ما بين نهاية عام وبداية عام ترحل الأيام بما تحمله من أحداث وأزمات وتبقي الآمال في عام جديد مشرق تتحقق فيه الأمنيات لبناء مصر الجديدة.. أنقضى عام 2013 الذي كتب فيه شعب مصر شهادة ميلاد وطنهم من جديد، بعد أن قام بثورتين يفصل بينهما عامان ونصف العام، قام بالأولى رافضا للديكتاتورية والفساد والتوريث .. وقام بالثانية رافضا للهيمنة والتمكين والتكفير .. قام بالأولى ليصحح وبالثانية ليسترد ما سرق منه .. قام بالأولى ضد رئيس قال يا أنا يا الفوضى، وبالثانية ضد رئيس قال يا أنا يا الدم، فاستحق الأول أن يكون مخلوعا والثاني أن يكون معزولا، ولا أحد منهما أو من سيأتي بعدهما يمكن أن يقف في وجه هذا الشعب. أنقضى عام 2013 الذي شهد لأول مرة في التاريخ محاكمة نظامين في وقت واحد بتهمة قتل الثوار، ففي الوقت الذي تتواصل فيه محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك تتم محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى ..انقضى عام 2013 عام انتصار إرادة شعب أنهى حكم الأخوان المسلمين باحتشاد أسطوري في الشوارع وباستمارات تمرد التي سطروها بالرفض من أقصى البلاد إلى أدناها، وبرفض نظام تجاهل مصالح الشعب وأهتم بالتمكين للجماعة من مفاصل الدولة خلال العام الذي حكم فيه .. نظام جائر أرجع هذا الوطن إلى الوراء عشرات السنين. أنقضى عام 2013 الذي شهد استجابة القوات المسلحة لصوت الشعب والانحياز له وتوجيه مهلة كريمة للنظام بأن عليه هو أيضا أن يستجيب لإرادة الأغلبية حقنا للدماء ومنعا لسقوط مزيد من الضحايا والأبرياء ، وشارع شهد مئات المظاهرات والاعتصامات من كل لون سياسي .. أنقضى عام 2013 وفيه برز دور الشباب المبدع قاطرة الثورة ووقودها في نفس الوقت . فالحقيقة الواقعة على الأرض أن هذا الشعب العظيم لا يزال قادرا على أن يدهش العالم بإبداعه الثوري ويكتب فصولا جديدة في فنون الثورة الشعبية وإنسانيتها، أستطاع الشعب المصري العظيم أن يثبت بجدارة أنه ليس فقط صانعا للحضارة بل هو أيضا صانعا للتاريخ ، وأستطاع أن يؤكد أنه القائد والمعلم وأن قامته تعلو فوق كل القامات والقيادات . تسارعت الأحداث في النصف الأول من عام 2013 وبقراءة المشهد السياسي فقد مر الوطن بظروف صعبة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى من موجات عنف متزايدة ، ووقائع صدام متكررة، وما أسفرت عنه من أحداث مأساوية سالت فيها الدماء وأزهقت الأرواح وسقط خلالها الضحايا وتوافرت كل العناصر اللازمة لإشعال فتيل الحرب الأهلية من صراع سياسي حاد على القمة بين الحكم والمعارضة أدى إلى انقسام الشعب إلى فريقين، وشارع تعمه الفوضى والانفلات الخارج عن حدود أي سيطرة حقيقية للقانون، وجماعات منظمة مستحدثة تنتشر في القاهرة والمحافظات بعضها مسلح تستخدم العنف ، وتمارس عمليات التخريب مستغلة حالة الفوضى والانفلات الأمني، والصراع السياسي الذي يتيح لكل طرف أن يتهم الأخر بأنه يحركها ، وطوفان من الأسلحة الخفيفة والثقيلة متدفقة إلى داخل مصر عبر الحدود خاصة الغربية يجرى تخزين ما يفلت من الرقابة في مخازن سرية في سيناء وعدد أخر في المحافظات، ومطالب فئوية وشعبية لا تتوقف في مواجهة اقتصاد شبه متوقف وسياسات تبشر المواطنين بتدفق قريب لمليارات الدولارات من القروض والمنح والاستثمارات بينما تخطط في الواقع العملي لتقليص أبسط الحقوق الأساسية للمواطن وهو حقه في رغيف العيش بما يخلف حالة من الانفصام لدى الرأي العام ويعزز احتمالات الانفجار الشعبي . وشهدت الساحة السياسة حالة من الاحتقان السياسي بين القوى السياسية المختلفة أمام عناد السلطة وخلافات قوى المعارضة وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن فقد حنث أول رئيس منتخب مدني بقسمه وخالف الدستور وأصدر أعلانا دستوريا يعتدي فيه على السلطة القضائية وبدأ مشروع أخونة الدولة بدلا من تطبيق مشروع النهضة الذي جاء به خلال فترة الدعاية الانتخابية له ، جاء د. مرسى برئيس للحكومة د. هشام قنديل، ورغم أدائه المتواضع إلا أنه تمسك به على حساب شعبه ودخل في عناد مع خصومه، وأستمر في هيكلة وأخونه الدولة من خلال حركة المحافظين واختيار مستشارين له ينتمون إلى التيار الإسلامي، ودخل في خصام أيضا مع أبناء تياره الإسلامي وهو حزب النور السلفي الذي رفض سياساته . ومع توالى شهور حكم مرسى داخل قصر الاتحادية زادت الأزمات وارتفعت الأسعار واختفى البنزين والسولار وانقطعت المياه والكهرباء وحدث اضمحلال في جميع مناحي الحياة، ولم يكن أداؤه على المستوى المطلوب للتعامل مع مشكلة سد النهضة. ورأى شعب مصر أن الرئيس مرسى مارس سياسات أقصائية رامية إلى الاستئثار بالدولة لمصلحة فصيل واحد، وأنه في سبيل ذلك أجرى اتصالات وأبرم اتفاقات عرضت الأمن القومي للخطر، وفشل في تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولم يلب طموحات المجتمع الذي أنهكته الأزمات الأمنية والاقتصادية ، كما أن مشروعية الرئيس أصبحت موضع شك لما أثير بشأن مدى صحة نتائج الانتخابات الرئاسية، وأن إعلان