عودة الراعي، البابا تواضروس يحمل إلى القاهرة رسائل سلام من قلب أوروبا    باسل رحمي: إصدار 1492 رخصة مؤقتة لمشروعات جديدة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم الجمعة    باكستان: مقتل 5 مدنيين وإصابة 29 بقصف عبر الحدود مع الهند    جنوب أفريقيا يواجه زامبيا في مباراة مصيرية بكأس الأمم الأفريقية للشباب تحت 20 عاما    الرمادي يجري تغييرات.. تشكيل الزمالك لمواجهة سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    النيابة تستكمل معاينة حريق المبنى الإداري بوسط القاهرة    حسين الجسمي يحقق 12 مليون في أسبوع ب فستانك الأبيض    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    لقاء خارج عن المألوف بين ترامب ووزير إسرائيلي يتجاوز نتنياهو    إصابة 5 أشخاص بحالات اختناق بينهم 3 اطفال في حريق منزل بالقليوبية    بيل جيتس يخطط للتبرع بكل ثروته البالغة نحو 200 مليار دولار    مروان موسى عن ألبومه: مستوحى من حزني بعد فقدان والدتي والحرب في غزة    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    طريقة عمل العجة المقلية، أكلة شعبية لذيذة وسريعة التحضير    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    وزيرة البيئة: تكلفة تأخير العمل على مواجهة التغير المناخى أعلى بكثير من تكلفة التكيف معه    ستحدث أزمة لتعدد النجوم.. دويدار يفاجئ لاعبي الأهلي بهذا التصريح    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    «أوقاف شمال سيناء»: عقد مجالس الفقه والإفتاء في عدد من المساجد الكبرى غدًا    تكريم حنان مطاوع في «دورة الأساتذة» بمهرجان المسرح العالمي    الخارجية الأمريكية: لا علاقة لصفقة المعادن بمفاوضات التسوية الأوكرانية    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    الضباب يحاوط الأسواق.. تأثير النزاع بين الهند وباكستان على الاقتصاد العالمي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    تسلا تضيف موديل «Y» بنظام دفع خلفي بسعر يبدأ من 46.630 دولارًا    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    بوتين وزيلينسكى يتطلعان لاستمرار التعاون البناء مع بابا الفاتيكان الجديد    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر رزق يكتب.. "رجل الأقدار...يستجيب"
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 01 - 2014

أحسبه اتخذ قرارا نهائيا بخوض الانتخابات الرئاسية بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي مشروع الدستور، والتي فاقت بكثير توقعات من أسرفوا في التفاؤل، وأظنه سيعلن القرار بعد إعادة ترتيب خارطة الطريق.
كنا... في لقاء خاص. مجموعة محدودة من الكُتاب والقادة العسكريين، نتحاور حول شئون الوطن وشجونه، وعلي رأسها انتخابات رئاسية علي الأبواب.
نقلت جلستي إلي جوار قائد بعينه. أردت أن أسمعه، دون أن يستمع إلينا آخرون.
سألته:
- كيف تري رئيس مصر المقبل؟
ابتسم، ورفع عينيه عاليا، ينظر إلي حيث لا أري، وهو يقول: أراه رجلا، صادقا، أمينا مع شعبه، مخلصا لبلاده. يقدر علي جرأة الحلم، ويستطيع الإنجاز. أراه قائدا يحمل هموم شعبه، يسعي إلي تحقيق آماله، يعرف من أين يبدأ، وإلي أين يسير. يدرك قدر التحديات والعقبات، ويمتلك جسارة المجابهة والتغلب.
دارت في رأسي أسماء ووجوه الشخصيات المرشحة للرئاسة، وأخذت أطابق ما أعرفه عنها، علي ما سمعته توا من صفات .. وسألته :
- هل أنت متأكد أن من بين المرشحين الرجل الذي تتحدث عنه؟
- ابتسم مجددا.. ثم قال باقتضاب:
هذا ما أتمناه.
كان ذلك في أواخر أيام ربيع عام 2012، وكان محادثي اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية.. يومها، لم يكن السيسي يدري، أن ما يتمناه في شخص رئيس الجمهورية المقبل، سيصبح بعد أقل من عامين هو نفسه ما تراه الغالبية من جماهير الشعب في شخصه هو.
