مصطفى الفقي: هندسة المشهد السياسي ليست أمرًا سلبيًا وهذا ما فعله مبارك    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    البترول تحقق في واقعة سقوط برج أحد أجهزة الحفر بالصحراء الغربية    ضياء السيد: توروب صنع منظومة دفاعية ذكية، والسوبر جاء في وقته للأهلي    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب"مخلفات تقليم الأشجار" في المتحف الزراعي دون خسائر    من هو أحمد تيمور عريس مى عز الدين؟.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة ل كلمة أخيرة: المرأة تصدرت المشهد الانتخابي    «هيبقى كل حياتك وفجأة هيختفي ويسيبك».. رجل هذا البرج الأكثر تلاعبًا في العلاقات    بالصور.. مي عزالدين تحتفل بزواجها من رجل الأعمال أحمد تيمور    كريم عبدالعزيز يوجّه رسالة مؤثرة لوالده: «اتعلمنا منه الفن»    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    فتح: فرنسا تلعب دورا مهما فى دفع جهود حل شامل للقضية الفلسطينية    هل يشارك الجيش التركي ب«عمليات نوعية» في السودان؟    تقرير لجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر يؤكد فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية    كريم عبدالعزيز يوجه رسالة لوالده عن جائزة الهرم الذهبي: «علمني الحياة وإن الفن مش هزار»    رئيس العربية للتصنيع: شهادة الآيرس تفتح أبواب التصدير أمام مصنع سيماف    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    ضبط أخصائي تربيه رياضية ينتحل صفة طبيب لعلاج المرضى ببنى سويف    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    الوطنية للانتخابات": بدء غلق بعض اللجان الفرعية وانطلاق الفرز.. وإصابة موظف بالنيابة الإدارية بإعياء شديد    الجارديان: صلاح خطأ سلوت الأكبر في ليفربول هذا الموسم    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    ديشامب يوضح موقفه من الانتقال إلى الدوري السعودي    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    إبداعات مصرية تضىء روما    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تقيأت النيويورك تايمز
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 01 - 11 - 2014

وتبقي الكارثة والمأساة المتمثلتان في نظرة البعض (ومنهم إدارة الرئيس باراك
أوباما وأذنابه في الإعلام الأمريكي) للإخوان المسلمين كحزب سياسي يمكن أن
ينضوي في الحياة السياسية لمجتمع عصري
‎‫نشرت جريدة
نيويورك تايمز مؤخرا ما إعتبره كثيرون ملخصا لرأي ورؤية المجلة وإدارة
الرئيس باراك أوباما ومعظم مراكز البحوث في الولايات المتحدة. وأنا غير
مهتم بالرد علي ما كتبته نيويورك تايمز. فأنا ككاتب تكلم في معظم مراكز
البحوث الأمريكيةالمهمة وزار وتحدث أمام لجنة الحريات الدينية بالكونجرس
ومحاضر زار البيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي
ونشرت لي عدة مقالات وكتب في الولايات المتحدة عن سياسات وثقافات دول
ومجتمعات الشرق الأوسط أعرف كيف تكون حملة صحفية كتلك التي شنتها مؤخرا
النيويورك تايمز وأعلم أن الحوار معها لن يكون مجديا. ولكنني أكتب للرأي
العام العالمي الذي أتفهم أن الصورة أمامه قد تكون بحاجة لإيضاح. وأبدأ
بالحديث عما حدث في مصر يوم 30 يونيه 2013. هل كان خروج أكثر من ثلاثين
مليون مصري لميادين وشوارع عدد كبير من المدن المصرية »ثورة»‬ أم شيئا غير