النتيجة كان لمصلحته بضغوط داخلية وخارجية .. وفى نفس الوقت أوجدت سياسات الرئيس فجوة بينه وبين عدد من المؤسسات الرئيسية في مقدمتها القضاء بما ينذر بشلل في أجهزة الدولة . كان الفشل في إدارة الدولة عاملا كافيا لظهور حركة تمرد وهى حركة شبابية طبعت استمارات بيضاء لأعلن العصيان على النظام الحاكم والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفى أقل من شهر ونصف استطاعت تمرد أن تجمع 22 مليون توقيع لهذا المطلب من كافة القرى والنجوع والأحياء والمدن مما يعبر عن أن الحراك الاحتجاجي قد أنهى مطافه خلال العام بضرورة التخلص من النظام برمته، واختارت الحركة يوم 30 يونيو موعدا للثورة على الأخونة والفشل . كان الرهان على شباب مصر الواعي بقيمة وطنه والمدرك لقدر هذا الوطن بين الأمم، هذا الشباب المتطلع للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والساعي بكل الأمل والجد لدولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان . وفى الوقت الذي أصر فيه أنصار حركة تمرد وجبهة الإنقاذ على استقالة الرئيس مرسى وبدء مرحلة جديدة ، فإن أنصار حركة تجرد والموالين للرئيس أصروا على استكمال مدته للحفاظ على منصب الرئاسة والانتظار إلى حين انتهاء المدة القانونية للرئيس، وارتفعت الأصوات تدعو إلى ضرورة نزع فتيل الأزمة وعدم التصعيد ، ووسط هذا الوضع جاء بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي في 23 يونيو، والذي أكد فيه أن الجيش لن يسمح بالفوضى أو انهيار الدولة، وأمهل الجميع مدة أسبوع لتحقيق تفاهم وتصالح وتوافق لحماية شعب مصر ، وقال " الموت أشرف لنا من أن يمس أحد من الشعب في وجود الجيش "، وحققت الدعوة للمصالحة الوطنية التي أطلقتها القوات المسلحة ترحيبا واستجابة من القوى السياسية التي لمست بوضوح أن جيش مصر لا يسمح مطلقا بالفوضى التي قد تؤدى إلى انهيار الدولة ، كما منح هذا البيان شيئا من الثقة والطمأنينة للمواطن المصري بأن هناك من يشاركه أحزانه ومخاوفه ، كان الشعب ينتظر الإنقاذ من جيشه أمام هذه المحنة القاسية . ومع اقتراب 30 يونيو بات الشعب المصري بكل طوائفه وانتماءاته السياسية على صفيح ساخن، حيث أعلنت جماعة الأخوان المسلمين تأييدها الكامل للرئيس مرسى واحترام الشرعية ودعمها لها، بينما أستعد الشعب لتظاهرات حاشدة في 30 يونيو لسحب الثقة من الرئيس والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة نتيجة فشله في إدارة الدولة . وفى 30 يونيو أنتفض الوطن وخرجت الملايين الغاضبة من كل فئات المجتمع بطول البلاد وعرضها في ثورة جديدة كانت تبحث عن الخلاص من واقع وصل بها إلى أسوأ حالات الإحباط ، خرجت هذه الملايين تدين أداء الحكومة وترفض حالة الانقسام ، وتعترض على تكفير المجتمع وحالة الانفلات في كل مؤسسات الدولة أمام غياب الأمن وانهيار الاقتصاد وفشل النخبة في أيجاد صيغة للحوار، خرجت هذه الملايين ليعلنوا رغبتهم في التغيير .. خرج طوفان من البشر يرفعون أعلام مصر ويهدرون في زحفهم المتواصل نحو الميادين سلمية. وجاءت ثورة 30 يونيو لتضرب في مقتل كل المخططات الإقليمية والدولية التي تهدف تقسيم مصر وضرب وحدتها الوطنية وإبعادها عن حماية أمنها العربي والإقليمي والذود عن أمتها العربية .. ما قام به الفريق أول عبد الفتاح السيسى لم يكن أبدا يستهدف مجرد الإطاحة برئيس أكد فشله وعجزه وتحول إلى معول لهدم الوطنية المصرية والتفريط في سيادة بلاده وشعبه لكن الهدف الأول والأساسي كان حماية الأمن القومي المصري ، والذي كان يتعرض لأخطار جسيمة بالإضافة إلى حماية الجيش المصري من أخطار عديدة كان يتم الأعداد لاستدراجه إليها ، في إطار أوهام الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي سقطت فيها دول عديدة أخرى لا تزال شعوبها تئن . وعجزت جماعة الأخوان المسلمين عن إدراك أن الشعب صاحب الشرعية ومصدر السلطات خرج ليعلن وضع نهاية للعقد الذي كان مبرما بينه وبين النظام الحاكم وبدء صفحة جديدة ومرحلة جديدة ، وأعلنت القوى الإسلامية أنها ستتصدى بكل حزم وقوة لأي محاولة تهدف للانقلاب على الشرعية ..لقد أخطأت الجماعة الحساب والتقدير كما أخطأت الاختيار وتأخرت في تصحيح أخطائها عنادا وأستكبارا، فلم يسمع مرسى صوت الشعب وحشود الملايين التي خرجت في كل أرجاء البلاد وتجاهلها وتصور أن شرعيته حصنه الحصين الذي يحميه من البلطجية والفلول من وجهة نظره . وأزداد الموقف تأزما واشتعالا بسبب إصرار الرئيس مرسى على الاستمرار في منصبه باعتباره رئيسا منتخبا من الشعب وبحسب الدستور الذي وافق عليه أكثر من ثلثي الشعب - حسب وجهة نظره - ألا أنه أمام إصرار الشعب على الرحيل وبعد انتهاء مهلة ال48 ساعة دون التوصل إلى توافق ، مما دفع الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلى إعلان كلمة النهاية لعام من حكم الأخوان المسلمين . وبدأت مصر في 3 يوليو عهدا جديدا وضع أساسه بيان القائد العام للقوات المسلحة بعد أن لبى الجيش نداء الوطن وسقط مرسى والأخوان بالشرعية الدستورية ، وإعلان خريطة المستقبل التي تشمل تعطيل العمل بالدستور ، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية ، ويؤدى اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة ، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية ، وتشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا . وفى 4 يوليو أدى المستشار عدلى منصور اليمين رئيسا مؤقتا للبلاد ، ووجه كلمة للشعب أكد فيها أن ضمان استمرار روح الثورة ينهى إلى غير رجعة عبادة الحاكم التي تخلق منه نصف اله والشعب مصدر السلطات والشرعية للميدان . وفى نفس الوقت ، أمام إصرار جماعة الأخوان المسلمين على تجاهل ما حدث وإنكار أنه يعبر عن إرادة الشعب التي يجب الاستجابة لها، وإذا بهم يعلنون أمام العالم أن هذه المطالب لا تعبر عن الشرعية وأن الشرعية الوحيدة هي في استمرار الوضع على ما هو عليه واستمرارهم في مواقعهم .. ثم أزداد الأمر غرابة وخطرا عندما راحوا يحشدون مؤيديهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة ويحفزونهم للوقوف في وجه أي محاولة للاستجابة لإرادة الشعب صاحب الشرعية الحقيقى والوحيد متجاهلين ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تهديد لأمن الوطن والمواطنين . لقدت فقدت الجماعة صوابها مع فقدها كرسي الرئاسة ، ومركز الحكم والسلطة ، وقررت الانتقام من مصر كلها ، وبدأت بالفعل في شن حرب إرهاب ، وتدمير ضد كل الشعب وإشاعة الفوضى والخراب والدمار في كل أنحاء البلاد عقابا لشعب مصر على رفضهم القبول بحكمها لهم ، فقاموا بعمليات عنف وقتل وترويع وإرهاب في عمق البلاد وأطرافها ابتداء من القاهرة والإسكندرية ، وامتدادا إلى أسوان والفيوم وغيرها من المدن والمحافظات ، ومثال ذلك حادث الحرس الجمهوري الذي وقع في 8 يوليو وتسببت هذه الأحداث في ارتباك المشهد السياسي المصري وتبادل الاتهامات بين مختلف الأطراف ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك جرائم الإرهاب المتكرر والمستمرة في سيناء ومسلسل القتل الغادر الذي يتعرض له الضباط والجنود من رجال الأمن والقوات المسلحة هناك كل يوم ، وما يتم من استهداف واعتداء على رموز سلطة الدولة المصرية في سيناء . ولمواجهة هذا الوضع استجابت الملايين من أبناء الشعب المصري يوم 26 يوليو "يوم الخروج العظيم" لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسى بالتفويض لمواجهة العنف والإرهاب والنزول إلى الميادين للتعبير عن أرادتهم وقرارهم .. لقد كان التفويض رسالة للعالم بأن الشعب هو صاحب القرار ، وأن ماحدث ليس انقلابا عسكريا كما يرى الأهل والعشيرة ومساندي مشروع الإخوان الكبير من الدول الأجنبية .. لقد كانت لحظة فارقة تلك التي وقف فيها قائد الجيش مناشدا الشعب أبداء تأييده لمكافحة الإرهاب الذي يشن عليه من الجماعة الأخوانية الإرهابية والذي بدأ يتخذ شكلا غير مسبوق من حيث استهداف الجماهير العزل والتخطيط علنا للهجوم على الدولة لاختطافها . لقد أحتشد نحو 30 مليونا من المصريين في ميادين مصر رافضين العنف والإرهاب مطالبين القوات المسلحة والشرطة بأداء الواجب وصد الهجمات الإرهابية وردع المحرضين عليها حتى تعود مصر واحة للأمن والأمان يتمتع أبناؤها بالاستقرار ..أن مصر المسالمة الوسطية التعددية لن تكون أبدا حكرا لفصيل يعطى لنفسه القداسة والحصانة والتميز . أستمع العالم لكلمة الشعب المصري وهو يعلن رفضه للعنف والإرهاب ويؤكد قدرته على مواجهة من يحرضون على ارتكاب الجرائم الإرهابية . واستمر الحشد في الميادين ، فالأخوان لايريدون الاعتراف والتسليم بالإرادة الشعبية ، ولابفشل تجربتهم في الحكم ويضعون ثلاثة شروط للاستجابة للمبادرات المطروحة لمعالجة حالة الاحتقان الحادة بينها وبين الدولة وهى عودة الرئيس المعزول لكرسي الحكم ، وإعادة مجلس الشورى المنحل وعودة العمل بالدستور المعطل ، وتدرك الجماعة أن الاستجابة لهذه الشروط مستحيلة وتعلم أنه لايمكن تحدى أرادة الشعب ، بل وتصر عليها بهدف إفشال جميع الجهود وتسعى الجماعة من وراء ذلك إلى الظهور بمظهر المضطهد من جانب سلطة الدولة لعلها تستطيع كسب بعض التعاطف الشعبي . أما على الجانب الأخر يخشى الشعب من أن يتم اختطاف الثورة مرة أخرى إذا غابوا عن الميدان ، وأمام هذا التباعد في المواقف وأمام إصرار البعض على تحويل الخلاف السياسي إلى حرب دينية وجهادية فأن الميادين اكتظت بالملايين وتجمدت الحياة . واستنفذت الدولة كل محاولات التوصل إلى تسوية لفض اعتصامي رابعة والنهضة الذي استمر ستة أسابيع كما فشلت كل الجهود والوساطات والمبادرات الخارجية من أجل إتاحة الفرصة للوصول إلى اتفاق يحافظ على سلامة أبناء الوطن . وتفعيلا للتفويض الشعبي نجحت قوات الأمن في 14 أغسطس في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وأحكام السيطرة على المنطقتين وانتشرت عناصر مؤيدة لجماعة الأخوان المسلمين في مختلف أنحاء البلاد لترتكب العديد من أعمال العنف والشغب أسفرت عن سقوط ضحايا ، وفى مواجهة تصاعد أعمال العنف