بالقطع.. لم يكن الجنرال -الشاب كما كنت أحب أن أسميه لحيويته البادية وأفكاره غير المقولبة- يتحدث عن نفسه، فأسماء المرشحين كانت معلنة، وباب الترشح قد أغلق، والمجلس الأعلي للقوات المسلحة كان قد ألزم أعضاءه بعدم الترشح، وقرر أن ينأي بنفسه عن العملية الانتخابية برمتها.
ولعلي أذيع سرا، إذا قلت أن اللواء عبدالفتاح السيسي، كان يود كمواطن، لو اجتمعت القوي السياسية حينئذ علي شخصية مدنية شابة لم تبلغ سن الخمسين، تتمتع بالكفاءة والإخلاص، ودفعت بها إلي الترشح.
طموح ..اللواء السيسي كان منعقدا علي مساره العسكري الطبيعي دون سواه، بعد مشوار مشرف دام 35 عاما ضابطا، وقائدا، ثم مديرا لأكثر أجهزة القوات المسلحة حساسية.
وكان اعتزازه -ولم يزل- بالزي العسكري لا يدانيه شيء، منذ ارتداه لأول مرة وهو في الخامسة عشرة من عمره طالبا بالثانوية الجوية.
وأذكر... في لقاء جمعني باللواء السيسي وقيادة عسكرية كبري قبل أسابيع من انتهاء المرحلة الانتقالية الأولي، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية أن القائد الكبير وهو برتبة الفريق، سألني: ماذا تتوقع للقوات المسلحة بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
- قلت: لابد أن يتجدد شباب القيادة العامة ولابد أن يتم التجديد بقرار من المشير طنطاوي والمجلس الأعلي، مع تسليم السلطة للرئيس المنتخب؟
- سألني القائد الكبير مجددا :
وماذا عن قادة الأفرع الرئيسية؟
قلت: ينبغي أن يشملهم التجديد.
قال القائد: وكان واحدا من قادة الأفرع:
هذا رأيي أيضا، وقد أبلغته للمشير طنطاوي.
- ثم سألني: بحكم درايتك بالقوات المسلحة، ومعرفتك بقادتها، من تظن أن الاختيار سيقع عليهما لتولي منصبي القائد العام ورئيس الأركان؟
- أشرت إلي اللواء السيسي وقلت : سيادة الجنرال هو القائد العام الجديد، أما رئيس الأركان فإما اللواء فلان أو اللواء فلان.
- ضحك القائد الكبير ونظر إلي اللواء السيسي الذي أطرق مبتسما ولم يعلق.
.. جاء اللواء السيسي وزيرا للدفاع، وجاء رئيس الأركان من بين الأسمين.
لم أكن من ضاربي الودع حين أجبت علي أسئلة القائد الكبير، إنما كنت أتحدث عما أعرفه من اتجاهات وتفضيلات داخل القوات المسلحة، وما ألمسه من نبض القيادات في صفوفها.
وبالفعل، كان قرار تعيين الفريق أول السيسي والفريق صدقي صبحي متخذا سلفا داخل القوات المسلحة ، وإن صدر ممهورا بتوقيع الرئيس السابق.
أرعدت السماء المصرية، وأضاءتها صواعق الثورة الثانية، واستجاب الفريق أول السيسي لإرادة الجماهير مبكرا قبل النزول الكبير بأسبوع، حينما تحدث يوم 23 يونيو الماضي وأعطي مهلة الأيام السبعة لنظام مرسي وقال: »أي مروءة نعيش بها كضباط في الجيش، لما نحس أن الشعب خايف ومروع ونقعد ساكتين.. إحنا نروح نموت أحسن«.
مع ذلك ظل السيسي يحاول مع مرسي ويبذل قصاري جهده، حتي بعد خروج الجماهير بعشرات الملايين يوم 30 يونيو تنادي بسقوط حكم المرشد، بل إنه طرح عليه حتي صباح يوم 3 يوليو، وقبيل انتهاء مهلة الثماني والأربعين ساعة الثانية أن يقبل بإجراء استفتاء علي رئاسته، رغم أن مطالب الجماهير كانت قد تجاوزت مسألة الاستفتاء. لكن مرسي وجماعته تملكهم عمي البصر والبصيرة.. وحسنا فعلوا!
