لم يعرف أي شخص من قبل تفاصيل حياة أحمد رجب أو بمعنى أدق "روتينه" اليومي في مؤسسة أخباراليوم التي بدأ فيها حياته منذ خمسينات القرن الماضي. كان الكاتب الراحل يبدأ يومه في العاشرة صباحا، وينزل من مقعد سيارته الأمامي أمام المبنى القديم لدار أخبار اليوم، ليذهب مباشرة إلى مكتبه بالحجرة رقم 53، وقال أحمد رجب إنه قضى نصف عمره في "الغرفة 53" بمبنى "أخباراليوم"، وتعتبر "الغرفة 53" تاريخية، فأول من اتخذها مكتباً هو توفيق الحكيم، ثم كامل الشناوي، ثم جلال الدين الحمامصي، ثم موسى صبري، ثم أنيس منصور، ثم سعيد سنبل، انتهاءً بالكاتب الراحل أحمد رجب. وأثناء توجه أحمد رجب لغرفته لا يلتفت يميناً أو يساراً، وإذا التقى شخصاً تحاور معه بإجابات مقتضبة، كأنه يعلن عن رغبته في الانفراد. ويغلق على نفسه باب المكتب ليبدأ عزلة يومية يختفي معها كل ما يمكن أن تعرفه عنه، فهو لم يكن يدلى بتصريحات صحفية أو أحاديث وحوارات عن حياته الخاصة، ونادراً ما تحدث في الجرائد والمجلات عن أمور عامة، لذلك فإن الحديث عن أسرار حياته وتفاصيلها يعد مستحيلاً، ويصبح كل ما هو متوافر عنه هو ما تلخصه ورقتان أرشيفيتان كتبهما بخط يده موجودتان في أرشيف مؤسسة الأخبار. الأولى كتبها عند التحاقه بالعمل في أخبار اليوم، وتقول إن أحمد إبراهيم رجب من مواليد منطقة الرمل بالإسكندرية بتاريخ 20 نوفمبر 1928، تخرج في كلية الحقوق هناك في 1951، ثم عمل محرراً بدار أخبار اليوم بالإسكندرية، وبعدها محرراً بمجلة الجيل، ثم مدير تحرير لها، أما الورقة الثانية يذكر فيها أنه تزوج في 1961 ولم ينجب، وأن الوظائف التي تقلدها هي مدير تحرير "الجيل" في 1957 ثم نائب رئيس تحرير "الجيل"، ومدير تحرير مجلة "هي" في 1964 وعمل بمجلة "الثقافة الأمريكية" في 1962. حملت هذه الغرفة تفاصيل عمله اليومي المستمر الذي لم ينقطع عنه يوماً لفترة طويلة ولو بإجازة، قبل أن ينتقل إلى مكتبه بالطابق التاسع الذي انتقل إليه منذ بداية القرن الحالي، حتى إنه كتب في 6 سبتمبر 1998 اعتذاراً للقراء في "نص كلمة" قال فيها: "أعتذر عن غيابي الطويل، فلعل مضى 30 عاماً دون إجازة عذر أرجو قبوله. لم يعرف أحد عن تفاصيل عمله اليومي هذا أي شيء باستثناء شخصين، الأول هو علي أمين، والثاني مصطفى حسين الذي ذكر الكاتب محمود صلاح عنه في مقال أن باب غرفة أحمد رجب لم يكن ليفتح لأي إنسان سوى مصطفى حسين"، وعندما كان يدخل، تبدأ عملية الولادة، وهى عملية لم يشاهدها أحد أبداً، وقد يشهد صندوق المهملات في المكتب عشرات الأوراق الممزقة، حتى يتم في النهاية الوصول إلى الكاريكاتير، الذي ما إن يغادر به مصطفى حسين، حتى يغادر أحمد رجب دار أخبار اليوم عائداً إلى بيته، ومن هذه اللحظة لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يعرف أحمد رجب.