاجئ نتيجة صدفة طبيعية أظهرت البترول أو ما شابه. تنشأ عندئذ مدن تطبق شروط الحداثة والقواسم المشتركة بين مدن العولمة. وأحد ملامحها الأبراج. المرجعية الأساسية هنا لجزيرة مانهاتن في نيويورك. غير أن الأبراج في نيويورك كان لها ضرورة أملتها الطبيعة، فشبه الجزيرة محدودة المساحة. والموقع حاكم استراتيجي، وعبر ظروف تماثل الظروف الطبيعية نشأت نيويورك كعاصمة للمال ومركز ثقافي عالمي، هنا كانت ضرورة الارتفاع إلي أعلي لمحدودية المساحة، كما أن الاستعراض بالعمارة كان إحدي سمات القوي العظمي المتنافسة، لقد وجدت شبها بين النظامين المتناقضين خلال القرن العشرين. خاصة في العمارة، تصميم الأمباير ستيت أعلي أبراج نيويورك في الشارع الرابع والثلاثين حتي بناء البرجين اللذين أطاح بهما الهجوم الإرهابي في سبتمبر 2001. يشبه تصميم الأبراج السبعة الموزعة في موسكو والتي شيدت في الأربعينيات وعرفت بالطراز الستاليني، الارتفاع الشاهق، الواجهات الصماء التي تتخللها نوافذ متساوية، الظروف اقتضت بناء الأبراج الشاهقة، لكن في مدن الخليج لماذا تقام الأبراج الشاهقة ومساحات الصحراء شاسعة خالية ترمح فيها الجمال. أصبحت الأبراج رمزا أكثر منها ضرورة، من هنا ظهر برج دبي الشاهق، وسرعان ما قررت ماليزيا بناء برجيها الشهيرين، عندئذ أرست الصين أساسات برجها الشاهق وقد رأيت بدايته في شنغهاي وقيل لي إنه من المستحيل تجاوزه بعد اكتماله في أي مكان في العالم، منذ سنوات انقطع التيار الكهربائي في دبي خلال أغسطس وتدفق الآلاف إلي الشوارع هربا من الموت اختناقا فهذه الأبراج مصمتة تعتمد علي التكييف الصناعي، لاحظت أن ماكيت العاصمة المقترحة تخترق الأبراج، أبراج في بلد يعاني أزمة طاقة وتنقطع فيه الكهرباء بانتظام، لماذا تجري الإدارة المصرية وراء نماذج مدن الملح المؤقتة بظروف ثروة طارئة غير مأمونة العواقب، لماذا تدير الإدارة المصرية ظهرها لحقائق الجغرافيا والتاريخ، هذه مشكلة المسئولين الذين يجهلون تاريخ البلد العريق الذين يحتلون فيه مواقع الصدارة. وزير الإسكان خريج هارفرد الذي تبني هذا المشروع رأيته مرارا يتحدث في التليفزيون كمستعرب، يدلل علي أن قسط أربعة آلاف جنيه في الشهر ليس مبالغا فيه للطبقة المتوسطة التي يبلغ متوسط دخلها عشرة آلاف جنيه في الشهر، إذا كان تقديره هكذا للدخول في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر فهل سيلم بمعني مركزية الدولة وشروط إنشاء وظهور العواصم المصرية؟. مشاكل القاهرة لها حلول تبدأ من داخلها وليس بالهروب إلي عاصمة الملح. إن التخلي عن القاهرة تخل عن مصر نفسها. ولهذا تفصيل. للروائي العربي العظيم عبدالرحمن منيف خماسية شهيرة عنوانها »مدن الملح» التجربة الأساسية فيها مستلهمة من المدن التي تنشأ في مناطق مرتبطة بازدهار اقتصادي مفاجئ نتيجة صدفة طبيعية أظهرت البترول أو ما شابه. تنشأ عندئذ مدن تطبق شروط الحداثة والقواسم المشتركة بين مدن العولمة. وأحد ملامحها الأبراج. المرجعية الأساسية هنا لجزيرة مانهاتن في نيويورك. غير أن الأبراج في نيويورك كان لها ضرورة أملتها الطبيعة، فشبه الجزيرة محدودة المساحة. والموقع حاكم استراتيجي، وعبر ظروف تماثل الظروف الطبيعية نشأت نيويورك كعاصمة للمال ومركز ثقافي عالمي، هنا كانت ضرورة الارتفاع إلي أعلي لمحدودية المساحة، كما أن الاستعراض بالعمارة كان إحدي سمات القوي العظمي المتنافسة، لقد وجدت شبها بين النظامين المتناقضين خلال القرن العشرين. خاصة في العمارة، تصميم الأمباير ستيت أعلي أبراج نيويورك في الشارع الرابع والثلاثين حتي بناء البرجين اللذين أطاح بهما الهجوم الإرهابي في سبتمبر 2001. يشبه تصميم الأبراج السبعة الموزعة في موسكو والتي شيدت في الأربعينيات وعرفت بالطراز الستاليني، الارتفاع الشاهق، الواجهات الصماء التي تتخللها نوافذ متساوية، الظروف اقتضت بناء الأبراج الشاهقة، لكن في مدن الخليج لماذا تقام الأبراج الشاهقة ومساحات الصحراء شاسعة خالية ترمح فيها الجمال. أصبحت الأبراج رمزا أكثر منها ضرورة، من هنا ظهر برج دبي الشاهق، وسرعان ما قررت ماليزيا بناء برجيها الشهيرين، عندئذ أرست الصين أساسات برجها الشاهق وقد رأيت بدايته في شنغهاي وقيل لي إنه من المستحيل تجاوزه بعد اكتماله في أي مكان في العالم، منذ سنوات انقطع التيار الكهربائي في دبي خلال أغسطس وتدفق الآلاف إلي الشوارع هربا من الموت اختناقا فهذه الأبراج مصمتة تعتمد علي التكييف الصناعي، لاحظت أن ماكيت العاصمة المقترحة تخترق الأبراج، أبراج في بلد يعاني أزمة طاقة وتنقطع فيه الكهرباء بانتظام، لماذا تجري الإدارة المصرية وراء نماذج مدن الملح المؤقتة بظروف ثروة طارئة غير مأمونة العواقب، لماذا تدير الإدارة المصرية ظهرها لحقائق الجغرافيا والتاريخ، هذه مشكلة المسئولين الذين يجهلون تاريخ البلد العريق الذين يحتلون فيه مواقع الصدارة. وزير الإسكان خريج هارفرد الذي تبني هذا المشروع رأيته مرارا يتحدث في التليفزيون كمستعرب، يدلل علي أن قسط أربعة آلاف جنيه في الشهر ليس مبالغا فيه للطبقة المتوسطة التي يبلغ متوسط دخلها عشرة آلاف جنيه في الشهر، إذا كان تقديره هكذا للدخول في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر فهل سيلم بمعني مركزية الدولة وشروط إنشاء وظهور العواصم المصرية؟. مشاكل القاهرة لها حلول تبدأ من داخلها وليس بالهروب إلي عاصمة الملح. إن التخلي عن القاهرة تخل عن مصر نفسها. ولهذا تفصيل.