وأذكر...في أكثر من مناسبة، وبأكثر من أسلوب، عبر السيسي عن عدم رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية.
إنني التقيت الفريق أول السيسي يوم 21 يوليو الماضي للمرة الأولي بعد ثورة 30 يونيو، وتحدثت معه مطولا عن رؤيته لأوضاع البلد، وتصوره للمستقبل، وبالطبع عن تفاصيل الأيام الأخيرة لنظام الإخوان.
ثم سألته قبيل انتهاء اللقاء عن موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية، أو بالأحري كنت أدعوه كالملايين غيري إلي الترشح وعددت له أسبابي، وكلها تتعلق بالمصلحة الوطنية.
وفوجئت به يغادر الصالون الملحق بمكتبه في مقر وزارة الدفاع، إلي داخل المكتب، ويعود حاملا ورقة زرقاء، ثم ناولها لي مبتسما وهو يقول: هذا هو موقفي من الترشح، وأفكر في إذاعته بعد ساعتين من الآن.
أمسكت...بالورقة، وطالعتها مرة واثنتين، وسلمتها له. وأنا أقول: »مع كامل احترامي.. اختلف مع سيادتك في هذا الموقف، وأرجوك ألا تعلنه علي الأقل في هذا التوقيت«.
فحوي الورقة كان بيانا قصيرا بخط يد الفريق أول السيسي، يعلن فيه موقفه بأنه لا يفكر في مسألة الترشح لانتخابات الرئاسة ويؤكد أن توليه مسئولية قيادة الجيش المصري هو مصدر فخره وقمة أمله وطموحه، ويعبر عن سعادته بخدمة شعب مصر العظيم بكل إخلاص من خلال موقعه كقائد عام للقوات المسلحة، متمنيا أن يقابل الله حاملا كتابه بيمينه.
ظللت قلقا من صدور بيان يغلق الباب ويجعل من إعادة فتحه عسيرا، أمام رجل يعتبر صدق الكلمة أغلي رصيد في بنكه الشخصي. وكنت أري أن المطالبة بترشحه التي تجري باضطراد تحت جسور النيل، سوف تتحول إلي شلال هادر حين نقترب من المصب، وكنت أقدر أن توليه الرئاسة ضرورة لا غني عنها لصون المصلحة العليا للبلاد، وكنت بشكل شخصي، أحسبه رجل الأقدار الذي هيأته لنا ثورتان تضلان الطريق نحو تحقيق أهداف تكاد تضيع وإحياء أحلام توشك أن تخبو وتنطفئ.
لم يتبدد القلق، إلا بعدما عرفت أن قادة كبار مخلصين، رجوه أن يلغي إذاعة البيان ولو إلي حين.
لهذا...وبرغم الحشود غير المسبوقة التي خرجت بعشرات الملايين يوم 26 يوليو، تفوضه فيما طلب من جماهير الشعب قبلها بيومين، لم ينظر السيسي الي تلك التلبية الهائلة من جانب جموع خرجت ترفع صوره مع صور الزعيم عبدالناصر، علي أنها تعبير عن رغبة شعبية في خوضه الانتخابات، بقدر ما هي تداع جماهيري من أجل الحفاظ علي الوطن والدولة.
.. تحدث السيسي يوم 18 اغسطس الماضي، مبديا رأيه الخاص، بأن شرف حماية الوطن أغلي عنده من شرف الحكم. وكان لتصريحه هذا أثر محبط في نفوس ملايين تتطلع إليه كبطل شعبي، ومنقذ، وزعيم.
تحت تأثير ضغوط غلابة، مال السيسي إلي عدم إغلاق الباب أمام احتمال ترشحه للرئاسة، وبدا الرجل في غضون الأسابيع الماضية، محاصرا بين نفسه وبين الشعب.
هو يري أنه لم يقصر في أداء واجبه تجاه وطنه، ولا يريد منصبا قد يقال أنه سعي إليه، ويحسب أنه يستطيع أن يخدم بلاده من موقعه كقائد للجيش. هو أيضا يدرك حجم التحديات التي تجابهها البلاد وقدر الآمال التي يعلقها عليه الشعب، ومن حقه أن يحرص علي بقاء صورته ناصعة في أذهان الجماهير، دون أن تخدشها ظنون بوجود عصا سحرية في يده، يزيل بها مشكلات تراكمت عقودا، في اليوم التالي لتوليه السلطة.