أصدرت رئاسة الجمهورية قرارا بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد بدءا من 14 أغسطس لمدة شهر ثم مدها شهرا أخر وانتهت في 14 نوفمبر . ولايزال مسلسل العنف والدماء مستمرا وتواجهه مصر بكل قوة وإصرار ، فالجماعة وتنظيمها الدولي مازالت تعيش في جلباب الماضي وتغمض العين عن ثورة شعب حر يسطر تاريخه بكل ثقة واقتدار ، ومازالت تحركها صدمة الخروج السريع من الحكم ولم تتخل بعد عن حلم العودة إلى القصر ، والمحصلة أن الجماعة فقدت البصر والبصيرة معا لمائة عام مقبلة وهو مايفسر ذلك الانغماس المرعب في الإرهاب بكل أبعاده وآلياته البغيضة وعبر إرهاب الجماعة عن نفسه ، في مسيرات الترويع للمصريين وفى قطع الطرق ، وفى الاعتداء الخسيس على الكنائس وحرق حوالي 26 كنيسة في أكثر من مدينة وقرية ، والهجوم المسلح على 23 قسم شرطة وقتل الجنود والضباط في بعضها وسحل جثثهم كما حدث في قسم شرطة كرداسة في واحدة من أحقر العمليات الإرهابية للجماعة ، وحرق منشآت عامة كمباني ومقار المحافظات كما حدث في مبنى محافظة الجيزة وحرق وزارة المالية والتحصن في المساجد المختلفة وتخزين الأسلحة فيها والتبشير باغتيال لبعض الشخصيات العامة ، وفشلت الجماعة في الحشد بالشارع فتحولت بحربها الآن إلى الجامعات فلم تكن أعمال التخريب التي شهدتها جامعة الأزهر غضبة طلاب أرادوا التعبير عن رأيهم ولكنها كانت حربا شنتها جماعة التخريب لوقف العملية التعليمية في أعرق جامعات مصر والعالم العربي والأسلامى ، بهدف تصدير صورة للعالم الخارجي بأن الحياة متوقفة في مصر ، وذلك غير ما يحدث في سيناء من تجييش للإرهابيين والمرتزقة لمواجهة الجيش والشرطة وترويع أهالي سيناء ..ومع ذلك فقد نجحت العملية العسكرية التي تقودها القوات المسلحة في سيناء وحققت نجاحات كبيرة على الأرض حيث تم حل 60% من أجمالي حجم المشكلة ومازالت القوات والشرطة ينفذون خطتهم للقضاء على الإرهاب فحجم مادمر من الأنفاق كبير بلغ حوالي 1100 نفق خلال الفترة الماضية إلا أنه يتبقى بضع مئات يجرى تدميرها بالغمر بالمياه ، كما تم تدمير حوالي 65 بيارة وقود كانت تؤثر على احتياجات المواطنين من الوقود ، وتم تطهير حوالي 300 كيلو متر من العناصر الإرهابية والتكفيرية في منطقة رفح والشيخ زويد .. لقد باتت ساعة اقتراب إعلان تطهير سيناء من الإرهاب وتحويلها إلى منطقة نظيفة وآمنة قريبة جدا لاستعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة الغالية . ويساند الشعب المصري جهود القوات المسلحة والشرطة في استئصال جذور الإرهاب من سيناء والتي ساهم للأسف الرئيس المعزول محمد مرسى في توفير المناخ الأمن لهم ، فبعضهم أخرجهم من السجون من خلال قرارات الإعفاء وذلك لمساندة حكمه. إن هذه الحرب الإرهابية على مصر وشعبها أنهت أسطورة الجماعة الإسلامية المعتدلة ، وأكدت أن الجماعة هي منبع الإرهاب الديني في مصر والعالم ، لقد بات واضحا جسامة الجريمة التي أرتكبها المعزول وجماعته في حق مصر وشعبها ، عندما فتحوا الباب واسعا أمام عصابات الإرهاب وجماعات التطرف كي تأتى من كل مكان لتستوطن في سيناء وتحولها إلى بؤرة سرطانية تنفث سمومها في البلاد بطولها وعرضها ، فهذه الحرب الإرهابية على مصر وشعبها أنهت أسطورة الجماعة الإسلامية المعتدلة ، فمنذ الإطاحة بهم من الحكم ينكرون أنهم يمارسون عنفا أو إرهابا ويتهمون الشرطة بالإفراط في استخدام القوة ضدهم ، ولكن الآن لم يعد الأخوان يكترثون كيف ينظر العالم لهم قدر اهتمامهم بإنقاذ جماعتهم واسترداد حكمهم بكل الطرق والسبل وعلى رأسها الإرهاب ، ولن يخضع الشعب المصري لمثل هذه الممارسات الإرهابية التي اتخذت في الأيام الأخيرة منحنى تصاعديا ، بل إنها زادت الشعب إصرارا على لفظها ومطاردة متطرفيها وإرهابييها . ووسط ضباب الأزمات ودخان الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب تلوح في الأفق بارقة أمل جديد ، فالمشهد السياسي يبشر بمستقبل أفضل ويبشر بالخير للمصريين جميعا ، ففي الأول من ديسمبر قطعت مصر خطوة مهمة حيث أنجزت لجنة الخمسين بعد مناقشات عاصفة مشروع الدستور الجديد/ دستور 2013 / الذي يحمل رسالة توافق عملا وقولا ، وانجازه خطوة مهمة على أول طريق الديمقراطية ، وجاءت في الإطار الزمني الذي حددته خارطة المستقبل المتوافق عليها من كافة القوى السياسية والمجتمعية . إن مشروع الدستور الذي سيجرى الاستفتاء الشعبي الحر عليه يومي 15 و16 يناير القادم سيحدد عند الموافقة عليه كيفية إعادة بناء مؤسسات الدولة كي تنطلق في تحمل مسئولياتها وتمارس دورها في دفع العمل الوطني ..