هل يمكن أن تعيش امرأتان في قلب رجل واحد؟! هل يمكن أن تكون إحداهما رئته التي يتنفس بها، والأخري قلبه الذي ينبض بالحياة؟! هل يمكن أن تكون إحداهما سفيرا للماضي الجميل والأخرى عنوانا للحاضر اللذيذ.. أما المستقبل السعيد فيعتمد على الإثنين معا في وجدان ومشاعر هذا الرجل؟! عموما.. قضية سماح وكمال أمام محكمة الأحوال الشخصية كانت تبحث عن إجابات لكل هذه الأسئلة! الغريب والمؤسف أن معظم قضايا الأحوال الشخصية تكون بدايتها غالبا قصة حب رائعة، مثلما كان الحال في قضية الحسناء طاغية الأنوثة سماح ورجل الأعمال الوسيم الثري كمال.. حب جنوني جمع بين قلب خريجة الجامعة الأمريكية التي تحظى بوظيفة مرموقة في إحدى السفارات الأجنبية، ورجل الأعمال الشاب الذي لا تتوقف طموحاته عند حد أو سقف فانطلق بسرعة الصاروخ بين رجال الاقتصاد حتى ظهرت سماح وانفتح أمامها قلبه فدخلت، وحكمت، وتحكمت، وسيطرت! اتفقا على الزواج بعد أن صارح كل منهما الآخر بالملف السري لحياته الشخصية والخاصة، لم تكن صفحة الماضي في حياة سماح تحمل غير نقطة ضعف وحيدة، تعلقها بأبيها الوزير الأسبق تعلقا لم يسمح لحب آخر بالتسلل إلى قلبها، فهي الابنة الوحيدة والمدللة التي لم تشعر يوما بالحاجة إلى رجل يكشف آبار أنوثتها وكنوز جمالها! أما كمال فلم يكن في حياته سوى حب وحيد.. حب كاد أن يدمر حياته حينما رفض أبوه المليونير المعروف زواجه من نسرين، لتواضع المستوى الإجتماعي لعائلتها، وكانت غلطة عمر كمال حينما استجاب لضغوط أسرته وترك مصر مهاجرا إلى أوروبا، لكن سرعان ما فارق أبوه الحياة بعد أربع سنوات، فعاد كمال إلى مصر يبحث عن نسرين التي كان حبها مازال يجري في دمه، ذهب إلى منزلها فلم يجده ولم يجدها.. أخبروه أنه تم إخلاء المنزل من سكانه بعد أن تصدعت كل جدرانه، الجيران في الحي الشعبي القديم يعرفون بعض العناوين الجديدة لسكان المنزل الحزين، وعناوين أخرى من بينها عنوان أسرة نسرين لم تعد معروفة! بحث عنها كمال كالمجنون في مساكن الإيواء والمحافظة والمقابر والعشش الخشبية دون جدوى، فقرر العودة إلى أوروبا من جديد واستثمار ميراثه هناك، لولا هذه الصدفة السعيدة التي جمعت بينه وبين سماح فكان الحب الكبير. وافقت سماح على الزواج من كمال بعد أن صارحته بأنها بقدر شعورها بالإحترام لحبه لنسرين، إلا أنها تشعر بالغيرة منها، وعزاؤها الوحيد أنها أصبحت مجرد ذكرى في حياة الرجل الذي استبد بها هواه ووافقت أن تسلمه نفسها على يد المأذون! أخيرا.. عاش كمال وسماح تحت سقف واحد.. زواجا ناجحا كان فاتحة خير على رجل الأعمال وتجارته واسمه الذي زاد لمعانه وبريقه! أنجبا ثلاث بنات وعاشت الأسرة أجمل سنوات عمرها داخل القصر الرائع بإحدى المدن الجديدة ومن حولها الحدائق الغناء وحمام سباحة أسطوري وشلالات صناعية جعلت المكان كأنه قرية طبيعية تضاف إلى حكايات ألف ليلة وليلة.. لكن هل تبقى