علي الجانب الآخر، هو يلمس رغبة الشعب، ويستشعر نبضه، ويأبي علي نفسه أن يعصي أمرا للجماهير.
مع مطلع العام الجديد أظن السيسي حسم بينه وبين نفسه قراره. وأحسبه اتخذ قرارا نهائيا بخوض الانتخابات الرئاسية بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي مشروع الدستور، والتي فاقت بكثير توقعات من أسرفوا في التفاؤل.
سوف يعلن السيسي قراره بالترشح لانتخابات الرئاسة في غضون أيام، من صدور قرار بقانون لرئيس الجمهورية ينص علي إجراء انتخابات الرئاسة قبيل الانتخابات البرلمانية، وربما يسبق الإعلان صدور القرار الجمهوري الخاص بموعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية.
لا يريد...السيسي أن يرهق جماهير الشعب بالنزول للإعراب عن رغبتها في خوضه الانتخابات، ولم يكن السيسي ينتظر قبل حسم قراره، ضوءا أخضر أو إعلان عدم ممانعة يأتيه من الخارج.. هذه ليست شخصيته، ولا هذا ما تتحدث به مواقفه أو تاريخه.
فالرجل الذي يأبي أن يستشير غير المصريين في قرار يتعلق بإرادة شعب ومصير أمة ، يأبي علي نفسه أن ينتظر إشارة من أجنبي في قرار يتعلق باختياره الشخصي.
فاستقلال القرار الوطني، أحد أهم أوراق اعتماد عبدالفتاح السيسي في قلوب المصريين
لا أعرف بم كان يشعر السيسي وهو يشاهد صور عبدالناصر تملأ شاشة مسرح الجلاء يوم الخميس الماضي في احتفال القوات المسلحة بذكري ثورة 25 يناير، ولا ما الذي دار في ذهنه وهو يستمع إلي كلمات أغنية »عاش الجيل الصاعد«: »حرمونا سنين وسنين، وافتكروا الناس نايمين، وطلعنا عليهم يوم، خلصنا حقوق ملايين«، التي كتبها حسين السيد قبل ثورة 25 يناير بنصف قرن، وكأنه كان يتنبأ بها.
لكن أحسبني أعرف شعوره، والقاعة تهتف له: »تكليف.. تكليف«، والحضور يطالبه بالترشح للانتخابات. كانت عيناه تقولان: يارب أكون علي قدر الثقة.
لم يكن السيسي يرتدي نظارته السوداء التي لا يريد منها أن تضفي عليه غموضا لا يحبه ولا يعرفه، وإنما يستعين بها ليداري مشاعر تأثر لا يستطيع إخفاءها أو يحجب بها نظرات عزم وتصميم وإصرار يعتمل في صدره.
مع تباشير الربيع المقبل، سوف يكون لمصر رئيس جديد منتخب بأغلبية كاسحة، هو - بإذن الله - عبدالفتاح السيسي. وأتوقع- وعندي أسبابي- أنه سيكون القائد الذي تمناه السيسي لمصر منذ 20 شهرا مضت.
أحسبه اتخذ قرارا نهائيا بخوض الانتخابات الرئاسية بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي مشروع الدستور، والتي فاقت بكثير توقعات من أسرفوا في التفاؤل، وأظنه سيعلن القرار بعد إعادة ترتيب خارطة الطريق.
كنا... في لقاء خاص. مجموعة محدودة من الكُتاب والقادة العسكريين، نتحاور حول شئون الوطن وشجونه، وعلي رأسها انتخابات رئاسية علي الأبواب.
نقلت جلستي إلي جوار قائد بعينه. أردت أن أسمعه، دون أن يستمع إلينا آخرون.
سألته:
- كيف تري رئيس مصر المقبل؟
ابتسم، ورفع عينيه عاليا، ينظر إلي حيث لا أري، وهو يقول: أراه رجلا، صادقا، أمينا مع شعبه، مخلصا لبلاده. يقدر علي جرأة الحلم، ويستطيع الإنجاز. أراه قائدا يحمل هموم شعبه، يسعي إلي تحقيق آماله، يعرف من أين يبدأ، وإلي أين يسير. يدرك قدر التحديات والعقبات، ويمتلك جسارة المجابهة والتغلب.
