قصف إسرائيلي يستهدف مقراً للقوات الحكومية جنوب دمشق    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    رئيس لجنة الحكام يعلن عن موعد رحيله    شاهد، إداري الزمالك صاحب واقعة إخفاء الكرات بالقمة يتابع مباراة البنك الأهلي    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس لإسقاط أستون فيلا بدوري المؤتمر    أحمد الكأس : سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    التعادل الإيجابي يحسم مباراة مارسيليا وأتالانتا ... باير ليفركوزن ينتصر على روما في الأولمبيكو بثنائية بذهاب نصف نهائي اليورباليج    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حمادة هلال يهنئ مصطفى كامل بمناسبة عقد قران ابنته: "مبروك صاحب العمر"    أحدث ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: ننتظر نجاح المفاوضات المصرية بشأن غزة وسنرد بموقف عربي موحد    الصين تستعد لإطلاق مهمة لاكتشاف الجانب المخفي من القمر    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    سفير الكويت بالقاهرة: نتطلع لتحقيق قفزات في استثماراتنا بالسوق المصرية    في عطلة البنوك.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 3 مايو 2024    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جي بي مورجان يتوقع وصول تدفقات استثمارات المحافظ المالية في مصر إلى 8.1 مليار دولار    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    منتخب السباحة يتألق بالبطولة الأفريقية بعد حصد 11 ميدالية بنهاية اليوم الثالث    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    حار نهاراً والعظمى في القاهرة 32.. حالة الطقس اليوم    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بعد 10 أيام من إصابتها ليلة زفافها.. وفاة عروس مطوبس إثر تعرضها للغيبوبة    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    وصفها ب"الجبارة".. سفير الكويت بالقاهرة يشيد بجهود مصر في إدخال المساعدات لغزة    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    ترسلها لمن؟.. أروع كلمات التهنئة بمناسبة قدوم شم النسيم 2024    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    أدب وتراث وحرف يدوية.. زخم وتنوع في ورش ملتقى شباب «أهل مصر» بدمياط    سباق الحمير .. احتفال لافت ب«مولد دندوت» لمسافة 15 كيلو مترًا في الفيوم    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مياه الفيوم تنظم سلسلة ندوات توعوية على هامش القوافل الطبية بالقرى والنجوع    رغم القروض وبيع رأس الحكمة: الفجوة التمويلية تصل ل 28.5 مليار دولار..والقطار الكهربائي السريع يبتلع 2.2 مليار يورو    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    حدث بالفن | وفاة فنانة وشيرين بالحجاب وزيجات دانا حلبي وعقد قران ابنة مصطفى كامل    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    السيطرة على حريق سوق الخردة بالشرقية، والقيادات الأمنية تعاين موقع الحادث (صور)    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوابة أخبار اليوم على خط النار في سوريا
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 01 - 2015


حمص جميلة المدائن السورية.. رهينة بيد التكفيريين
إذا كان الحال السائد في العاصمة السورية دمشق هو الهدوء الذي يكدره من آن لآخر وفى الأحياء الجديدة النائية عن مركز المدينة استهداف جماعات التكفير المسلحة لها بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا فى عمليات جبانة يسعى من ورائها وبكل صورة من الصور إلى قتل وإصابة المدنيين وترويعهم وإلحاق أكبر الخسائر الممكنة بأرزاقهم..
وكأنما هم ينتقمون من الدمشقيين لصمودهم ورفضهم هدم الدولة وتسليم الوطن السورى للمجهول وهى العمليات التى على خستها وندرتها تبقى بلا تأثير يذكر على حياة أبناء الشام.. إذا كانت تلك هى الحالة الدمشقية فإنها يمكن وصفها بالحال الجيدة وسط أتون حرب ضروس تستعر فى انحاء سوريا مقارنة بحال محافظات ومدن أخرى تقع بعيدا عن العاصمة فى القطر العربى السورى.