الثورة ؟ إن أرجح تعريف للثورة هو قيام أعداد كبيرة جدا من الشعب بمواقف
علي أرض الواقع تتسبب في إحداث تغيير أو تغيرات كبيرة في الواقع. ويوم 30
يونيه 2013 خرج أكثر بكثير من نصف عدد المصريين الذين لهم حق الإنتخاب
وقرابة ثلاثة أضعاف الذين إنتخبوا الرئيس الذي كانت حشود 30 يونيه 2013
تطالب بعزله - خرج هؤلاء وفي معظم مدن مصر الكبري يعبرون عن إصرارهم أن
يخلع محمد مرسي (الرئيس الإخواني) من منصبه. وقد أدي هذا التصرف الجماهيري
لحدث وأثر كبيرين جدا تجسدا في إنهاء أول حكم للإخوان المسلمين في تاريخ
مصر بعد 369 يوما من وصولهم للحكم. فإن لم تكن تلك »‬ثورة» فماذا تكون ؟
وكثيرون خارج مصر لا يعرفون أن حشود 30 يونيه 2013 جاءت بعد أن رفض الرئيس
الإخواني ثلاثة طلبات تقدمت بها المعارضة الشعبية وهي أن يجري إستفتاء
شعبيا علي بقائه او تركه الحكم أو أن يجري إنتخابات رئاسية مبكرة أو
يستقيل. وكثيرون خارج مصر لا يعرفون أن المصريين جمعوا قبل 30 يونيه 2013
أكثر من 22 مليون توقيع يطالب أصحابها الرئيس الإخواني بترك منصبه. وكثيرون
خارج مصر لا يفكرون في السيناريو التالي : قام المصريون بعد رفض الرئيس
الإخواني للطلبات الثلاثة المذكورة وبعد توقيع أكثر من 20 مليون مصري
ومصرية علي عريضة تطالب بعزل الرئيس الإخواني... بعد ذلك خرج أكثر من
ثلاثين مليون مصري ومصرية يوم 30 يونيه 2013 لميادين وشوارع معظم المدن
المصرية للمطالبة بتنحي محمد مرسي الرئيس الإخواني وبعد خروجهم هذا لم يقرر
الجيش المصري الوقوف مع هذه الحشود المصرية : فماذا كان سيحدث ؟ الواقع
المصري ومعرفة عقلية وثقافة ومنهج وتاريخ أي فصيل سياسي إسلامي تؤكد أن
مواجهة كبري كانت ستحدث في ميادين وشوارع مصر بين مواطنين سلميين يطالبون
الرئيس الإخواني بالإستقالة ومؤيدين إسلاميين لهذا الرئيس تقوم ذهنيتهم علي
ركائز منها القتال... ويقيني أنه لو لم يقرر جيش مصر مناصرة ثورة 30 يونيه
2013 لشهدت مدن مصر مذابحا يفتك فيها مناصرو الرئيس الإخواني بمعارضيه لا
لسبب إلا لكونها مواجهة قتالية بين أغلبية سلمية وأقلية دموية يقول لنا
تاريخ المجتمعات الإسلامية والواقع الراهن في العراق وسوريا واليمن وليبيا
كم هم قتلة ودمويون وكم أنهم لا علاقة لهم بكل قيم الإنسانية المعاصرة مثل
التعددية والغيرية (قبول الآخر) والنسبية وحرية الإعتقاد ونظم الدولة
الحديثة وحقوق المرأة... إلخ.‬
وتبقي الكارثة والمأساة المتمثلتان في
نظرة البعض (ومنهم إدارة الرئيس باراك أوباما وأذنابه في الإعلام الأمريكي)
للإخوان المسلمين كحزب سياسي يمكن أن ينضوي في الحياة السياسية لمجتمع
عصري. فهي نظرة تعكس عدم فهم الإسلام السياسي. كما تعكس خطيئة أخري هي
إعتقاد البعض أن هناك فروقا وإختلافات إستراتيجية بين تيارات الإسلام
السياسي. فالدارس المتعمق للتاريخ السياسي للمجتمعات الإسلامية ومن إطلع
علي أدبيات تيارات الإسلام السياسي لا يستطيع إلا أن يصل لنتيجتين شديدتي
الوضوح : الأولي هي أن تيارات الإسلام السياسي المتعددة ما هي الا فروع
وأوراق شجرة جذعها هي الفكر الذي يمثله الإخوان المسلمون. والنتيجة الثانية
هي أن الأهداف الإستراتيجية لكل تيارات الإسلام السياسي هي نفس الأهداف
وهي تقويض نظم الدولة الحديثة وإستبدالها بنظم الخلافة الإسلامية التي أثبت
علي عبدالرازق في كتابه »‬الإسلام وأصول الحكم» (سنة 1925) أنه محض وهم...