دارت في رأسي أسماء ووجوه الشخصيات المرشحة للرئاسة، وأخذت أطابق ما أعرفه عنها، علي ما سمعته توا من صفات .. وسألته :
- هل أنت متأكد أن من بين المرشحين الرجل الذي تتحدث عنه؟
- ابتسم مجددا.. ثم قال باقتضاب:
هذا ما أتمناه.
كان ذلك في أواخر أيام ربيع عام 2012، وكان محادثي اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية.. يومها، لم يكن السيسي يدري، أن ما يتمناه في شخص رئيس الجمهورية المقبل، سيصبح بعد أقل من عامين هو نفسه ما تراه الغالبية من جماهير الشعب في شخصه هو.
بالقطع.. لم يكن الجنرال -الشاب كما كنت أحب أن أسميه لحيويته البادية وأفكاره غير المقولبة- يتحدث عن نفسه، فأسماء المرشحين كانت معلنة، وباب الترشح قد أغلق، والمجلس الأعلي للقوات المسلحة كان قد ألزم أعضاءه بعدم الترشح، وقرر أن ينأي بنفسه عن العملية الانتخابية برمتها.
ولعلي أذيع سرا، إذا قلت أن اللواء عبدالفتاح السيسي، كان يود كمواطن، لو اجتمعت القوي السياسية حينئذ علي شخصية مدنية شابة لم تبلغ سن الخمسين، تتمتع بالكفاءة والإخلاص، ودفعت بها إلي الترشح.
طموح ..اللواء السيسي كان منعقدا علي مساره العسكري الطبيعي دون سواه، بعد مشوار مشرف دام 35 عاما ضابطا، وقائدا، ثم مديرا لأكثر أجهزة القوات المسلحة حساسية.
وكان اعتزازه -ولم يزل- بالزي العسكري لا يدانيه شيء، منذ ارتداه لأول مرة وهو في الخامسة عشرة من عمره طالبا بالثانوية الجوية.
وأذكر... في لقاء جمعني باللواء السيسي وقيادة عسكرية كبري قبل أسابيع من انتهاء المرحلة الانتقالية الأولي، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية أن القائد الكبير وهو برتبة الفريق، سألني: ماذا تتوقع للقوات المسلحة بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
- قلت: لابد أن يتجدد شباب القيادة العامة ولابد أن يتم التجديد بقرار من المشير طنطاوي والمجلس الأعلي، مع تسليم السلطة للرئيس المنتخب؟
- سألني القائد الكبير مجددا :
وماذا عن قادة الأفرع الرئيسية؟
قلت: ينبغي أن يشملهم التجديد.
قال القائد: وكان واحدا من قادة الأفرع:
هذا رأيي أيضا، وقد أبلغته للمشير طنطاوي.
- ثم سألني: بحكم درايتك بالقوات المسلحة، ومعرفتك بقادتها، من تظن أن الاختيار سيقع عليهما لتولي منصبي القائد العام ورئيس الأركان؟
- أشرت إلي اللواء السيسي وقلت : سيادة الجنرال هو القائد العام الجديد، أما رئيس الأركان فإما اللواء فلان أو اللواء فلان.
- ضحك القائد الكبير ونظر إلي اللواء السيسي الذي أطرق مبتسما ولم يعلق.
.. جاء اللواء السيسي وزيرا للدفاع، وجاء رئيس الأركان من بين الأسمين.
لم أكن من ضاربي الودع حين أجبت علي أسئلة القائد الكبير، إنما كنت أتحدث عما أعرفه من اتجاهات وتفضيلات داخل القوات المسلحة، وما ألمسه من نبض القيادات في صفوفها.
وبالفعل، كان قرار تعيين الفريق أول السيسي والفريق صدقي صبحي متخذا سلفا داخل القوات المسلحة ، وإن صدر ممهورا بتوقيع الرئيس السابق.