منازل حى الخالدية سكنتها الأشباح بعد أن دمرها التكفيريون وهجرها سكانها المسلحون أجلوا سكانا عن أحيائهم ودمروا الكنائس والأسواق الأثرية السوق المسقوف التاريخى فى حمص تحول إلى خرابة بعد تدميره.\
داخل كنيسة "أم الزنار" السورية.. وحوار بين محرر «الأخبار» والقس إبراهيم بركات انتحاريون يفجرون أنفسهم بمدرسة ابتدائية حكومية لحصولها على جائزة عالمية بعد أن حصلت على التصاريح اللازمة لأداء مهمتى الصحفية فى أنحاء سوريا من مكتب الاعلام الخارجى بوزارة الاعلام.
قررت التوجه إلى مدينة حمص ولكن لم أجد بين سائقى الأجرة من يقبل بمرافقتى فى سفريتى التي قدرت بأنها ستستمر يوما واحدا، أرشدنى صديق سورى إلى شاب يمتلك سيارة خاصة لديه استعداد لنقلى إلى وجهتى وقد قبل بها بعدما عرف بأن هناك مرافقا من إدارة الاعلام الخارجى يملك تصريح مرور على المسارات الخاصة سيصحبنا لارشادنا إلى حيث وجهتنا.
غادرنا دمشق فى السابعة صباحا باتجاه الشمال الغربى إلى حمص.. عرفت من رفيقى أن هناك مسارا بعيدا عن قطاعات متوترة فى ريف دمشق مطلوبا أن نبتعد عنها لتمركز بعض من عناصر الجماعات التكفيرية المسلحة بها والتى عادة ما تحاول أن تقطع الطريق لتنفيذ جرائم قتل وخطف كل من ما ليس منهم.
اتخذت السيارة مسارها فى الطريق الذى يؤمنه الجيش السورى تأمينا عاليا وينشر عليه الحواجز التى لابد من التوقف عند كل واحد منها كل عدة كيلومترات.
فى قطاعات محدودة من الطريق البالغة مسافته نحو 200 كيلو متر لاحت أمامى وللمرة الاولى منذ وصولى إلى سوريا مشاهد تنطق بأن هناك عمليات عسكرية قد جرت فى هذا البلد مدينة النبك أولى المناطق التى رأيت فيها أبنية مدمرة.
بعضها استراحات للمسافرين تقع على الطريق مباشرة وقد دمرت كليا بعد تعرضها لقذائف الهاون والكاتيوشا والاستهداف بمتفجرات ميدانية استخدمها من يصفهم الناس هنا فقط بالمسلحين من دون تسمية لفصيل بعينه فهم لا يعرفون أكثر من أن مسلحين ملثمين هاجموا أطراف مدنهم والقرى القريبة ودمروا ما أمكن لهم تدميره من أبنية بعدها ذهبوا!!
الدمار فى أبشع صورة
وصلنا إلى مشارف مدينة حمص.. مدخل المدينة الذى بدا طبيعيا مع كثافة حركة مرور السيارات وازدحامه بالمشاة.
كان لى بمثابة الفخ الذهنى فقد تصورت بداية أن الامر هنا ورغم كل ما قيل عن عمليات واسعة خاضها الجيش العربى السورى ضد جماعات وميليشيات رفعت السلاح واحتلت أحياء ربما حمل مبالغات إعلامية وصحفية وصحيح أن هناك شيئا ما فى طبيعة إجراءات التأمين بحمص يختلف عن الحال بدمشق الهادئة.. إلا أنه لم يدر بخيالى أبدا ما لم تمر سوى دقائق محدودة قطعت السيارة بنا خلالها أقل من 3 كيلو مترات إلى قلب المدينة حتى رأيته!!
صورة لا يمكن لغير أبناء محافظات القناة فى مصر وكبارهم لا الشباب أن يتذكروها ويستوعبوا بأنها حقيقة ممكنة دمار كامل لحق بعمارات وأبنية ومحال تشغل حيا كاملا جراء قصف بأسلحة ثقيلة «صواريخ ومدفعية» الحى الخالى كليا من البشر لا تسكنه إلا رائحة الموت..
عرفت بأن الحى المدمر هو حى الخالدية الذى كان ذات يوم قريب قبلة لكل أبناء المدينة وزوارها.. فهو حى النزهة والتسوق كما حال وسط مدينة القاهرة..