إن هذا الدستور الجديد يؤسس لمجتمع مزدهر ومتلاحم يفتح الأفاق إلى المستقبل أمام الشعب المصري ، وربما يكون واحدا من مأثر الدستور الجديد أنه أعاد الأمل لدى جموع المصريين بأن الوفاق الوطني ليس مطلبا متعذرا أو مستحيلا . ومازال الشعب المصري على موعد مع باقي استحقاقات خارطة المستقبل ليؤكد للعالم انه أنقذ التاريخ، ومازال هو الشعب المصري الذي بني أجداده مجد الحضارة الإنسانية . ما بين نهاية عام وبداية عام ترحل الأيام بما تحمله من أحداث وأزمات وتبقي الآمال في عام جديد مشرق تتحقق فيه الأمنيات لبناء مصر الجديدة.. أنقضى عام 2013 الذي كتب فيه شعب مصر شهادة ميلاد وطنهم من جديد، بعد أن قام بثورتين يفصل بينهما عامان ونصف العام، قام بالأولى رافضا للديكتاتورية والفساد والتوريث .. وقام بالثانية رافضا للهيمنة والتمكين والتكفير .. قام بالأولى ليصحح وبالثانية ليسترد ما سرق منه .. قام بالأولى ضد رئيس قال يا أنا يا الفوضى، وبالثانية ضد رئيس قال يا أنا يا الدم، فاستحق الأول أن يكون مخلوعا والثاني أن يكون معزولا، ولا أحد منهما أو من سيأتي بعدهما يمكن أن يقف في وجه هذا الشعب. أنقضى عام 2013 الذي شهد لأول مرة في التاريخ محاكمة نظامين في وقت واحد بتهمة قتل الثوار، ففي الوقت الذي تتواصل فيه محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك تتم محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى ..انقضى عام 2013 عام انتصار إرادة شعب أنهى حكم الأخوان المسلمين باحتشاد أسطوري في الشوارع وباستمارات تمرد التي سطروها بالرفض من أقصى البلاد إلى أدناها، وبرفض نظام تجاهل مصالح الشعب وأهتم بالتمكين للجماعة من مفاصل الدولة خلال العام الذي حكم فيه .. نظام جائر أرجع هذا الوطن إلى الوراء عشرات السنين. أنقضى عام 2013 الذي شهد استجابة القوات المسلحة لصوت الشعب والانحياز له وتوجيه مهلة كريمة للنظام بأن عليه هو أيضا أن يستجيب لإرادة الأغلبية حقنا للدماء ومنعا لسقوط مزيد من الضحايا والأبرياء ، وشارع شهد مئات المظاهرات والاعتصامات من كل لون سياسي .. أنقضى عام 2013 وفيه برز دور الشباب المبدع قاطرة الثورة ووقودها في نفس الوقت . فالحقيقة الواقعة على الأرض أن هذا الشعب العظيم لا يزال قادرا على أن يدهش العالم بإبداعه الثوري ويكتب فصولا جديدة في فنون الثورة الشعبية وإنسانيتها، أستطاع الشعب المصري العظيم أن يثبت بجدارة أنه ليس فقط صانعا للحضارة بل هو أيضا صانعا للتاريخ ، وأستطاع أن يؤكد أنه القائد والمعلم وأن قامته تعلو فوق كل القامات والقيادات . تسارعت الأحداث في النصف الأول من عام 2013 وبقراءة المشهد السياسي فقد مر الوطن بظروف صعبة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى من موجات عنف متزايدة ، ووقائع صدام متكررة، وما أسفرت عنه من أحداث مأساوية سالت فيها الدماء وأزهقت الأرواح وسقط خلالها الضحايا وتوافرت كل العناصر اللازمة لإشعال فتيل الحرب الأهلية من صراع سياسي حاد على القمة بين الحكم والمعارضة أدى إلى انقسام الشعب إلى فريقين، وشارع تعمه الفوضى والانفلات الخارج عن حدود أي سيطرة حقيقية للقانون، وجماعات منظمة مستحدثة تنتشر في القاهرة والمحافظات بعضها مسلح تستخدم العنف ، وتمارس عمليات التخريب مستغلة حالة الفوضى والانفلات الأمني، والصراع السياسي الذي يتيح لكل طرف أن يتهم الأخر بأنه يحركها ، وطوفان من الأسلحة الخفيفة والثقيلة متدفقة إلى داخل مصر عبر الحدود خاصة الغربية يجرى تخزين ما يفلت من الرقابة في مخازن سرية في سيناء وعدد أخر في المحافظات، ومطالب فئوية وشعبية لا تتوقف في مواجهة اقتصاد شبه متوقف وسياسات تبشر المواطنين بتدفق قريب لمليارات الدولارات من القروض والمنح والاستثمارات بينما تخطط في الواقع العملي لتقليص أبسط الحقوق الأساسية للمواطن وهو حقه في رغيف العيش بما يخلف حالة من الانفصام لدى الرأي العام ويعزز احتمالات الانفجار الشعبي . وشهدت الساحة السياسة حالة من الاحتقان السياسي بين القوى السياسية المختلفة أمام عناد السلطة وخلافات قوى المعارضة وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن فقد حنث أول رئيس منتخب مدني بقسمه وخالف الدستور وأصدر أعلانا دستوريا يعتدي فيه على السلطة القضائية وبدأ مشروع أخونة الدولة بدلا من تطبيق مشروع النهضة الذي جاء به خلال فترة الدعاية الانتخابية له ، جاء د. مرسى برئيس للحكومة د. هشام قنديل، ورغم أدائه المتواضع إلا أنه تمسك به على حساب شعبه ودخل في عناد مع خصومه، وأستمر في هيكلة وأخونه الدولة من خلال حركة المحافظين واختيار مستشارين له ينتمون إلى التيار الإسلامي، ودخل في خصام أيضا مع أبناء تياره الإسلامي وهو حزب النور السلفي الذي رفض سياساته . ومع توالى شهور حكم مرسى داخل قصر الاتحادية زادت الأزمات وارتفعت الأسعار واختفى البنزين والسولار وانقطعت المياه والكهرباء وحدث اضمحلال في جميع مناحي الحياة، ولم يكن أداؤه على المستوى المطلوب للتعامل مع مشكلة سد النهضة. ورأى شعب مصر أن الرئيس مرسى مارس سياسات أقصائية رامية إلى الاستئثار بالدولة لمصلحة فصيل واحد، وأنه في سبيل ذلك أجرى اتصالات وأبرم اتفاقات عرضت الأمن القومي للخطر، وفشل في تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولم يلب طموحات المجتمع الذي أنهكته الأزمات الأمنية والاقتصادية ، كما أن مشروعية الرئيس أصبحت موضع شك لما أثير بشأن مدى صحة نتائج الانتخابات الرئاسية، وأن إعلان