أرعدت السماء المصرية، وأضاءتها صواعق الثورة الثانية، واستجاب الفريق أول السيسي لإرادة الجماهير مبكرا قبل النزول الكبير بأسبوع، حينما تحدث يوم 23 يونيو الماضي وأعطي مهلة الأيام السبعة لنظام مرسي وقال: »أي مروءة نعيش بها كضباط في الجيش، لما نحس أن الشعب خايف ومروع ونقعد ساكتين.. إحنا نروح نموت أحسن«.
مع ذلك ظل السيسي يحاول مع مرسي ويبذل قصاري جهده، حتي بعد خروج الجماهير بعشرات الملايين يوم 30 يونيو تنادي بسقوط حكم المرشد، بل إنه طرح عليه حتي صباح يوم 3 يوليو، وقبيل انتهاء مهلة الثماني والأربعين ساعة الثانية أن يقبل بإجراء استفتاء علي رئاسته، رغم أن مطالب الجماهير كانت قد تجاوزت مسألة الاستفتاء. لكن مرسي وجماعته تملكهم عمي البصر والبصيرة.. وحسنا فعلوا!
وأذكر...في أكثر من مناسبة، وبأكثر من أسلوب، عبر السيسي عن عدم رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية.
إنني التقيت الفريق أول السيسي يوم 21 يوليو الماضي للمرة الأولي بعد ثورة 30 يونيو، وتحدثت معه مطولا عن رؤيته لأوضاع البلد، وتصوره للمستقبل، وبالطبع عن تفاصيل الأيام الأخيرة لنظام الإخوان.
ثم سألته قبيل انتهاء اللقاء عن موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية، أو بالأحري كنت أدعوه كالملايين غيري إلي الترشح وعددت له أسبابي، وكلها تتعلق بالمصلحة الوطنية.
وفوجئت به يغادر الصالون الملحق بمكتبه في مقر وزارة الدفاع، إلي داخل المكتب، ويعود حاملا ورقة زرقاء، ثم ناولها لي مبتسما وهو يقول: هذا هو موقفي من الترشح، وأفكر في إذاعته بعد ساعتين من الآن.
أمسكت...بالورقة، وطالعتها مرة واثنتين، وسلمتها له. وأنا أقول: »مع كامل احترامي.. اختلف مع سيادتك في هذا الموقف، وأرجوك ألا تعلنه علي الأقل في هذا التوقيت«.
فحوي الورقة كان بيانا قصيرا بخط يد الفريق أول السيسي، يعلن فيه موقفه بأنه لا يفكر في مسألة الترشح لانتخابات الرئاسة ويؤكد أن توليه مسئولية قيادة الجيش المصري هو مصدر فخره وقمة أمله وطموحه، ويعبر عن سعادته بخدمة شعب مصر العظيم بكل إخلاص من خلال موقعه كقائد عام للقوات المسلحة، متمنيا أن يقابل الله حاملا كتابه بيمينه.
ظللت قلقا من صدور بيان يغلق الباب ويجعل من إعادة فتحه عسيرا، أمام رجل يعتبر صدق الكلمة أغلي رصيد في بنكه الشخصي. وكنت أري أن المطالبة بترشحه التي تجري باضطراد تحت جسور النيل، سوف تتحول إلي شلال هادر حين نقترب من المصب، وكنت أقدر أن توليه الرئاسة ضرورة لا غني عنها لصون المصلحة العليا للبلاد، وكنت بشكل شخصي، أحسبه رجل الأقدار الذي هيأته لنا ثورتان تضلان الطريق نحو تحقيق أهداف تكاد تضيع وإحياء أحلام توشك أن تخبو وتنطفئ.
لم يتبدد القلق، إلا بعدما عرفت أن قادة كبار مخلصين، رجوه أن يلغي إذاعة البيان ولو إلي حين.
لهذا...وبرغم الحشود غير المسبوقة التي خرجت بعشرات الملايين يوم 26 يوليو، تفوضه فيما طلب من جماهير الشعب قبلها بيومين، لم ينظر السيسي الي تلك التلبية الهائلة من جانب جموع خرجت ترفع صوره مع صور الزعيم عبدالناصر، علي أنها تعبير عن رغبة شعبية في خوضه الانتخابات، بقدر ما هي تداع جماهيري من أجل الحفاظ علي الوطن والدولة.