استأذنت رفيقيّ بمغادرتهما فى جولة قصيرة فى الشوارع المتفرعة من الشارع الرئيس المؤدى إلى الحى.. خطوات قليلة قطعتها وتمثلت أمام عيّنى مشاهد مدينتى الاسماعيلية التى زرتها وأنا طفل بصحبة أبى وشقيقى وقد خلت من سكانها الذين هجروا إلى حيثما كان من أرض مصر.
نفس مشاهد المبانى المدمرة التى تعدت دانات المدافع وقذائف الصواريخ على واجهاتها علامات وبثور الخراب.. لا مبنى واحدا سليم لا دور ولا حتى شقة بعمارة واحدة بقيت على حالها اثار الحرائق الناجمة عن انفجارات قذائف الموت الهائلة تكسو كل المبانى.. وعلى الطرقات تجثم حجارة ومخلفات أبنية تساقطت على الأرض ومشهد بشع للدمار لا يمكن وصفه.. وصورته الأقرب هو ما جرى لمدينة السويس يوم تعرضت للعدوان الصهيونى فى عام 67 وما تلاه من أعوام سبقت انتصارنا فى أكتوبر.
عدت إلى رفيقيّ وقد تملكتنى مشاعر لم أختبرها منذ بعيد وبعيد جدا.. فى رأسى كنت أسمع كلمات أغنية الصمود المصرى يا بيوت السويس!!
بادرت إلى سؤال أول من التقيت وجوههم من أبناء حمص الطيبين ماذا عن باقى أنحاء المدينة؟ وكان ردهم تقريبا لم يسلم سوى قسم صغير من المدينة.. وأكثر من حى كبير فيها لا يختلف حاله عما رأيت فى الخالدية!!
فما الذى حدث فى حمص ومن تسبب فى كل هذا الدمار وكم عدد القتلى فى مدينة وجد أهلها أنفسهم بين ليلة وضحاها داخل ساحة حرب حقيقية استخدمت فيها كل أسلحة وآليات الحرب التى لا تستخدم فى غير الميادين!!
حكاية حمص التى رواها لى كل من قابلت وبلا اختلافات تذكر.. بدأت منذ بدأ حراك التغيير فى سوريا كلها.. فكما كثير من المحافظات والمناطق السورية خرج أعداد من الناس للمطالبة بالاصلاح والتغيير..
الكل كان متأثرا بالحراك الذى شهدته تونس ومصر والذى تحول إلى ثورة فى البلدين فقط فى سوريا لم تكن هناك مطالب بإسقاط النظام تتبناها الجموع وإنما كانت هناك فئات محدودة العدد تتبنى هذا المطلب وهى فئات لها انتماءاتها كالإخوان وعناصر السلفيين وهؤلاء كان الجميع يدرك بأن لهم أهدافا لا صلة لها بالإصلاح ولا بالتغيير للأفضل.. وإنما فقط الوصول إلى السلطة وبأى ثمن ومع تراجع حجم مشاركة أبناء حمص وانفصال غالبية أصحاب نداءات الاصلاح والتغيير السلمى عن تيارات الجماعات..
بدأت أحياء بعينها فى حمص تشهد أحداثا غريبة وإلى حد الشذوذ بالنسبة للمجتمع السورى الأميل للهدوء والسلام بطبيعته.. ففجأة ظهر ببعض الاحياء عناصر تحمل السلاح فى البداية قالوا أنه لتأمين الناس من بطش الأجهزة الأمنية خاصة، تذرعوا بهذه الحجة بعدما سقط ضحايا قتلى ومصابون خلال مظاهرات المطالبة بالاصلاح والتغيير، ولكن سرعان ما انقلبوا على المواطنين ابناء هذه المناطق أنفسهم والبداية كانت فى أحياء حمص القديمة وانتقلت منها إلى باقى الاحياء..
المسلحون «وهذا هو التوصيف الذى يستخدمه الحمصيون من دون إضافة أى تصنيفات أخرى عن مسميات الجماعات المعروفة ربما لكثرة المسميات غير أن جميع من لجأوا لحمل السلاح استخدموا اللثام على وجوههم لإخفاء هوياتهم» أخذوا يتحرشون بالأهالى.. وبخاصة البسطاء الذين لم يعلنوا رغبتهم فى اسقاط النظام، فكانوا يتعمدون استيقافهم وإهانتهم وتحولوا مع تطور الامر إلى فرض الاتاوات على سكان المناطق التى بدأوا بفرض سيطرتهم عليها.. وكان التحول الأشد سوءا هو ملاحقة من عرفوا بأنهم مؤيدون للدولة وللنظام.. فبدأوا بخطف وتعذيب المئات منهم..