الدنيا على حال؟! بعد خمسة عشر عاما من الزواج دخلت إحدى السكرتيرات على كمال في مكتبه وهي تلهث وتقسم أنها شاهدت بالأمس ما لم تصدقه عيناها.. واستطردت السكرتيرة تروي أنها كانت تشتري بعض المشتريات من شركة عمر أفندي ففوجئت بمديرة الفرع وقد وضعت على مكتبها الصغير صورة لكمال داخل برواز صغير ظهره لزوار المكتب وواجهته أمام مقعد المديرة! لم يجتهد كمال لمعرفة سر هذه الموظفة التي تحتفظ بصورته، دق قلبه بعنف غادر مكتبه بسرعة.. اتجه إلى فرع الشركة.. وقف عن بعد يرقب ملامح مديرة الفرع.. صدق توقعه.. حبس دموعه.. إنها نسرين بشحمها ولحمها.. لم تستطع كل هذه السنوات أن تطمس سحر شعرها الأسود الناعم الطويل ولا جمال ملامحها.. وجهها يبدو كأنه البدر يطل على الدنيا من داخل هذا المكتب الصغير نفس الشعور الذي كان يسيطر عليه حينما كان يري نسرين منذ خمسة عشر عاما.. الليل يسكن شعرها الفاحم وهو يسترسل خلف ظهرها، والنهار يشرق من وجهها دون أن تستخدم المساحيق أو مستحضرات التجميل! الشىء الذي لم يعرفه كمال حتى الآن كيف تسربت كل أسراره إلى سماح، وكيف تابعت أدق تفاصيل اللقاء الأول بينه وبين نسرين، حتى تم زواجه منها سرا من خلف ظهر سماح التي سارعت إلى محكمة الأحوال الشخصية تطلب الخلع بعد أن رفض كمال أن يطلقها، وأصرت أن تتحدث إلى محاميها، وكانت مرافعتها مفاجأة للقاضي وكمال وكل من حضر الجلسة وقالت سماح: ".. اعترف أني أحب زوجي حتى هذه اللحظة وأعترف أنه مازال يحبني ويحب نسرين أيضا ويريد أن يعوضها سنوات عاشتها مقهورة ورفضت خلالها أن يلمسها رجل آخر حتى تموت عذراء أو يظهر كمال من جديد! وصلتني أخبارها وأخباره، وحققتها بحياد تام لأنها قضيتي أنا أولا وأخيرا مع احترامي لهيئة المحكمة.. لهذا لم أطلب من كمال أن يطلق نسرين حتى لا أقتلها مرة أخرى بعد أن قتلتها ظروف الماضي وحرمتها من كمال.. أنا أعرف أنه يحتاجها قدر ما يحتاجني، لكن شيئا ما لم يعد في يدي لقد كنت أتابع وأشاهد لقاءاتهما مثلما كان الأمريكيون يتابعون ويشاهدون انهيار برجي مركزي التجارة العالمي في أحداث سبتمبر! أعترف مرة أخرى أني أحب كمال بكل عواطف النساء فوق الأرض، لكنني أريد أن يستمر هذا الحب وأنا امرأة كاملة السيادة، فقد تعودت منذ صغري أن أشيائي لا يجب أن يشاركني فيها أحد! وأقسم لكم أنه حتى لو اختار كمال أن يطلق نسرين فلن أرجع إليه مرة أخرى لأن شبح نسرين سيظل يطاردني مدى الحياة ويجعلني ضعيفة وأنا امرأة تكره الضعف والخوف والأشباح! أصرت سماح على موقفها وفشلت كل محاولات كمال ونسرين لمصالحتها.. وفي النهاية قضت لها المحكمة بالخلع.. ترك لها كمال جزءا كبيرا من ثروته وانتقل للحياة مع نسرين بالإسكندرية بعد أن اختفى بريق عينيه! وعادت سماح إلى القصر لتعيش مع بناتها.. لكن القصر لم يعد قصرا.. ولا الحدائق.. ولا الشلالات.. شيء ما انكسر في قلب الزوجة الباكية!