تصدر غداًالمحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار ماهر البحيري حكمها في دعاوي حل مجلس الشوري والجمعية التأسيسية للدستور وإلغاء قانون الطوارئ كما تصدر المحكمة في نفس الجلسة حكمها فى دعوى عدم دستورية البند (1) من المادة (3) بالقانون رقم (162 لسنة 1958) بشأن حالة الطوارئ، ويجري نصها على أنه »للرئيس متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، وله على وجه الخصوص طبقا للبند المطعون عليه وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام، واعتقالهم والترخيص بتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية«. وكانت المحكمة العليا قد تسلمت تقريين من هيئة المفوضين الأول بشأن قضية مجلس الشورى أعده المستشار عوض عبدالحميد، الرئيس بهيئة المفوضين، وجاء فى 80 صفحة، حيث عرض كل الاحتمالات الممكنة قانونا وفى النهاية أوصى أصليا بعدم قبول الدعوى بسبب غياب مصلحة المدعى فى إعادة انتخابات مجلس الشورى، بسبب تحصين مجلس الشورى بمادة فى الدستور الجديد، واحتياطيا برفض الدعوى بسبب تضمن الدستور الجديد مادة تبقى مجلس الشورى الحالى بتشكيله الحالى عاملا بسلطات مجلس النواب لحين انتخاب مجلس النواب الجديد. وتؤدى التوصيتان إلى نتيجة واحدة وهى شرعية استمرار مجلس الشورى وعدم حله. وأكد التقرير أنه ورغم الخلاف حول شرعية إصدار رئيس الجمهورية الإعلان الدستورى المؤرخ فى 21 نوفمبر 2012، والذى نص على حظر حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية على أى جهة قضائية، فإن الدستور الحالى الذى بدأ العمل بأحكامه منذ 25 ديسمبر 2012 لم يترك مجالا لبحث شرعية هذا الإعلان أو أى إعلان دستورى آخر صدر من المجلس العسكرى أو الرئيس محمد مرسى قبل سريان الدستور. وأضاف التقرير أن المادة 236 من الدستور الجديد ألغت هذه الإعلانات المشار إليها وأبقت آثارها المترتبة فى الفترة السابقة، حيث رأت السلطة التأسيسية التى أقرت الدستور والتى تعلو إرادتها على كافة سلطات الدولة أن تبقى على هذه الآثار نافذة لتحصينها، دون الخوض فى صحة ما قررته هذه الإعلانات أو التحقق من مدى التزامها بضوابط الشرعية الدستورية. وأوضح التقرير أن المبادئ السابقة من المحكمة الدستورية العليا وتحديدا الحكم الصادر بجلسة 5 فبراير 1994 برئاسة المستشار د.عوض المر قد نص على أن «الدستور، وسواء كان قد بلغ غاية الآمال المعقودة عليه فى مجال العلاقة بين الدولة ومواطنيها، أم كان قد أغفل بعض جوانبها أو تجنبها، فإنه يظل دائما فوق كل هامة، معتليا القمة من مدارج التنظيم القانونى، باعتبار أن حدوده قيد على كل قاعدة تدنوه بما يحول دون خروجها عليها، وهو ما عقد للدستور السيادة كحقيقة مستقر أمرها فى الوجدان والضمير الجمعى». وأشار التقرير إلى أن تنفيذ هذه المبادئ يؤكد أن مجلس الشورى الحالى لم يعد قابلا لأن يكون محلا للطعن أمام أى جهة قضائية، وأن الحصانة الدستورية التى كفلتها السلطة التأسيسية لمجلس الشورى الحالى باستمرار تحصينه وإكساب آثار الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر حماية قانونية، هى حصانة نهائية، وأن المحكمة الدستورية العليا لا تملك التصدى لموضوع الدعوى، وبالتالى يرجح التقرير الحكم بعدم قبولها. أما التقرير الثانى بشأن قضية الجمعية التأسيسية فقد أعده المستشار د.طارق محمد عبدالقادر، عضو هيئة المفوضين، وجاء فى 122 صفحة وأوصى أصليا بانقضاء الدعوى وانتهاء التقاضى فيها، بقوة المادة 236 فى الدستور الجديد التى حصنت الآثار المترتبة على الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر 2012، ومنها انقضاء جميع الدعاوى المقامة بشأن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، ومنع أى جهة قضائية من حلهما. وفى حيثيات هذه التوصية رجح التقرير ذات ما اتجه إليه التقرير الآخر بأن الدستور الجديد لم يترك مجالا للقضاء ليبسط رقابته على الإعلانات الدستورية التى أصدرها الرئيس محمد مرسى، لأن المحكمة الدستورية العليا لا تملك إمكانية مراقبة هذه الإعلانات، ولا تملك مراقبة النصوص الدستورية التى تخرج أيضا عن مجال ولايتها التى تنحسر فى القوانين واللوائح فحسب. وأوضح التقرير أن موقف المشرع الدستورى من تحصين القرارات والقوانين ليس بدعة فى الفكر القانونى الدستورى، إذ سبق للمحكمة العليا التى كانت قائمة قبل إنشاء المحكمة الدستورية، أن أقرت العديد من التشريعات المخالفة للمبادئ المقررة فى دستور 1971 استنادا إلى المادة 191 من دستور 1956 التى نصت على تحصين جميع القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة والقوانين التى تتصل بها أو صدرت مكملة أو منفذة لها. إلا أن التقرير