وتفاقمت الاوضاع بعد أن ازداد عدد المسلحين الذين لا يعرف أحد أين كانوا ولا من أين جاءوا ولا كيف أتوا بالسلاح الذى حازوه خاصة نوعيات الاسلحة الثقيلة من البنادق الآلية المتعددة وقاذفات الآربى جيه والهاون وصواريخ الكاتيوشا، فرض المسلحون واقعا مريرا على أبناء حمص فى كل أنحائها تقريبا وكانت الوقائع الأفظع فى أحياء الخالدية وباب الهنود فقد أجبروا سكانها على إخلاء البيوت وأصحاب المتاجر على إغلاقها وبدأوا بالتمركز بها واتخذوها نقاط تمركز لاستهداف قوات الأمن والجيش..
الشارع الحدودى
ووفق روايات أبناء دمشق فإن شارعا واحدا وسط المدينة مثل الحدود الفاصلة ما بين المسلحين وقوى الأمن والجيش التابعة للدولة والتى وجدت فرصة للتعامل بالاسلحة الثقيلة مع من احتلوا الاحياء وأجلوا عنها سكانها.. تبادل الطرفان النيران وآلت الاحياء السكنية إلى دمار كلى..
وفى الاحياء التى بقى سكانها سواء أصروا على عدم مغادرة بيوتهم ومتاجرهم وتصدوا بشكل أو آخر قدرالامكان للمسلحين، بقيت عمليات الخطف والقتل العلنى فى حالات وفرض الاتاوات قائمة.. وكانت الاحياء الأكثر تماسكاً فى تصديها للمسلحين هى أحياء حمص القديمة وهذه لم تتعرض لما تعرضت له الأحياء التى نزح عنها سكانها قسراً من دمار شامل والروايات والحكايات هنا كثيرة!!
سقط الآلاف من الناس قتلى وجرحى.. والاكيد أن الغالبية منهم سقطوا خلال المواجهات بين الدولة والمسلحين وفى عمليات القصف المتبادلة.
واحد من المخطوفين ولكن حظه كان أفضل من الآلاف اختفوا كلياً هو سامر الشامى مصور صحفى يعمل بوكالة مانا (السورية للانباء) روى لى واقعة اختطافه قال إنه فى بداية الاضطرابات بسوريا وبالتحديد فى 29 أغسطس عام 2011 اقتحم 5 مسلحين ملثمين منزل عائلته واقتادوه امام أهله وأعلنوا لهم أنهم سيثأرون منه لأنه تابع للنظام.
وأضاف أن الملثمين احتجزوه لمدة 9 ساعات واصلوا خلالها اتهامه بالعمالة للدولة وهو ما نفاه لهم كلياً وبعدها خيروه بين أن يترك عمله وينضم لهم أو يصفونه (يقتلونه) «طبعاً» سايرتهم فأخلوا سبيلى وقالوا إنهم سيراقبون تحركاتى ويستطرد ولما عدت للمنزل وجدت أن أبى قد فارق الحياة بعدما هاله اختطافى وإعلان المختطفين امامه بأنهم سيقطعون رأسى.. لم يحتمل أبى ما تعرضت له.
ويضيف بعد مرور عدة أيام انقطعت خلالها عن العمل خفف المسلحون من مراقبتهم لى وقد اعتقدوا أنى صرت موالياً لهم.. فسنحت لى بذلك فرصة الفرار من الحى الذى اسكن به ولذت بمكان آمن فى منطقة تخضع لسيطرة الدولة.
ورغم روايته للحكاية رفض الشامى تصويره معرباً عن تخوفه من أن يتعرف إليه أحد من المسلحين.
