في حياة الشاعر الكبير محمود درويش العديد من المواقف واللقطات التي مثلت طقوساً خاصة بدرويش وحده، فكان درويش عندما يبدأ في كتابة إحدى قصائده، يقوم بإخفاء الورقة التي يكتب فيها كما يخفي الطالب الورقة من زميله بالاختبارات. وكان يوصف الكتابة بأنها أكثر العمليات سرية بالنسبة له، وكان لا يجعل أحدا يلقي نظرة على هوامش القصائد والتي يقوم بعتدليها وتنقيحها أكثر من مرة ليصل إلى الشكل النهائي للقصيدة، أما بالنسبة لمواقفه الشخصية فكان له العديد من المواقف والتي سنعرض أكثرها تأثيراً على حياته. درويش يبكي على فراق تونس: منذ أن هجرت أسرته من قرية البروة وعمره لم يتجاوز الست سنوات، ظل محمود درويش – شاعر الأرض- متنقلاً في الأرض، تحمله البلاد والمدن، التي كانت شاهدة على تجربته الشعرية وتطورها، من فلسطين لبيروت للقاهرة لعمان لباريس هكذا عاش درويش حياة اللاجئ المحرم عليه العودة لوطنه. وعلى الرغم من أن تلك المدن تركت أثراً في نفس درويش، إلا أن تونس، والتي كانت محطة الوسطى بين كافة تنقلاته هي الأكثر تأثيراً فيه، والتي رحل إليها مع منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت عضو المجلس الوطني التابع لها، وبلغت درجة عشق درويش لتونس أنه خصص لها قصيدة وداع قال فيها " كيف نشفى من حب تونس..الذي يجري فينا مجرى النفس". ولم يتمالك درويش نفسه خلال وداعه لتونس، وقام بالبكاء، حزناً على فراق تونس، إلا أنه وعد الشعب التونسي باللقاء معهم على أرض شقيقتهم فلسطين، إلا أنه لم يعش ليشهد هذا اليوم. الخلافات بين ياسر عرفات ومحمود درويش: "منظمة التحرير الفلسطينية" هي الكيان السياسي الذي كان يجمع بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والشاعر الكبير محمود درويش، وجمعتهما علاقة قوية امتدت قوتها من النضال من أجل القضية الفلسطينية، والتي حمل عرفات لواء دعمها سياسياً بينما حمل درويش لواء دعمها أدبياً. وقام محمود درويش بتولي مركز الأبحاث الفلسطيني، إلا أن خلافاً حاداً نشب بين عرفات ودرويش، على خلفية مقالة كتبها إلياس خوري، وأغضبت عرفات الذي قام بإرسال قوة أمنية لتداهم مركز الأبحاث للقبض على خوري، مما دفع درويش للاستقالة من رئاسة المجلس عام 1977. ولم يمنع الخلاف الحاد بين عرفات ودرويش أن يفوت الشاعر الكبير فرصة صياغة خطاب استقلال فلسطين والذي ألقاه عرفات أمام البرلمان الجزائري في عام 1988، والذي أعلن فيه قيام الدولة الفلسطينية. كما كتب درويش الجملة الأشهر في تاريخ الدولة الفلسطينية والتي جاءت خلال خطاب الرئيس ياسر عرفات أمام الأممالمتحدة، عام 1974، والتي رددها العالم العربي بعدها، ولخصت القضية الفلسطينية، وهي "لقد جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية ثائر.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي". ولم يمنع الخلاف أيضاً محمود درويش من رثاء ياسر عرفات عقب وفاته قائلاً " تأخر حزني عليه قليلاً، لأني كغيري توقعت من سيد النجاة أن يعود إلينا هذه المرة أيضاً ببداية جديدة، لكن الزمن الجديد أقوى من شاعرية الأسطورة ومن سحر العنقاء". حكاية محمود درويش مع طبيبه: في عام 1998 اضطر محمود درويش عمل جراحة بالقلب بسبب معاناته من خلل في الشريان الأورطي، ودخل خلال العملية في غيبوبة كاملة، حتى أن المستشفى التي كان يعالج بها أبلغت أسرته بوفاته، إلا أن أنه هزم الموت وعاد. ومن المفارقات التي كانت بتلك المرحلة من حياة درويش، أنه بعد نجاته من الموت خلال العملية التي أجراها في عام 1998، قال له الطبيب الذي كان يعالجه أنه منحه عشر سنوات أخرى من الحياة، لتظل تلك الجملة على الرغم مما حملته من سخرية علقة في ذهن درويش والذي توفي بتكساس بعد تلك العملية بعشر سنوات بالفعل، في عام 2008. وكان درويش يعلم أنه لن ينجح في هزيمة الموت كما كتب في جداريته أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض. انتظرني في بلادِكَ ، ريثما أُنهي. حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي.