"الوطنية للانتخابات" تنعى رئيسة لجنة اقتراع بقنا توفيت إثر حادث عقب انتهائها من الإشراف على انتخابات النواب    الرئيس يتلقى التهانى بالعام الجديد    إنجاز تاريخى |صادرات الصناعات الغذائية 6.3 مليار دولار خلال 11 شهرًا    نشأت الديهي: الفريق كامل الوزير استُقبل كالأبطال في جيبوتي.. والدولة يقظة لأمنها القومي    الشرطة الإسرائيلية تفرق احتجاجا للحريديم ضد التجنيد    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. مستوطنون يهاجمون تجمع خلة السدرة قرب مخماس شرق القدس.. مصرع شخص وفقدان آخرين جراء فيضانات ضربت جنوب إسبانيا.. مصرع شخص وإصابة آخر بجروح فى تحطم مروحيتين بولاية نيوجيرسى    الداخلية السورية: احتجاجات الساحل نتيجة دعوات انفصالية    إسرائيل تعلن توقيع برنامج عسكري مع اليونان وقبرص الرومية لعام 2026    الجيش الروسي يعلن تدمير 21 مسيرة أوكرانية    ترامب: نحن في المراحل الأخيرة من المحادثات بشأن أوكرانيا    الجزائر يتصدر المجموعة الخامسة ب6 نقاط ليحسم تأهله رسميا لدور 16 بأمم أفريقيا    ترتيب مجموعات أمم أفريقيا 2025 بعد انتهاء الجولة الثانية    كفر تيدا يتوّج بلقب دوري خماسي كرة القدم للنشء بكفر الشيخ    على طريقة لصوص لكن ظرفاء، كشف غموض سرقة محل مشغولات ذهبية في الدرب الأحمر    قانون المرور.. ضبط وحزم وحفظ أرواح |خبراء: التعديلات تستهدف خفض معدلات الحوادث والردع الوقائى    أخبار الفن اليوم: وفاة دقدق مغني المهرجانات بعد صراع مع المرض، آسر ياسين يخطف الأنظار في العرض الخاص لفيلمه الجديد وزوجته تدعمه    بالصور.. كلاسيكو خاص على هامش مواجهة الكاميرون وكوت ديفوار في كأس الأمم    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    الصحة تكشف أبرز خدمات مركز طب الأسنان التخصصي بزهراء مدينة نصر    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    أحفاد الفراعنة فى الشرقية    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش يرفض أن يموت بعد ثلاث سنوات من الغياب
نشر في بوابة الأهرام يوم 09 - 08 - 2011

بعد ثلاثة أعوام من غيابه يؤكد الشاعر الفلسطيني محمود درويش حضوره وإصراره علي مواجهة الموت، كمن يتمثل بما أورده شكسبير وهو يتحدث إلي شاعر في واحدة من السنوتاتات التي كتبها وقال فيها: "ستبقي لك، في الشعر حياة أخري مادامت هناك أنفاس وعيون" واليوم تجدد ذكرى درويش بأكثر معنى، فالمسلسل الذي تعرضه الفضائيات العربية منتحلا اسما واحدا من أجمل كتبه في "حضرة الغياب" يراه الكثيرون اعتداء كبيرا على ذكرى شاعر رمز، فيما يصر الآخرون على أن المسلسل هو وسيلة للدفاع عن درويش وتجديد ذاكره لكن الأكيد أنه سيدفع بشعره إلى أجيال جديدة ربما كانت هي ذاتها الأجيال التي صنعت الثورة التي تشهدها عواصم عربية أحبها درويش وعاش فيها بعضا من سنوات عمره تمنح شعره فرصا جديدة لإعادة القراءة والتأويل، فمصر التي شهدت ولادته الأولى كشاعر في بداية السبعينيات وأطلقت شهرته شهدت ثورة جعلت الكثير من شباب الفيسبوك الذين أطلقوا شرارتها الأولى يضعون قصائده علامة على بيان الحال في صفحاتهم الرئيسة على " تويتر " والفيسبوك "، ففي بداية الثورة كتب بعضهم " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " وعندما تعقد أمورها وزاد ضبابها كتب آخرون يتمسكون بأمل الإصلاح ويكتبون فقرات منى قصيدته " حالة حصار "
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
قدمت مصر لمحمود درويش الكثير من العطاء الذي انعكس في شعره، فبخلاف الجائزة التي نالها في العام 2007 مثلت الولادة الأولى وعملية التدشين التي بدأت بمقالات غسان كنفاني وبكتاب رجاء النقاش الشهير " شاعر الأرض المحتلة " نقطة الانطلاق في مسيرة مع النجومية لم تتوقف منذ أن بدأ درويش عمله كمحرر في جريدة الأهرام بطلب من الأستاذ محمد حسنين هيكل وهي سنوات ظل درويش يذكرها بكثير من الوجل كلما مر في خاطره أنه توامل وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ في مكتب واحد في الطابق مع المجموعة التي سماها مجموعة الخالدين والتي كانت تضم معه يوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن " بنت الشاطىء ولويس عوض وحسين فوزي وصلاح عبد الصبور وأحمد بهاء الدين وإلى جوار القاهرة تبرز تونس كمحطة رئيسية في مسيرته، فبعد اجتياح بيروت في عام 1982 خرج درويش مثل غالبية الفلسطينيين في رحلة شتات جديدة ومن يقرأ نصوص درويش النثرية يلمس فيها الحضور الناعم لهذه المدينة التي تعيش طقسا من طقوس الإشارات والتحولات، ففي كتابه "حضرة الغياب " كتب درويش يودع مدرج قرطاج وهو يغالب دموعه "كيف نشفى من حب تونس "
كيف نشفى من حب تونس الذي فينا مجرى النفس
لقد رأينا في تونس من الألفة والحنان والسند السمح ما لم نره في أي مكان آخر
لذلك نخرج منها كما لم نخرج من أي مكان آخر
نقفز من حضنهاإلى موطئ القدم الأول
في ساحة الوطن الخلفية
بعدما تجلت لنا فيها
في البشر والشجر والحجر
صور أرواحنا المعلقة كعاملات النحل على أزهار السياج البعيد
ترى ما الذي كان سيكتبه محمود درويش الآن وهو يمر في شوارع القاهرة أو تونس، وهو الذي توقع خلافا لشعراء كثيرين أنصاف الشاعر أمل دنقل وأبو القاسم الشابي وهو ما تحقق بفضل الثورة.. وهو أيضا من ناهض الديكتاتور وكتب " خطب الديكتاتور الموزونة "
لكن هل كان يتوقع الدم المراق من أجل الحرية في دمشق، المدينة التي أحبها وخاف منها، في أحى الحوارات التي أجريتها معه في دمشق تحدث مطولا عن خوفه من جمهور هذه المدينة الذي يحب الشعر أكثر من الآخرين "هكذا قال، ففي دمشق كانت أمسيات درويش تقتضي ترتيبات أمنية خاصة لحفظ النظام، وفي أحيان كثيرة كانت أمسياته تقام في الاستاد الرياضي خوفا من الزحام وربما لهذا السبب كتب " في الشام مرآة روحي"، والغريب أن بيروت التي منحت لدرويش ولادته الثانية لا تزال على عهدها معه، مدينة عصية على الفهم كما نفهم في نصوصه التي كتبها في "ذاكرة للنسيان" فعلى خلاف آخرين وصل درويش إلى بيروت وهو مكتمل النجومية وأعطته المدينة المناخ الذي يليق بشاعر استثنائي لكنها لا تزال كما تركها حيث (صوت الرصاص هو الذي يدل على بيروت ) فهي تفاحة البحر، نرجسة الرخام، أو "زنبقة الحطام".
بعد سنوات من الغياب بقي نص درويش اقوي من حب فلسطين القاسي الذي حذرنا منه، وظلت فلسطين لحظة مؤجلة في ذاكراتنا المثقوبة، ومن مفارقات القدر أن ذكرى غيابه الثالثة تأتي لتعيد إنتاج ذات اللحظة التي ارتبط فيها الفني بالسياسي، فعند ذهابه للحصول على الاعتراف الدولي بفلسطين ذهب الزعيم الراحل ياسر عرفات بخطبة كتبها درويش ووقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يصرخ (جئتكم أحمل بندقية بيد وغصن الزيتون باليد الأخرى " فقرروا، أما قراري ففلسطين مع السلام ) واليوم أيضا يقطع الفلسطينيون الطريق ذاته كأنهم ما زالوا بحاجة إلى لحظة اعتراف. فهو الذي رأى ببصيرته الانقسام الفلسطيني وحذر منه على الرغم من أن شعره كان نقطة الإجماع الفلسطيني الوحيدة.. كما يقول الكاتب صقر أبو فخر، فقد كان عرفات نبي الفلسطينيين المسلح، بينما كان جورج حبس هو نبي الأمل فيما ظل درويش صانع الصورة الأبهى لفلسطين.
خلق درويش الشاعر أسطورته وهو لا يزال حيا لكن الموت أضفي علي تلك الأسطورة أبعادا جديدة لم تكن فيها، كما أن الحياة ذاتها لم تبخل علي نصه ب "ولادة متجددة" فمنحته الوسائط التكنولوجية التي سهلت مهمة قراءته وأتاحت نصه للجميع بطريقة مدهشة ،فاليوم يستطيع أي قارئ للشعر في أي مكان في العالم أن يضغط علي "فارة الكمبيوتر" ليجد عشرات المواقع التي تعيد نشر أعمال صاحب ال "جدارية" بما في ذلك مقالاته النادرة التي نشرها في مجلة "اليوم السابع" التي توقفت بعد حرب الخليج، واليوم أيضا تجد تلك المقالات آفاقا للقراءة لم تتيسر لها زمن كتابتها مثلها في ذلك مثل نصوصه الشعرية الأخيرة التي تطور فيها ليتجاوز "حالة الشاعر العمومي"، إلي أفق الشاعر الكوني الذي تتقاطع همومه الذاتية مع هموم الآخرين، تطور درويش وأعطى لمعنى العروبة مفهوم أوسع للهوية، فهي لم تكن أبدا هوية مغلقة إذ انفتح نصه الشعري على المورورث الكنعاني والعبراني والفارسي والفرعوني وأخذ جمهوره معه إلى فضاء واسع ولم يرض بأن يظل الجمهور في مساحة الركود، خاملا وعاطلا عن العمل، سألته مرة عن علاقته مع الجمهور فقال لي بتواضع: "جمهوري تطور معي"، أتأمل اليوم تلك العبارة وأجد فيها غير فيض التواضع مفتاحا جديدا لقراءة شعر درويش الذي يثبت موته زيف الاتهامات التي لاحقته في الحياة.
يحضر النص مستندا علي جماليات راقية ليؤكد حضور الشاعر وليس موته، تخلص شعره من كل الأعباء التي لاحقت صاحبه في الحياة، لذا يبدو أقرب ما يكون إلي "أثر الفراشة" كما تمني وأراد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.