أحرقوا أقدم كنائس سوريا
غادرنا المنطقة التى التقيت فيها بالمصور الصحفى صدفة وتوجهت الى موقع كنيسة «أم الزنار» التاريخية وهى كما روى لى بعض من التقيت من أهل حمص واحدة من الكنائس الاثرية وقد دمرها المسلحون واشعلوا فيها النيران قبل فرارهم من الحى الكائنة به هرباً من ملاحقة قوى الأمن.
فى الكنيسة كان هناك عدد محدود من الزوار.. إذ لم يبق فيها شىء سليم، الكنيسة كما قال لى القس ابراهيم بركات يعود إنشاؤها الى عام 59 ميلادية وهى اقدم كنائس سوريا على الاطلاق وعرفت باسم ام الزنار لاحتوائها على زنار السيدة مريم العذراء.. وهى مكونة من كنيس تحت الارض وآخر يعلوه غير المحراب الذى احتفظ فيه بالزنار منذ انشائها فى فجر المسيحية.
ويقول منذ احتل المسلحون الحى بدأوا بمضايقة القسيس ومنعوا زيارة الكنيسة.. وبعدها أخلوا الحى كله وبعدما بدأت قوات الدولة فى التصدى لهم استشعرنا الخوف على زنار السيدة العذراء وقام الآباء القس بنقله الى مكان آمن واستبدلناه بآخر ليس أصلياً..
وقد تبين اننا كنا على حق فى حذرنا.. إذ فى اليوم الذى أجبر فيه المسلحون على الفرار من المنطقة ووصلتها القوات الحكومية كان آخر ما فعلوه هو الهجوم على الكنيسة واحراق ما اعتقدوا أنه الزنار الحقيقى.
ويضيف الزنار الذى لحق بالكنيسة كمبنى أثرى لا يعوض ابداً.. وهذه الكنيسة غير أنها الاولى التى شيدت فى سوريا.. احتضن جناح منها يطلق عليه قصر فرانس كل اجتماعات ولقاءات الزعيمين السوريين شكرى القواتلى واديب الشياكلى التى مهدت للثورة السورية!
حمص اليوم
تدمير التاريخ يبدو أنه هواية لدى الجماعات المسلحة فعلى مقربة من الكنيسة يقع السوق المسقوف القديم بحى بنى السباعى وهو الحى الذى احتله المسلحون لعام ونصف العام وقبل أن يغادروه دمروا السوق كلياً تقدمنا الى داخل حمص وبدأت الصورة بالتبدل.. مظاهر الحياة المشهودة تتجاوز كل وصف. لا الدمار ولا الخراب ولا أى شىء يحول بين السوريين والحياة..
الناس فى كل مكان يمارسون حياتهم بصورة طبيعية فالجماعات المسلحة التى احتلت اغلب الاحياء واحالت حياة الناس جحيماً ونشرت الدمار فى كل الارجاء لم يعد لها وجود إلا فى منطقة واحدة محدودة هى حى الوعرة الذى يقبع تحت سيطرة من لا يعرفون الله ولا يعترون لحياة البشر قيمة اما باقى الأحياء فإما اجبروا على الفرار منها أو غادروها تفاوضاً مع السلطات الرسمية وتحت ضغط من أبنائها الذين صار الموت عندهم اهون من العيش تحت ارهاب وتحكم المسلحين.
وعن حال حمص اليوم يقول عيسى موظف بمديرية الصحة: نحمد الله الامور صارت الى أمان معظم المناطق لم تعد تشهد قتالاً ولم تعد تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
نفس الامر اكده كل من التقيتهم من مواطنين ومن بينهم حداد وهو سائق ميكروباص من سكان ضيعة قريبة من حمص والذى أكد انه وبحكم عمله اصبحت حمص نفسها آمنة عدا حى الوعرة وفى ريفها هناك مناطق تعتبر حدودية بين الدولة والمسلحين بينها «تلبيس» وعين حسين.
أفضل مدرسة فى العالم
زيارتى الأخيرة فى حمص وقبل ان التقى محافظها لاستطلاع الحال من وجهة النظر الرسمية كانت هى الاقسى على نفسى بين كل ما شاهدت فى حمص.. وجهتى كانت مدرسة ابتدائية حكومية اسمها مدرسة «عكرمة المخزومى» علمت قبل أن ازورها أنها استهدفت بتفجيرين من قبل انتحاريين.. نفذا جريمتهما الخسيسة ضد أطفال ابرياء لمجرد أن مدرستها الحكومية تلك حصلت فى النصف الثانى من عام 2014 على جائزة أفضل مدرسة ابتدائية مجانية على مستوى العالم فى مؤسسة تابعة للأمم المتحدة..