النتيجة كان لمصلحته بضغوط داخلية وخارجية .. وفى نفس الوقت أوجدت سياسات الرئيس فجوة بينه وبين عدد من المؤسسات الرئيسية في مقدمتها القضاء بما ينذر بشلل في أجهزة الدولة . كان الفشل في إدارة الدولة عاملا كافيا لظهور حركة تمرد وهى حركة شبابية طبعت استمارات بيضاء لأعلن العصيان على النظام الحاكم والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفى أقل من شهر ونصف استطاعت تمرد أن تجمع 22 مليون توقيع لهذا المطلب من كافة القرى والنجوع والأحياء والمدن مما يعبر عن أن الحراك الاحتجاجي قد أنهى مطافه خلال العام بضرورة التخلص من النظام برمته، واختارت الحركة يوم 30 يونيو موعدا للثورة على الأخونة والفشل . كان الرهان على شباب مصر الواعي بقيمة وطنه والمدرك لقدر هذا الوطن بين الأمم، هذا الشباب المتطلع للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والساعي بكل الأمل والجد لدولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان . وفى الوقت الذي أصر فيه أنصار حركة تمرد وجبهة الإنقاذ على استقالة الرئيس مرسى وبدء مرحلة جديدة ، فإن أنصار حركة تجرد والموالين للرئيس أصروا على استكمال مدته للحفاظ على منصب الرئاسة والانتظار إلى حين انتهاء المدة القانونية للرئيس، وارتفعت الأصوات تدعو إلى ضرورة نزع فتيل الأزمة وعدم التصعيد ، ووسط هذا الوضع جاء بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي في 23 يونيو، والذي أكد فيه أن الجيش لن يسمح بالفوضى أو انهيار الدولة، وأمهل الجميع مدة أسبوع لتحقيق تفاهم وتصالح وتوافق لحماية شعب مصر ، وقال " الموت أشرف لنا من أن يمس أحد من الشعب في وجود الجيش "، وحققت الدعوة للمصالحة الوطنية التي أطلقتها القوات المسلحة ترحيبا واستجابة من القوى السياسية التي لمست بوضوح أن جيش مصر لا يسمح مطلقا بالفوضى التي قد تؤدى إلى انهيار الدولة ، كما منح هذا البيان شيئا من الثقة والطمأنينة للمواطن المصري بأن هناك من يشاركه أحزانه ومخاوفه ، كان الشعب ينتظر الإنقاذ من جيشه أمام هذه المحنة القاسية . ومع اقتراب 30 يونيو بات الشعب المصري بكل طوائفه وانتماءاته السياسية على صفيح ساخن، حيث أعلنت جماعة الأخوان المسلمين تأييدها الكامل للرئيس مرسى واحترام الشرعية ودعمها لها، بينما أستعد الشعب لتظاهرات حاشدة في 30 يونيو لسحب الثقة من الرئيس والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة نتيجة فشله في إدارة الدولة . وفى 30 يونيو أنتفض الوطن وخرجت الملايين الغاضبة من كل فئات المجتمع بطول البلاد وعرضها في ثورة جديدة كانت تبحث عن الخلاص من واقع وصل بها إلى أسوأ حالات الإحباط ، خرجت هذه الملايين تدين أداء الحكومة وترفض حالة الانقسام ، وتعترض على تكفير المجتمع وحالة الانفلات في كل مؤسسات الدولة أمام غياب الأمن وانهيار الاقتصاد وفشل النخبة في أيجاد صيغة للحوار، خرجت هذه الملايين ليعلنوا رغبتهم في التغيير .. خرج طوفان من البشر يرفعون أعلام مصر ويهدرون في زحفهم المتواصل نحو الميادين سلمية. وجاءت ثورة 30 يونيو لتضرب في مقتل كل المخططات الإقليمية والدولية التي تهدف تقسيم مصر وضرب وحدتها الوطنية وإبعادها عن حماية أمنها العربي والإقليمي والذود عن أمتها العربية .. ما قام به الفريق أول عبد الفتاح السيسى لم يكن أبدا يستهدف مجرد الإطاحة برئيس أكد فشله وعجزه وتحول إلى معول لهدم الوطنية المصرية والتفريط في سيادة بلاده وشعبه لكن الهدف الأول والأساسي كان حماية الأمن القومي المصري ، والذي كان يتعرض لأخطار جسيمة بالإضافة إلى حماية الجيش المصري من أخطار عديدة كان يتم الأعداد لاستدراجه إليها ، في إطار أوهام الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي سقطت فيها دول عديدة أخرى لا تزال شعوبها تئن . وعجزت جماعة الأخوان المسلمين عن إدراك أن الشعب صاحب الشرعية ومصدر السلطات خرج ليعلن وضع نهاية للعقد الذي كان مبرما بينه وبين النظام الحاكم وبدء صفحة جديدة ومرحلة جديدة ، وأعلنت القوى الإسلامية أنها ستتصدى بكل حزم وقوة لأي محاولة تهدف للانقلاب على الشرعية ..لقد أخطأت الجماعة الحساب والتقدير كما أخطأت الاختيار وتأخرت في تصحيح أخطائها عنادا وأستكبارا، فلم يسمع مرسى صوت الشعب وحشود الملايين التي خرجت في كل أرجاء البلاد وتجاهلها وتصور أن شرعيته حصنه الحصين الذي يحميه من البلطجية والفلول من وجهة نظره . وأزداد الموقف تأزما واشتعالا بسبب إصرار الرئيس مرسى على الاستمرار في منصبه باعتباره رئيسا منتخبا من الشعب وبحسب الدستور الذي وافق عليه أكثر من ثلثي الشعب - حسب وجهة نظره - ألا أنه أمام إصرار الشعب على الرحيل وبعد انتهاء مهلة ال48 ساعة دون التوصل إلى توافق ، مما دفع الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلى إعلان كلمة النهاية لعام من حكم الأخوان المسلمين . وبدأت مصر في 3 يوليو عهدا جديدا وضع أساسه بيان القائد العام للقوات المسلحة بعد أن لبى الجيش نداء الوطن وسقط مرسى والأخوان بالشرعية الدستورية ، وإعلان خريطة المستقبل التي تشمل تعطيل العمل بالدستور ، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية ، ويؤدى اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة ، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية ، وتشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا . وفى 4 يوليو أدى المستشار عدلى منصور اليمين رئيسا مؤقتا للبلاد ، ووجه كلمة للشعب أكد فيها أن ضمان استمرار روح الثورة ينهى إلى غير رجعة عبادة الحاكم التي تخلق منه نصف اله والشعب مصدر السلطات والشرعية للميدان . وفى نفس الوقت ، أمام إصرار جماعة الأخوان المسلمين على تجاهل ما حدث وإنكار أنه يعبر عن إرادة الشعب التي يجب الاستجابة لها، وإذا بهم يعلنون أمام العالم أن هذه المطالب لا تعبر عن الشرعية وأن الشرعية الوحيدة هي في استمرار الوضع على ما هو عليه واستمرارهم في مواقعهم .. ثم أزداد الأمر غرابة وخطرا عندما راحوا يحشدون مؤيديهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة ويحفزونهم للوقوف في وجه أي محاولة للاستجابة لإرادة الشعب صاحب الشرعية الحقيقى والوحيد متجاهلين ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تهديد لأمن الوطن والمواطنين . لقدت فقدت الجماعة صوابها مع فقدها كرسي الرئاسة ، ومركز الحكم والسلطة ، وقررت الانتقام من مصر كلها ، وبدأت بالفعل في شن حرب إرهاب ، وتدمير ضد كل الشعب وإشاعة الفوضى والخراب والدمار في كل أنحاء البلاد عقابا لشعب مصر على رفضهم القبول بحكمها لهم ، فقاموا بعمليات عنف وقتل وترويع وإرهاب في عمق البلاد وأطرافها ابتداء من القاهرة والإسكندرية ، وامتدادا إلى أسوان والفيوم وغيرها من المدن والمحافظات ، ومثال ذلك حادث الحرس الجمهوري الذي وقع في 8 يوليو وتسببت هذه الأحداث في ارتباك المشهد السياسي المصري وتبادل الاتهامات بين مختلف الأطراف ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك جرائم الإرهاب المتكرر والمستمرة في سيناء ومسلسل القتل الغادر الذي يتعرض له الضباط والجنود من رجال الأمن والقوات المسلحة هناك كل يوم ، وما يتم من استهداف واعتداء على رموز سلطة الدولة المصرية في سيناء . ولمواجهة هذا الوضع استجابت الملايين من أبناء الشعب المصري يوم 26 يوليو "يوم الخروج العظيم" لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسى بالتفويض لمواجهة العنف والإرهاب والنزول إلى الميادين للتعبير عن أرادتهم وقرارهم .. لقد كان التفويض رسالة للعالم بأن الشعب هو صاحب القرار ، وأن ماحدث ليس انقلابا عسكريا كما يرى الأهل والعشيرة ومساندي مشروع الإخوان الكبير من الدول الأجنبية .. لقد كانت لحظة فارقة تلك التي وقف فيها قائد الجيش مناشدا الشعب أبداء تأييده لمكافحة الإرهاب الذي يشن عليه من الجماعة الأخوانية الإرهابية والذي بدأ يتخذ شكلا غير مسبوق من حيث استهداف الجماهير العزل والتخطيط علنا للهجوم على الدولة لاختطافها . لقد أحتشد نحو 30 مليونا من المصريين في ميادين مصر رافضين العنف والإرهاب مطالبين القوات المسلحة والشرطة بأداء الواجب وصد الهجمات الإرهابية وردع المحرضين عليها حتى تعود مصر واحة للأمن والأمان يتمتع أبناؤها بالاستقرار ..أن مصر المسالمة الوسطية التعددية لن تكون أبدا حكرا لفصيل يعطى لنفسه القداسة والحصانة والتميز . أستمع العالم لكلمة الشعب المصري وهو يعلن رفضه للعنف والإرهاب ويؤكد قدرته على مواجهة من يحرضون على ارتكاب الجرائم الإرهابية . واستمر الحشد في الميادين ، فالأخوان لايريدون الاعتراف والتسليم بالإرادة الشعبية ، ولابفشل تجربتهم في الحكم ويضعون ثلاثة شروط للاستجابة للمبادرات المطروحة لمعالجة حالة الاحتقان الحادة بينها وبين الدولة وهى عودة الرئيس المعزول لكرسي الحكم ، وإعادة مجلس الشورى المنحل وعودة العمل بالدستور المعطل ، وتدرك الجماعة أن الاستجابة لهذه الشروط مستحيلة وتعلم أنه لايمكن تحدى أرادة الشعب ، بل وتصر عليها بهدف إفشال جميع الجهود وتسعى الجماعة من وراء ذلك إلى الظهور بمظهر المضطهد من جانب سلطة الدولة لعلها تستطيع كسب بعض التعاطف الشعبي . أما على الجانب الأخر يخشى الشعب من أن يتم اختطاف الثورة مرة أخرى إذا غابوا عن الميدان ، وأمام هذا التباعد في المواقف وأمام إصرار البعض على تحويل الخلاف السياسي إلى حرب دينية وجهادية فأن الميادين اكتظت بالملايين وتجمدت الحياة . واستنفذت الدولة كل محاولات التوصل إلى تسوية لفض اعتصامي رابعة والنهضة الذي استمر ستة أسابيع كما فشلت كل الجهود والوساطات والمبادرات الخارجية من أجل إتاحة الفرصة للوصول إلى اتفاق يحافظ على سلامة أبناء الوطن . وتفعيلا للتفويض الشعبي نجحت قوات الأمن في 14 أغسطس في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وأحكام السيطرة على المنطقتين وانتشرت عناصر مؤيدة لجماعة الأخوان المسلمين في مختلف أنحاء البلاد لترتكب العديد من أعمال العنف والشغب أسفرت عن سقوط ضحايا ، وفى مواجهة تصاعد أعمال العنف