أفرد فى هوامشه عدة ملاحظات مهمة من بينها أنه من المرغوب فيه أن يأتى عمل السلطة التأسيسية للدستور معبرا بصدق عن رغبات الشعب، ويقرر الفقه الدستورى فى هذا السياق أنه لا جزاء على مخالفة السلطة التأسيسية لرغبة الشعب، إلا إذا تولد رد فعل فى نفوس أفراد المجتمع مما قد يؤدى لإسقاط الدستور بطريق سلمى أو ثورى. مشددا فى الوقت نفسه على أن إرادة السلطة التأسيسية بتحصين الإعلان الدستورى تعلو على كافة سلطات الدولة. أما التوصية الاحتياطية للتقرير فجاءت ببطلان المادة الأولى من قانون الجمعية التأسيسية رقم 79 لسنة 2012، والتى تنص على إسناد اختصاص الرقابة على اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية إلى المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها من القوانين والقرارات البرلمانية، حيث تضمن التقرير بحثا كاملا حول صحة حكم محكمة القضاء الإدارى، وما إذا كان قرار تشكيل الجمعية التأسيسية يجوز الطعن عليه من عدمه. حيث فسر التقرير المادة 60 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 بأنها نصت على أن الشعب يفوض نوابه الذين انتخبهم لمجلسى الشعب والشورى فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، وأن هذا التفويض الذى يعبر فى حقيقته عن نظام انتخاب غير مباشر، يختلف تماما عن نظام الانتخاب المباشر الذى لم تأخذ به لجنة التعديلات الدستورية التى ترأسها المستشار طارق البشرى فى فبراير 2011، خاصة وأن المستقر عليه فى الفقه الدستورى أن حق الانتخاب يقوم على سلطة قانونية مقررة للناخب، لا لمصلحته الشخصية، بل لمصلحة المجموع. وأضاف التقرير أن عملية الانتخاب التى مارسها الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، تعبر عن الصفة التمثيلية التى منحها الشعب لهؤلاء بموجب المادة 60، كما أنها ليست عملا برلمانيا بالمعنى المفهوم لأن السلطة التأسيسية لهذا النص لم تشأ أن تشرك البرلمان فى وضع الدستور، بل فوضت فقط الأعضاء المنتخبين بصفاتهم النيابية فى انتخاب جمعية خاصة ذات وكالة محدودة لوضع الدستور، أى أنه ليس عملا برلمانيا على الإطلاق، كما أنه ليس عملا إداريا، بل هو عمل دستورى، مما يخرجه عن ولاية القضاء بصفة عامة، ولا يجوز الطعن عليه. ولم يكتف التقرير بذلك، بل تعرض أيضا إلى النواحى الموضوعية فى القانون 79 لسنة 2012 بشأن معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، مشيرا إلى أنه يعبر فى حقيقته عن تدخل من السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الشعب فى عمل هيئة ناخبى الجمعية التأسيسية المحددة دستوريا وهى الأعضاء غير المعينين بمجلسى الشعب والشورى، مؤكدا أنه ليس من حق أى شخص أو سلطة أخرى فرض معايير لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية غير هيئة الناخبين المفوضة من الشعب. وأكد التقرير أن المادة الأولى من هذا القانون باطلة لما تضمنته من اعتبار تشكيل الجمعية التأسيسية قرارا مثل باقى القوانين والقرارات التى تصدر من المجلس التشريعى، تخضع لرقابة المحكمة الدستورية العليا، لأنه فى الحقيقة عمل دستورى يخرج عن اختصاص رقابة أى جهة قضائية، وأن هذا العواء يهدم بنيان التدخل التشريعى لهذا القانون من أساسه، وقد يكون كفيلا بإسقاط القانون بالكامل. وحول سلامة إجراءات إصدار هذا القانون قال التقرير إن الثابت من الأوراق صدور هذا القانون من مجلس الشعب قبل الحكم بحله، وانقطاع صلته به واتصاله بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم وقتها تمهيدا لإصداره، إلا أن المجلس العسكرى لم يصدر القانون ولم يعترض عليه، مما يؤكد أن إجراءات صدوره ليست مرتبطة البتة بحكم حل مجلس الشعب. وبالنسبة لمدى سلامة إصدار القانون من الناحية التشريعية أكد التقرير أن رئيس الجمهورية بانتخابه وتوليه سلطاته قد تسلم سلطة إصدار القوانين من المجلس العسكرى، الذى تولى السلطة التشريعية بدلا من مجلس الشعب بعد صدور الحكم بحله، ولم يقم المجلس العسكرى بعرض هذا القانون على رئيس الجمهورية أو الاعتراض عليه، مما يؤكد صحة اتخاذ رئيس الجمهورية قراره بإصدار هذا القانون، طالما لم تعدل عنه سلطة التشريع ممثلة فى مجلس الشعب حتى 14 يونيو أو المجلس العسكرى بعد 14 يونيو. ويؤيد التقرير فى خلاصته ما سبق وصرح به المستشار طارق البشرى فى تصريحات مختلفة ل«الشروق» العام الماضى عقب صدور حكم محكمة القضاء الإدارى بحل الجمعية التأسيسية الأولى، من أنه لا قيود على اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، سواء باختيارهم من داخل هيئة الناخبين أو من خارجها، وأنه ليس عملا من الأعمال الإدارية التى يمكن للقضاء وقفها أو الحكم ببطلانها.