وقد اعتبرتها جماعات الجهالة والظلام والكفر هدفاً مشروعاً.. توجع به النظام!!
التوقيت الذى وصلت فيه إلى المدرسة كان متزامناً مع موعد انتهاء اليوم الدراسى وفى المدارس الحكومية الابتدائية السورية.. وبحمص تحديداً لايغادر التلاميذ المدرسة دفعة واحدة وإنما يغادرونها صفاً صفاً وبعد أن يؤدى تلاميذ كل واحد من الفرق طابوراً رياضياً قصيراً يختتمونه بالنشيد الوطنى..وللامر حكمة فإدارات المدارس تخشى تعرض التلاميذ الى أى سوء حال خروجهم جماعة.
استقبلتنا المربية الفاضلة والتعبير فى هذه الحالة ليس روتينياً فاطمة الحسين مديرة المدرسة.. قالت قبل الحديث فى أى شىء أحضر طابور نهاية اليوم للفرقة الاولى.
صحبتها الى حيث حوش صغير يتوسط المدرسة وهناك كان يصطف الصغار كما الزهور اليانعة وأبهى وأكثر جمالاً.. خاطبتهم بكلمات قصيرة قالت هذا ضيف من مصر فلنحيى معه مصراً.. وجاوبها الصغار هتافاً لمصر.. قبل أن تدعوهم لاداء النشيد الوطنى السورى ليغادروا وتحل بعدهم فرقة أخرى من فرق المدرسة الابتدائية.
انفجار هائل
قدمتنى الى مدرسة بفصل لم يحن توقيت انصرافه بعد فوجهت المدرسة تلاميذ الصف لتحيتى.. وهنا بدأت بسؤال المدرسة «أسمهان هولة» عن واقعة التفجير قالت كان يوماً بدايته جميلة فالاطفال كانوا يستعدون لاجازة العيد وكانوا فرحين بقدومها..
فنحن ومنذ بدأت مأساة سوريا وما شهدته حمص نحاول أن نبحث لاطفالنا عن السعادة. وفى هذا اليوم بالتحديد كان اليوم الدراسى قد انتهى.. وبدأنا فى صرف الطلاب على دفعات.. كان أولها المجموعات التى يحضر ذووهم لاصطحابهم مبكراً.. وأثناء خروج المجموعة الاولى وكنت بعدى فى الفصل مع تلاميذى.. سمعنا دوى انفجار هائل.. وتصورنا ان صاروخاً قد سقط بالقرب من المدرسة..وبدأت محاولات تهدئة التلاميذ الذين اصابهم الرعب ولكن انفجاراً مدوياً ثانياً وقع واهتزت معه المدرسة التى تساقط زجاج نوافذها وجانب من اسوارها ومبانيها بقيت مع الاطفال.. وعلمت بعد دقائق ان انتحاريين فجرا نفسيهما واحد عند كل بوابة من بوباتها وأن الانتحارى الثانى حاول اقتحام بوابة المدرسة الرئيسية ليفجر نفسه داخلها وأن الاول فجر نفسه عند البوابة الثانية التى كان تلاميذ الدفعة الاولى قد استعدوا ليغادروا مع ذويهم المدرسة.
وقد تسبب التفجير الاول فى استشهاد 35 تلميذا وعدد كبير من أولياء الأمور غير اصابة أكثر من 150وأوضحت انها ومنذ بداية العمليات فى حمص ورغم المخاطر لم تنقطع يوما واحدا عن العمل ولم ينقطع التلاميذ عن المدرسة.. فلا أحد كان يتصور أن الكراهية والحقد يمكن أن تصل بأى انسان إلى قتل اطفال ابرياء.. وتضيف: تماسكت يوم الواقعة من أجل التلاميذ وأذكر أنى لم أبك الا عند دخولى منزلى فعندها اصبت بانهيار.