فكيف يوجد نظام سياسي في ظل غياب نظام لتولي الحكم وفي ظل غياب مماثل
لآليات الحكم. فكما يدلنا التاريخ فإن الطرق التي أختير بها الحكام الأربعة
الأوائل المعروفين بالخلفاء الراشدين مختلفة كما أن إختيار الحاكم في
الدولتين الأموية والعباسية كان »‬ملكا عائليا». وكل حاكم خلال حقبات
الخلفاء الأربع الأول وأمراء بني أمية وأمراء بني العباس حكم بشكل مختلف
وبدون نظام حكم واضح. ولا يوجد دارس متعمق في التاريخ السياسي للمجتمعات
الإسلامية ولأدبيات تيارات الإسلام السياسي المعاصرة يستطيع أن يقول أن أي
تيار من هذه التيارات سيحافظ (ان وصل للحكم) علي أطر وأسس الدولة الحديثة.
ويكفي أن نلقي نظرة علي تاريخ الدولة السعودية الأولي والدولة السعودية
الثانية والدولة السعودية الثالثة ودولة طالبان في أفغانستان ودولة المحاكم
الإسلامية في الصومال ومناطق نفوذ وهيمنة بوكو-حرام في نيجيريا وواقع
المناطق الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين في العراق وسوريا واليمن وليبيا
لندرك حجم التناقض بين أية دولة يسيرها مؤمنون بالإسلام السياسي وبين نظم
الدولة والتشريعات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة الحديثة. ومن العبث أن نصدق
أن الإخوان المسلمين (مثلا) يؤمنون بنظم الدولة الحديثة والقواعد الدستورية
والقانونية المعاصرة وحقوق الإنسان لمجرد أنهم يؤكدون ذلك ! كما أنه سيكون
من العبث الميلودرامي أن نصدق أن الإخوان المسلمين (مثلا) قد نبذو العنف
والقتل وإغتيال خصومهم لمجرد أنهم يؤكدون ذلك : فتاريخهم منذ إغتيالهم
لرئيس وزراء مصر في سنتي 1945 و1948 وعشرات الإغتيالات الأخري بعد ذلك
وأهمها إغتيال الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر 1981 وما يحدث في مصر اليوم من
إغتيالات ليس وراءها إلا الإخوان - هذا التاريخ والواقع الآني يؤكدان أن
الإخوان المسلمين لم ينبذو العنف والقتل وإنما عهدوا به لتيارات منبثقة
عنهم. فلا شك أن القاعدة وحماس (مثلا) هما إبنان أو بنتان لتنظيم وفكر
الإخوان المسلمين. ولا شك أيضا أن داعش والنصرة في سوريا والعراق هما إبنان
أو بنتان للوهابية المتمردة علي الدولة السعودية التي يقودها منذ عشرين
سنة (من الناحية العملية) ملك ذو رؤية إصلاحية (نسبيا) لا يمكن ان يتماهي
معها وهابيو الخارج في سوريا والعراق وغيرهما.