أصدرت رئاسة الجمهورية قرارا بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد بدءا من 14 أغسطس لمدة شهر ثم مدها شهرا أخر وانتهت في 14 نوفمبر . ولايزال مسلسل العنف والدماء مستمرا وتواجهه مصر بكل قوة وإصرار ، فالجماعة وتنظيمها الدولي مازالت تعيش في جلباب الماضي وتغمض العين عن ثورة شعب حر يسطر تاريخه بكل ثقة واقتدار ، ومازالت تحركها صدمة الخروج السريع من الحكم ولم تتخل بعد عن حلم العودة إلى القصر ، والمحصلة أن الجماعة فقدت البصر والبصيرة معا لمائة عام مقبلة وهو مايفسر ذلك الانغماس المرعب في الإرهاب بكل أبعاده وآلياته البغيضة وعبر إرهاب الجماعة عن نفسه ، في مسيرات الترويع للمصريين وفى قطع الطرق ، وفى الاعتداء الخسيس على الكنائس وحرق حوالي 26 كنيسة في أكثر من مدينة وقرية ، والهجوم المسلح على 23 قسم شرطة وقتل الجنود والضباط في بعضها وسحل جثثهم كما حدث في قسم شرطة كرداسة في واحدة من أحقر العمليات الإرهابية للجماعة ، وحرق منشآت عامة كمباني ومقار المحافظات كما حدث في مبنى محافظة الجيزة وحرق وزارة المالية والتحصن في المساجد المختلفة وتخزين الأسلحة فيها والتبشير باغتيال لبعض الشخصيات العامة ، وفشلت الجماعة في الحشد بالشارع فتحولت بحربها الآن إلى الجامعات فلم تكن أعمال التخريب التي شهدتها جامعة الأزهر غضبة طلاب أرادوا التعبير عن رأيهم ولكنها كانت حربا شنتها جماعة التخريب لوقف العملية التعليمية في أعرق جامعات مصر والعالم العربي والأسلامى ، بهدف تصدير صورة للعالم الخارجي بأن الحياة متوقفة في مصر ، وذلك غير ما يحدث في سيناء من تجييش للإرهابيين والمرتزقة لمواجهة الجيش والشرطة وترويع أهالي سيناء ..ومع ذلك فقد نجحت العملية العسكرية التي تقودها القوات المسلحة في سيناء وحققت نجاحات كبيرة على الأرض حيث تم حل 60% من أجمالي حجم المشكلة ومازالت القوات والشرطة ينفذون خطتهم للقضاء على الإرهاب فحجم مادمر من الأنفاق كبير بلغ حوالي 1100 نفق خلال الفترة الماضية إلا أنه يتبقى بضع مئات يجرى تدميرها بالغمر بالمياه ، كما تم تدمير حوالي 65 بيارة وقود كانت تؤثر على احتياجات المواطنين من الوقود ، وتم تطهير حوالي 300 كيلو متر من العناصر الإرهابية والتكفيرية في منطقة رفح والشيخ زويد .. لقد باتت ساعة اقتراب إعلان تطهير سيناء من الإرهاب وتحويلها إلى منطقة نظيفة وآمنة قريبة جدا لاستعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة الغالية . ويساند الشعب المصري جهود القوات المسلحة والشرطة في استئصال جذور الإرهاب من سيناء والتي ساهم للأسف الرئيس المعزول محمد مرسى في توفير المناخ الأمن لهم ، فبعضهم أخرجهم من السجون من خلال قرارات الإعفاء وذلك لمساندة حكمه. إن هذه الحرب الإرهابية على مصر وشعبها أنهت أسطورة الجماعة الإسلامية المعتدلة ، وأكدت أن الجماعة هي منبع الإرهاب الديني في مصر والعالم ، لقد بات واضحا جسامة الجريمة التي أرتكبها المعزول وجماعته في حق مصر وشعبها ، عندما فتحوا الباب واسعا أمام عصابات الإرهاب وجماعات التطرف كي تأتى من كل مكان لتستوطن في سيناء وتحولها إلى بؤرة سرطانية تنفث سمومها في البلاد بطولها وعرضها ، فهذه الحرب الإرهابية على مصر وشعبها أنهت أسطورة الجماعة الإسلامية المعتدلة ، فمنذ الإطاحة بهم من الحكم ينكرون أنهم يمارسون عنفا أو إرهابا ويتهمون الشرطة بالإفراط في استخدام القوة ضدهم ، ولكن الآن لم يعد الأخوان يكترثون كيف ينظر العالم لهم قدر اهتمامهم بإنقاذ جماعتهم واسترداد حكمهم بكل الطرق والسبل وعلى رأسها الإرهاب ، ولن يخضع الشعب المصري لمثل هذه الممارسات الإرهابية التي اتخذت في الأيام الأخيرة منحنى تصاعديا ، بل إنها زادت الشعب إصرارا على لفظها ومطاردة متطرفيها وإرهابييها . ووسط ضباب الأزمات ودخان الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب تلوح في الأفق بارقة أمل جديد ، فالمشهد السياسي يبشر بمستقبل أفضل ويبشر بالخير للمصريين جميعا ، ففي الأول من ديسمبر قطعت مصر خطوة مهمة حيث أنجزت لجنة الخمسين بعد مناقشات عاصفة مشروع الدستور الجديد/ دستور 2013 / الذي يحمل رسالة توافق عملا وقولا ، وانجازه خطوة مهمة على أول طريق الديمقراطية ، وجاءت في الإطار الزمني الذي حددته خارطة المستقبل المتوافق عليها من كافة القوى السياسية والمجتمعية . إن مشروع الدستور الذي سيجرى الاستفتاء الشعبي الحر عليه يومي 15 و16 يناير القادم سيحدد عند الموافقة عليه كيفية إعادة بناء مؤسسات الدولة كي تنطلق في تحمل مسئولياتها وتمارس دورها في دفع العمل الوطني ..إن هذا الدستور الجديد يؤسس لمجتمع مزدهر ومتلاحم يفتح الأفاق إلى المستقبل أمام الشعب المصري ، وربما يكون واحدا من مأثر الدستور الجديد أنه أعاد الأمل لدى جموع المصريين بأن الوفاق الوطني ليس مطلبا متعذرا أو مستحيلا . ومازال الشعب المصري على موعد مع باقي استحقاقات خارطة المستقبل ليؤكد للعالم انه أنقذ التاريخ، ومازال هو الشعب المصري الذي بني أجداده مجد الحضارة الإنسانية .