مديرة المدرسة «فاطمة الحسين» قالت اليوم كان الاول من اكتوبر 2014 وكانت الدفعة الاولى للانصراف هى من الأطفال الرياضيين ونحن نخرج الصغار منهم من بوابة والكبار من أخرى.. وفى هذا اليوم شىء ما جعلنى أعطل خروج الصفوف الا من اتى ذووهم لاصطحابهم ولعل هذا هو ما حد من عدد الضحايا كان لدينا تلاميذ يلعبون بالباحة وآخرون بالفصول عندما وقع التفجير الأول.. وبسرعة ادخلت كل من تمكنت من اعادته الى المدرسة من تلاميذ وأولياء أمور ووقع التفجير الثانى.
وقالت: بعد التفجيرين بأكثر من 4 اشهر حاولوا استهداف المدرسة ثانية بصواريخ ولكنها سقطت بعيداً عنها.
كيف تعاملت المدرسة نفسياً مع التلاميذ وبخاصة الذين فقدوا اتراباً لهم كانوا يجلسون الى جوارهم فى الفصول؟!
فى هذا قالت مديرة المدرسة.. احتاج منا الأطفال الذين خسروا زملاء لهم بالفصول تعاملا خاصا وعملية احتواء نفسى لأحزانهم ومخاوفهم..
والسبيل كان هو ربط التلاميذ بمشاعر الحب للمدرسة وهو ما تحققه الأنشطة المختلفة بالمدرسة كفرق الموسيقى والتخت والفن التشكيلى والشعر والإلقاء وغيرها وإلى ذلك فالجمال يطل من كل جوانبها.
وأضافت : الأهم أننا ومنذ بداية مأساة سوريا عملنا على مشروع لتهيئة التلاميذ لظروف الحرب.. ومن بينها الموت كحقيقة متلازمة مع الحروب..
وخلال اجازة العيد التى عاشها الأطفال حزنا بدلا من الفرح تواصلنا مع أولياء الأمور عن طريق الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعى وقامت هيئة التدريس بزيارة أسر التلاميذ الشهداء وذلك غير فتح أبواب المدرسة للعزاء.. وهكذا حققنا التواصل مع أولياء الأمور لتشجيعهم على إعادة أبنائهم للمدرسة بعد انتهاء الاجازة وهو ما حدث.. وفى البداية استمر بعض الأهالى الذين فقد أطفالهم زملاء الفصل فى ملازمة أبنائهم بالحضور.. ولكن عموم التلاميذ احتويناهم ومنذ اليوم الأول للعودة للمدرسة بتفعيل مشروعنا الأول الذى بدأناه مع بداية الأحداث لتهيئتهم للحرب.. فهتف التلاميذ كلنا شهداء من أجل سوريا.
غادرت المدرسة وبداخلى انفعالات متضاربة ألم يعتصرنى على أطفال أبرياء قتلهم أوغاد لا ينتمون للبشر بصلة فى جريمة لم يقو على مثلها فى تاريخ البشرية غير الصهاينة فعلوها فى مدرسة بحر البقر بمصر وفعلوها بفلسطين، ورغم الألم فرحت بأطفال يستقبلون الحياة شدوا وغناء وتعلما فى مدرسة جميلة وبحق خفف من وطأة الألم..
فى محافظة دمشق والمشرف مبناها على واحد من الأحياء التى دمرت كليا.. التقيت المحافظ طلال البرازى سألته عن حال حلب اليوم.. قال ان الأوضاع تحسنت فلم يعد من أحياء خارجة عن سلطة الدولة وخدماتها إلا حى واحد من بين 36 حيا فى حمص وهو حى الوعرة بينما تبسط الدولة سلطاتها على 35 حيا صارت آمنة تماما..
سألت كيف عاد الاستقرار والأمن إلى أحياء حمص؟
قال: بعيدا عن المناطق التى حررت أمنيا من قبضة المسلحين تبنت الدولة توجهات الرئيس لتحقيق المصالحة الوطنية وحماية المدنيين من آثار العمليات التى تدور بكل المناطق وفى حمص القديمة وهى النموذج لأحياء المصالحة الوطنية بدأنا التفاوض مع المسلحين منذ فبراير 2014 وحتى مايو 2014 ومن خلال التفاوض.. والتسامح مع المسلحين الذين سلموا السلاح وعادوا إلى السياق الوطنى نجحنا فى إعادة 7 أحياء هى حمص القديمة خالية من السلاح وممارسات المسلحين.