وتبقي الكارثة والمأساة المتمثلتان في نظرة البعض (ومنهم إدارة الرئيس باراك
أوباما وأذنابه في الإعلام الأمريكي) للإخوان المسلمين كحزب سياسي يمكن أن
ينضوي في الحياة السياسية لمجتمع عصري
‎‫نشرت جريدة
نيويورك تايمز مؤخرا ما إعتبره كثيرون ملخصا لرأي ورؤية المجلة وإدارة
الرئيس باراك أوباما ومعظم مراكز البحوث في الولايات المتحدة. وأنا غير
مهتم بالرد علي ما كتبته نيويورك تايمز. فأنا ككاتب تكلم في معظم مراكز
البحوث الأمريكيةالمهمة وزار وتحدث أمام لجنة الحريات الدينية بالكونجرس
ومحاضر زار البيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي
ونشرت لي عدة مقالات وكتب في الولايات المتحدة عن سياسات وثقافات دول
ومجتمعات الشرق الأوسط أعرف كيف تكون حملة صحفية كتلك التي شنتها مؤخرا
النيويورك تايمز وأعلم أن الحوار معها لن يكون مجديا. ولكنني أكتب للرأي
العام العالمي الذي أتفهم أن الصورة أمامه قد تكون بحاجة لإيضاح. وأبدأ
بالحديث عما حدث في مصر يوم 30 يونيه 2013. هل كان خروج أكثر من ثلاثين
مليون مصري لميادين وشوارع عدد كبير من المدن المصرية »ثورة»‬ أم شيئا غير
الثورة ؟ إن أرجح تعريف للثورة هو قيام أعداد كبيرة جدا من الشعب بمواقف
علي أرض الواقع تتسبب في إحداث تغيير أو تغيرات كبيرة في الواقع. ويوم 30
يونيه 2013 خرج أكثر بكثير من نصف عدد المصريين الذين لهم حق الإنتخاب
وقرابة ثلاثة أضعاف الذين إنتخبوا الرئيس الذي كانت حشود 30 يونيه 2013
تطالب بعزله - خرج هؤلاء وفي معظم مدن مصر الكبري يعبرون عن إصرارهم أن
يخلع محمد مرسي (الرئيس الإخواني) من منصبه. وقد أدي هذا التصرف الجماهيري
لحدث وأثر كبيرين جدا تجسدا في إنهاء أول حكم للإخوان المسلمين في تاريخ
مصر بعد 369 يوما من وصولهم للحكم. فإن لم تكن تلك »‬ثورة» فماذا تكون ؟
وكثيرون خارج مصر لا يعرفون أن حشود 30 يونيه 2013 جاءت بعد أن رفض الرئيس
الإخواني ثلاثة طلبات تقدمت بها المعارضة الشعبية وهي أن يجري إستفتاء
شعبيا علي بقائه او تركه الحكم أو أن يجري إنتخابات رئاسية مبكرة أو
يستقيل. وكثيرون خارج مصر لا يعرفون أن المصريين جمعوا قبل 30 يونيه 2013
أكثر من 22 مليون توقيع يطالب أصحابها الرئيس الإخواني بترك منصبه. وكثيرون
خارج مصر لا يفكرون في السيناريو التالي : قام المصريون بعد رفض الرئيس
الإخواني للطلبات الثلاثة المذكورة وبعد توقيع أكثر من 20 مليون مصري
ومصرية علي عريضة تطالب بعزل الرئيس الإخواني... بعد ذلك خرج أكثر من
ثلاثين مليون مصري ومصرية يوم 30 يونيه 2013 لميادين وشوارع معظم المدن
المصرية للمطالبة بتنحي محمد مرسي الرئيس الإخواني وبعد خروجهم هذا لم يقرر
الجيش المصري الوقوف مع هذه الحشود المصرية : فماذا كان سيحدث ؟ الواقع
المصري ومعرفة عقلية وثقافة ومنهج وتاريخ أي فصيل سياسي إسلامي تؤكد أن
مواجهة كبري كانت ستحدث في ميادين وشوارع مصر بين مواطنين سلميين يطالبون
الرئيس الإخواني بالإستقالة ومؤيدين إسلاميين لهذا الرئيس تقوم ذهنيتهم علي
ركائز منها القتال... ويقيني أنه لو لم يقرر جيش مصر مناصرة ثورة 30 يونيه
2013 لشهدت مدن مصر مذابحا يفتك فيها مناصرو الرئيس الإخواني بمعارضيه لا
لسبب إلا لكونها مواجهة قتالية بين أغلبية سلمية وأقلية دموية يقول لنا
تاريخ المجتمعات الإسلامية والواقع الراهن في العراق وسوريا واليمن وليبيا
كم هم قتلة ودمويون وكم أنهم لا علاقة لهم بكل قيم الإنسانية المعاصرة مثل
التعددية والغيرية (قبول الآخر) والنسبية وحرية الإعتقاد ونظم الدولة
الحديثة وحقوق المرأة... إلخ.‬
وتبقي الكارثة والمأساة المتمثلتان في
نظرة البعض (ومنهم إدارة الرئيس باراك أوباما وأذنابه في الإعلام الأمريكي)
للإخوان المسلمين كحزب سياسي يمكن أن ينضوي في الحياة السياسية لمجتمع
عصري. فهي نظرة تعكس عدم فهم الإسلام السياسي. كما تعكس خطيئة أخري هي
إعتقاد البعض أن هناك فروقا وإختلافات إستراتيجية بين تيارات الإسلام
السياسي. فالدارس المتعمق للتاريخ السياسي للمجتمعات الإسلامية ومن إطلع
علي أدبيات تيارات الإسلام السياسي لا يستطيع إلا أن يصل لنتيجتين شديدتي
الوضوح : الأولي هي أن تيارات الإسلام السياسي المتعددة ما هي الا فروع
وأوراق شجرة جذعها هي الفكر الذي يمثله الإخوان المسلمون. والنتيجة الثانية
هي أن الأهداف الإستراتيجية لكل تيارات الإسلام السياسي هي نفس الأهداف
وهي تقويض نظم الدولة الحديثة وإستبدالها بنظم الخلافة الإسلامية التي أثبت
علي عبدالرازق في كتابه »‬الإسلام وأصول الحكم» (سنة 1925) أنه محض وهم...