.. تحدث السيسي يوم 18 اغسطس الماضي، مبديا رأيه الخاص، بأن شرف حماية الوطن أغلي عنده من شرف الحكم. وكان لتصريحه هذا أثر محبط في نفوس ملايين تتطلع إليه كبطل شعبي، ومنقذ، وزعيم.
تحت تأثير ضغوط غلابة، مال السيسي إلي عدم إغلاق الباب أمام احتمال ترشحه للرئاسة، وبدا الرجل في غضون الأسابيع الماضية، محاصرا بين نفسه وبين الشعب.
هو يري أنه لم يقصر في أداء واجبه تجاه وطنه، ولا يريد منصبا قد يقال أنه سعي إليه، ويحسب أنه يستطيع أن يخدم بلاده من موقعه كقائد للجيش. هو أيضا يدرك حجم التحديات التي تجابهها البلاد وقدر الآمال التي يعلقها عليه الشعب، ومن حقه أن يحرص علي بقاء صورته ناصعة في أذهان الجماهير، دون أن تخدشها ظنون بوجود عصا سحرية في يده، يزيل بها مشكلات تراكمت عقودا، في اليوم التالي لتوليه السلطة.
علي الجانب الآخر، هو يلمس رغبة الشعب، ويستشعر نبضه، ويأبي علي نفسه أن يعصي أمرا للجماهير.
مع مطلع العام الجديد أظن السيسي حسم بينه وبين نفسه قراره. وأحسبه اتخذ قرارا نهائيا بخوض الانتخابات الرئاسية بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي مشروع الدستور، والتي فاقت بكثير توقعات من أسرفوا في التفاؤل.
سوف يعلن السيسي قراره بالترشح لانتخابات الرئاسة في غضون أيام، من صدور قرار بقانون لرئيس الجمهورية ينص علي إجراء انتخابات الرئاسة قبيل الانتخابات البرلمانية، وربما يسبق الإعلان صدور القرار الجمهوري الخاص بموعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية.
لا يريد...السيسي أن يرهق جماهير الشعب بالنزول للإعراب عن رغبتها في خوضه الانتخابات، ولم يكن السيسي ينتظر قبل حسم قراره، ضوءا أخضر أو إعلان عدم ممانعة يأتيه من الخارج.. هذه ليست شخصيته، ولا هذا ما تتحدث به مواقفه أو تاريخه.
فالرجل الذي يأبي أن يستشير غير المصريين في قرار يتعلق بإرادة شعب ومصير أمة ، يأبي علي نفسه أن ينتظر إشارة من أجنبي في قرار يتعلق باختياره الشخصي.
فاستقلال القرار الوطني، أحد أهم أوراق اعتماد عبدالفتاح السيسي في قلوب المصريين
لا أعرف بم كان يشعر السيسي وهو يشاهد صور عبدالناصر تملأ شاشة مسرح الجلاء يوم الخميس الماضي في احتفال القوات المسلحة بذكري ثورة 25 يناير، ولا ما الذي دار في ذهنه وهو يستمع إلي كلمات أغنية »عاش الجيل الصاعد«: »حرمونا سنين وسنين، وافتكروا الناس نايمين، وطلعنا عليهم يوم، خلصنا حقوق ملايين«، التي كتبها حسين السيد قبل ثورة 25 يناير بنصف قرن، وكأنه كان يتنبأ بها.
لكن أحسبني أعرف شعوره، والقاعة تهتف له: »تكليف.. تكليف«، والحضور يطالبه بالترشح للانتخابات. كانت عيناه تقولان: يارب أكون علي قدر الثقة.
لم يكن السيسي يرتدي نظارته السوداء التي لا يريد منها أن تضفي عليه غموضا لا يحبه ولا يعرفه، وإنما يستعين بها ليداري مشاعر تأثر لا يستطيع إخفاءها أو يحجب بها نظرات عزم وتصميم وإصرار يعتمل في صدره.
مع تباشير الربيع المقبل، سوف يكون لمصر رئيس جديد منتخب بأغلبية كاسحة، هو - بإذن الله - عبدالفتاح السيسي. وأتوقع- وعندي أسبابي- أنه سيكون القائد الذي تمناه السيسي لمصر منذ 20 شهرا مضت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.