واليوم لم يتبق فى حمص كلها كما قلت غير حى الوعرة وبدأنا جهودا فى محاولة لإعادته إلى سلطة الدولة سلميا فهو من الأحياء الكبيرة عالية الكثافة السكانية ويبسط نفوذه على السكان فيه نحو 2000 مسلح توصلنا معهم قبل 10 أيام إلى تهدئة ولا أقول هدنة وإنما تهدئة يمكن قطعها إذا ما عادوا إلى ممارساتهم ضد الأهالى وضد الدولة..
ولكن هذه التهدئة هى صامدة مستقرة و نسعى لأن تؤسس إلى حوار مع المسلحين بحيث نضع تفاصيل الاتفاق على عودة الحى إلى سيادة الدولة.. والشرط الأساسى لاتمام أى تفاهم عندنا هو إخلاء الحى من السلاح وفى المقابل يستفيد نحو 70% ممن حملوا السلاح من دون ارتكاب جرائم غير الخروج عن السيادة الوطنية للدولة من العفو الرئاسى.. ويتبقى نحو 30% من المسلحين نتوقع مغادرتهم حمص كليا.
وقال ان الخطوات التنفيذية من أجل تحقيق المصالحة بحى الوعرة تنتهى بحلول نهاية الأسبوع ونتوقع تفعيل الاتفاق خلال أسابيع لافتا إلى أن المسلحين تعهدوا بالحل ووعدتهم الدولة بحل مشكلات المتخلفين منهم عن الخدمة العسكرية فى مقابل تسليم المواطنين المختطفين أو الإدلاء بمعلومات تفيد بتحديد مصائرهم وتسليم السلاح ومخازنه..
والأهم هو أن تكون هناك مصالحات كبيرة بين المسلحين ومجتمع الوعرة الذى عانى ممارساتهم.
وأشار إلى أن العفو الرئاسى يسمح للمسلحين بالعودة للحياة الطبيعية.. وأن الغاية من العقوبة.. إصلاحية.. فإن انصلح هؤلاء.. يقابل صلاحهم بالتسامح والتصالح وإلا استمر النزاع!!
إعادة إعمار
وعما إن كانت هناك إجراءات تتخذها الدولة لإعادة إعمار الأحياء المدمرة.. قال البرازى انه تم تشكيل لجنة مختصة بإجراء دراسات لإعادة الإعمار وهناك تمايز وفوارق فى العملية نفسها إذ إن هناك نحو 15 حيا تعرضت لدمار بنسبة 70% كبابا عمرو - السلطانية - العرايس - الخالدية وغيرها.. وهذه الأحياء كانت محل دراسة لمخطط تنظيمى جديد على مساحة 207 هكتارات يقام عليها 420 برجا سكنيا.. تستوعب كل سكان الأحياء مع زيادة قدرها 30% عن تعداد المنطقة 70 ألف نسمة.
وأوضح أنه من المتوقع صدور مرسوم لتنفيذ هذا المشروع البديل للأحياء المدمرة خلال الشهر الجارى..
ويضمن المرسوم للمالكين بالأحياء المدمرة حقوق الملكية البديلة وللشاغلين حق التعويض أو سكنا بديلا جديدا فى المخطط التنظيمى الجديد الذى يستغرق تنفيذه 5 سنوات.. ويوفر خلال السنة الأولى من العمل به 20 ألف فرصة عمل.
وقال ان أعمال إعادة الإعمار ستنطلق بداية من بابا عمرو وهى ضخمة جدا ويكفى أن نقول أن هناك خسائر تقدر بمئات المليارات..
وقبل أن أغادر المحافظة سألت: الناس فى حمص يقولون فقط: المسلحين، فمن هم؟ هل من فصيل أو فريق محدد؟
وأجابنى: عشرات الفصائل والفرق الصغيرة وجميعهم ملثمون.. حصار التوصيف المناسب هو: المسلحون وكفى..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.