فكيف يوجد نظام سياسي في ظل غياب نظام لتولي الحكم وفي ظل غياب مماثل
لآليات الحكم. فكما يدلنا التاريخ فإن الطرق التي أختير بها الحكام الأربعة
الأوائل المعروفين بالخلفاء الراشدين مختلفة كما أن إختيار الحاكم في
الدولتين الأموية والعباسية كان »‬ملكا عائليا». وكل حاكم خلال حقبات
الخلفاء الأربع الأول وأمراء بني أمية وأمراء بني العباس حكم بشكل مختلف
وبدون نظام حكم واضح. ولا يوجد دارس متعمق في التاريخ السياسي للمجتمعات
الإسلامية ولأدبيات تيارات الإسلام السياسي المعاصرة يستطيع أن يقول أن أي
تيار من هذه التيارات سيحافظ (ان وصل للحكم) علي أطر وأسس الدولة الحديثة.
ويكفي أن نلقي نظرة علي تاريخ الدولة السعودية الأولي والدولة السعودية
الثانية والدولة السعودية الثالثة ودولة طالبان في أفغانستان ودولة المحاكم
الإسلامية في الصومال ومناطق نفوذ وهيمنة بوكو-حرام في نيجيريا وواقع
المناطق الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين في العراق وسوريا واليمن وليبيا
لندرك حجم التناقض بين أية دولة يسيرها مؤمنون بالإسلام السياسي وبين نظم
الدولة والتشريعات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة الحديثة. ومن العبث أن نصدق
أن الإخوان المسلمين (مثلا) يؤمنون بنظم الدولة الحديثة والقواعد الدستورية
والقانونية المعاصرة وحقوق الإنسان لمجرد أنهم يؤكدون ذلك ! كما أنه سيكون
من العبث الميلودرامي أن نصدق أن الإخوان المسلمين (مثلا) قد نبذو العنف
والقتل وإغتيال خصومهم لمجرد أنهم يؤكدون ذلك : فتاريخهم منذ إغتيالهم
لرئيس وزراء مصر في سنتي 1945 و1948 وعشرات الإغتيالات الأخري بعد ذلك
وأهمها إغتيال الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر 1981 وما يحدث في مصر اليوم من
إغتيالات ليس وراءها إلا الإخوان - هذا التاريخ والواقع الآني يؤكدان أن
الإخوان المسلمين لم ينبذو العنف والقتل وإنما عهدوا به لتيارات منبثقة
عنهم. فلا شك أن القاعدة وحماس (مثلا) هما إبنان أو بنتان لتنظيم وفكر
الإخوان المسلمين. ولا شك أيضا أن داعش والنصرة في سوريا والعراق هما إبنان
أو بنتان للوهابية المتمردة علي الدولة السعودية التي يقودها منذ عشرين
سنة (من الناحية العملية) ملك ذو رؤية إصلاحية (نسبيا) لا يمكن ان يتماهي
معها وهابيو الخارج في سوريا والعراق وغيرهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.