زاره أحد أصدقاؤه يوما في منزله بالفسطاط، فسأله عن الأوراق (الصحيفة) التي يضعها دائماً تحت وسادته.. وتتنقل معه أينما ذهب.. فرد عليه عبدالله بن عمرو بن العاص.. انها الصادقة.. بها الف حديث شريف، سمعتها من رسول الله في سروره وغضبه.. وبعضها سمعتها بيني وبينه ولم يكن بيننا إلا الله.. وقد أستأذنته في تسجيلها (كتابتها) فأذن لي... من الصادقة.. كانت أحاديث بن عمرو، لأهل مصر، في درس علمه بمسجد الفسطاط والذي حافظ عليه طوال فترات تواجده في بها سواء في ولايتي والده عمرو بن العاص (21- 24ه) في خلافة عمر بن الخطاب و(37- 43ه).. في خلافة معاوية.. أو في الإسكندرية، عندما ذهب إليها مشاركاً في قوات المرابطين هناك لحماية حدود الدولة، بعد وفاة والده 43ه والصادقة.. هي التي قال فيها أبوهريرة، أشهر رواة أحاديث رسول الله.. ما أحفظ لحديث رسول الله مني، إلا عبدالله بن عمرو.. فإني كنت أعي بقلبي، وكان يعي بقلبه ويكتب.. وكنت لا أكتب. وهي أيضا التي قال فيها عبدالله بن عمرو نفسه.. إذا ما سلم لي كتاب الله (القرآن).. وهذه الصحيفة (الصادقة).. لم أبال ما صنعت الدنيا. وهي التي روي منها حديث للرسول، عن فتنة، القاعد فيها خير من الواقف.. فلما بدأت الفتنة بقتل عثمان (35ه)، ثم صراع علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، علي الخلافة (35- 40ه) واشتراك عبدالله بن عمرو في معركة صفين (37ه)، ضد قوات الإمام علي.. ثم مجيئه مع والده لمصر من جديد عام 37ه.. جلس يروي للناس أحاديث رسول الله كعادته.. فاعترضه أحدهم موضحاً.. أنه سمع منه الحديث، وصدقه.. لذا عندما بدأت الفتنة أغلق علي نفسه باب منزله، لا يخرج منه إلا لأداء الفريضة في المسجد حتي انجلت الغمة.. فما باله بن عمرو، وهو راوي وكاتب هذا الحديث لا يعمل به ويشارك في القتال في صفين؟! رد عليه بن عمرو.. أن والده اشتكاه يوماً لرسول الله (وكان عبدالله في صباه) بأنه يقوم الليل ويصوم النهار، بما يجهد نفسه.. فأمسك الرسول بيد عبدالله، ووضعها في يد أبيه وقال له أطع آباك ما دام حياً.. وفي صفين، أقسم عليه والدي، بالمشاركة.. فرفضت، فذكرني بالحديث، فأمتثلت لأمر والدي وحملت رايته.. لكني ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم. هو الابن الأول للصحابي عمرو بن العاص وبعده (محمد)..، كان اسمه قبل إسلام (العاص).. فسماه الرسول عبدالله.. و قد أسلم (في سن 14).. .. وقد صحب النبي حوالي 3 سنوات.. تعلم منه وكتب عنه. كان يري ضرورة تمتعه بقوته وشبابه من العبادة لله.. فأقسم أن يصوم الدهر، ويقوم الليل ولا يقرب النساء.. وتبعه عشرة من شباب الصحابة.. فذهب إليهم رسول الله.. يقول لهم... "لا تشددوا علي أنفسكم، فيشدد عليكم الله".. وأمرهم بالصوم والإفطار وقيام الليل والراحة، والتزوج من النساء.. لأن لبدنك عليك حق.. ولأهلك عليك حق.. فجادله عبدالله طويلا.. حتي وصل مع رسول الله إلي قراءة القرآن كاملاً كل عشرة أيام (ثلاثة أجزاء كل يوم) وأن يصوم يوماً ويفطر يوماً كصيام النبي داوود. وقد عاد بعد ذلك بحوالي 60 عاماً وهو في سن 67 عاماً، عندما بلغ المشيب يردد ليتني كنت امتثلت لرخصة رسول الله.. وعاد يؤكد.. لكن لا أضع فريضة فرضها علي رسول الله، وحافظ علي نظامه طوال حياته. تولي عبدالله بن عمرو، ولاية مصر، ثلاثة مرات، اثنين منهما نيابة عن والده.. الأولي عام 22ه عندما سافر والده إلي المدينة للقاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، والثانية عام 23، عندما سافر أيضاً لمتابعة أمور مقتل عمر بن الخطاب ثم لقاء الخليفة الجديد عثمان بن عفان (23- 35ه).. أما الثالثة فكانت عام 43ه عقب وفاة والده، ويروي أنه في عام 24ه، وكان والده في المدينة.. التقي يوماً، في صلاة الفجر في مسجد عمرو مع عبدالله بن سعد بن أبي سرح، شقيق عثمان بن عفان في الرضاعة ووالي الصعيد، الذي جاءه الأمر بعد صلاة العشاء في الليلة السابقة، بتوليته إمارة مصر، فجاء مبحراً في النيل ليلا ليصلي بالناس صلاة الفجر، ويعلن الخبر، في نفس الوقت الذي دخل فيه عبدالله بن عمرو المسجد، ليصلي بالناس نيابة عن والده.. وحدث بينهما حوار حاد.. قال فيه عبدالله، للوالي الجديد.. ان ما حدث هو نتيجة دسائسه ضد أبيه عند أمير المؤمنين، فرد عليه الآخر بل إنه تحاسده وأبيه له.. لكنه في النهاية عرض على عبدالله ولاية الصعيد.. وأن يولي والده عمرو بن العاص، ولاية الدلتا، لكن الاثنين رفضا.. وتركا مصر، ليقيما في عسقلان بالشام حيث تجارتهم وأراض زراعية لهم هناك، حتي بدأت فتنة عثمان (35ه).. وصراع علي ومعاوية (35- 40ه) فظهر عمرو في الأحداث.. ومعركة صفين، ثم التحكيم.. ثم عاد عمرو إلي مصر عام 37ه. في إحدي حجاته.. دعته السيدة عائشة لتسمع من صحيفته بعض أحاديث رسول الله. تزوج عبدالله مرتين.. الأولي من بنت محمية بن جزء الزبيدي، وهو صحابي، جاء لفتح مصر وأقام بها.. وكان أصلا خازن بيت مال المسلمين لرسول الله، ثم لأبوبكر ولعمر بن الخطاب وهو أيضاً شقيق أم الفضل زوجة العباس، عم النبي.. والذي اختار رسول الله ابنته صفية، ليزوجها إلي الفضل بن العباس، ودفع الرسول مهرها.. (وهي بذلك ابنة خال الفضل).. ولا أدري إن كانت بنت محمية هذه، هي صفية، أرملة الفضل الذي مات في طاعون عوميرس بالشام عام 18ه.. أم شقيقة لها، وقد أنجب منها ولدا واحداً اسمه محمد. وقد تزوج من أم هشام الكندية، وأنجب منها أربعة أولاد وثلاث بنات عندما عزل معاوية، عبدالله عن ولاية مصر، بعد وفاة والده 43ه، سكن عبدالله الإسكندرية (مرابطا) وبقي بها حتي موت معاوية 60 ه.. لكنه رفض البيعه إلي يزيد بن معاوية (60- 64ه).. وكان علي ولاية مصر مسلمه بن مخلد.. وكان آنذاك يقيم أيضا في الإسكندرية فأمر قائد شرطة بحرق باب منزل عبدالله... الذي فهم الرسالة.. فبايع. تولي عبدالله بن عمرو، أيضاً، ولاية قيسارية الشام عام 20 ه لفترة بسيطة في خلافة عمر بن الخطاب.. كما تولي ولاية الكوفة عام 41 ه.. كان عبدالله، يجيد الكتابة والقراءة باللغة العربية والسريانية..و يقرأ التوراه بها و يحج ومعه 003راحلة، مائة منها لأهله وعبيده والباقي لضيوفه أو من الحجاج الذين بلا راحلة.. فضلا عن الطعام. ومات في الفسطاط في 17 ذي الحجة 65 ه يوم دخول مروان بن الحكم لمصروفي هذا اليوم قام مروان بقتل 80 زعيماً من قبيلة المعافير اليمنية التي قاومت دخوله بشراسة ورفضت نقض بيعه بن الزبير، وكان آخرهم زعيمهم الأكدر بن حمام، الذي هاج بسببه 30 ألف جندي بسيوفهم، لم يحمي مروان منهم، ألا تأييد كريب بن أبرهة له وكان زعيما له كلمة سمعتها الجند.. في هذه الاضطرابات مات عبدالله بن عمرو في بيته ولم تستطع أسرته دفنه، فدفن في منزله .. واستمر كذلك حتي عام 133ه، عندما جاء العباسيون لمصر، فقاموا بتوسعة المسجد، وضموا له المنزل الملاصق، فأصبح مقام وضريح عبدالله بن عمرو داخل المسجد حتي الآن..