اهتمت الصحف الفرنسية المختلفة، الصادرة الثلاثاء 21 مايو، علي المواقع الالكترونية برصد تحركات حزب الله اللبناني داخل الأراضي السورية وإقحام نفسه ولبنان في الصراع السوري الدامي المستمر منذ عامين بين النظام السوري والمعارضة. وذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية -نقلا عن مصادر في المعارضة السورية- ان حزب الله اللبناني -حليف نظام الرئيس السوري بشار الأسد- تكبد خسائر فادحة إذ قتل أكثر من20 عنصرا من هذا الحزب الشيعي وجرح أكثر من 70 آخرون على الأقل خلال يومين من المعارك المستمرة منذ الاثنين الماضي في مدينة القصير بمحافظة حمص وسط سوريا بعد ان اقتحمتها القوات النظامية بدعم من حليفها اللبناني. وقالت الصحيفة الفرنسية انه إذا أكدت مصادر رسمية هذه الأنباء فان هذا الوضع سيكون بمثابة تحول خطير من الممكن ان يلقى بظلاله السلبية على حزب الله .. فعلى أي حال تدل الخسائر التي أعلنتها المعارضة على ان حزب الله يقحم نفسه بشكل متزايد في الصراع السوري لمساندة نظام الأسد. وكان رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد أن عناصر حزب الله اللبناني تشارك إلى جانب القوات النظامية في الخط الأمامي للقتال في مدينة القصير –معقل المعارضة السورية- قائلا ان هذه العناصر هي من قادت هجوم الأحد الماضي ما أسفر عن مقتل 23 من بين صفوفها. وأوضح طارق مورى ناشط من سكان هذه المنطقة، ان قوات الحكومة يدعمها حزب الله "توغلت داخل القصير تحت ستار غارات كانت شنتها على المدينة لكنها انسحبت الآن -من حيث بدأت في الأساس- إلى نقاط أمنية شرقي القصير ووضعت متاريس على الطريق إلى الجنوب بعد ان فشلت في السيطرة على المدينة". وقال هذا الناشط ان قاذفات الصواريخ المتعددة التابعة لحزب الله بجانب المدفعيات السورية قصفت القصير من الأراضي السورية إلى الغرب من نهر العاصي". وأفادت "لوفيجارو" الفرنسية بان المعارك في هذه المدينة -30 ألف نسمه- لا تزال استمرت حتى مساء أمس ... إلا أن النظام السوري كان يحمل رؤية مختلفة عن المعارضة في هذا الصدد. ففي المقابل أكدت الحكومة السورية أنها استطاعت فرض سيطرتها مجددا على معظم المناطق في القصير واستعادتها من قبضة المعارضة المسلحة .. إذ أوضحت وكالة الأنباء "سانا" الرسمية أن "القوات المسلحة أعادت الاستقرار في القصير كما نجحت في بسط الأمن في معظم أنحاء المدينة". وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتجلى فيها بهذا الشكل الواضح تورط حزب الله اللبناني في الصراع السوري .. إذ لم يسبق له وانه خسر هذا العدد الكبير من بين صفوفه. وكان حسن نصر الله -الأمين عام حزب الله اللبناني- اعترف نهاية أبريل الماضي بتدخل عناصر مقاتلة للحزب في سوريا مؤكدا ان قادة الحزب شاركوا في دفن العديد من مقتلي حزب الله في لبنان. وعن الأدلة الأخرى على تورط حزب الله في الصراع السوري يرى سلام كواكبى نائب مدير مركز "المبادرة الإصلاح العربي " أن قرار حزب الله بتعزيز الجيش السوري بقوة إضافية مساندة يظهر مدى انتصار الاتجاه الإيراني داخل هذا الحزب اللبناني .. فقد نجح حسن نصر الله في تحويل حزبه إلى مجرد ذراع عسكري يعمل لصالح إيران في المنطقة". وقال هذا الخبير السياسي السوري إن أنصار هذا الاتجاه الإيراني -الذين يساندون إيران عسكريا في دعمها لحكومة الأسد- تغلبوا على أنصار الاتجاه اللبناني". وأوضحت "لوفيجارو" أن أنصار الاتجاه اللبناني داخل حزب الله يفضلون الابتعاد عن دعم نظام سوري يذبح شعبه خشية رد الفعل العنيف من الرأي العام للبناني .. وهم يرون ان حزب الله لا يتعدى كونه حزبا سياسيا لبنانيا يجب ان يهتم فقط بالتحضير للمنافسة في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في لبنان يونيو المقبل. ويعتقد أنصار هؤلاء التيار القومي داخل الحزب أن أي خطأ في الاستراتيجية التي ينتهجها حزب الله في الشأن السوري قد يكلفه غاليا في الانتخابات القادمة نظرا لان أصوات الغاضبين في المناطق الشيعية في لبنان بدأت ترتفع بعد ان تضاعفت إعداد قتلى الحزب العائدين من سوريا. وأكد كواكبى نائب مدير مركز "المبادرة الإصلاح العربي " - ان هزيمة حزب الله في سوريا قد تؤثر سلبا على قوة الحزب فيتراجع لصالح منافسيه من الأحزاب اللبنانية الأخرى، وقال "ان تورط حزب الله إلى جانب القوات النظامية في الهجوم على سوريا يذكرنا بما حدث في لبنان عام 2008". واختتمت "لوفيجارو" مقالها بالإشارة إلى أن حسن نصر الله بذل قصارى جهده لكسب رهان نجاح نظام الأسد في الصمود أمام المعارضة .. إذ تعتبر مشاركة مليشيات حزب الله التي تمدها إيران بأسلحة -حتى وان كان عددها محدود- هو بمثابة قوة جديدة تضاف إلى الجيش السوري المنهك بعد مرور سنتين على هذا الصراع. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن البعد الجغرافي أيضا يفسر الأسباب وراء مشاركة حزب الله في معاركة القصير .. فالنظام السوري يسعى إلى إعادة سيطرته على هذه المدينة من قبضة الثوار لتحويلها إلى محور يمر من خلاله الرئيس السوري إلى شمال لبنان ليصل إلى المنطقة الساحلية في سوريا -معقل العلويين- في حال تقسيم البلاد. ومن جانبها ترى صحيفة "لوموند" الفرنسية ان القوات النظامية السورية المدعومة بعناصر من حزب الله اقتحمت مدينة القصير التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة منذ أكثر من عام لأنها أهم مدينة لإبعادها جغرافية واستراتيجية باعتبارها نقطة مرور الأسلحة والمقاتلين من لبنان إلى معارضة السورية. وأكدت الصحيفة الفرنسية ان القوات النظامية -التي تتلقى دعما عسكريا كبيرا من إيران وروسيا بالإضافة إلى بضع مئات من مليشيات حزب الله- تستمر في شن هجوم عنيف على مدن تسيطر عليها المعارضة في استراتيجية كانت قد بدأتها منذ الشهرين الماضيين. وتهف هذه الاستراتيجيه إلى إعادة السيطرة على محور مهم يربط العاصمة دمشق بمدينة اللاذقية معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد. بيد أن هذه الاستراتيجية -بحسب الصحيفة- قد تؤدى إلى تقسيم سوريا بشكل فعلى لان من شأنها ان تسمح للثوار بالسيطرة على الجزء الشمالي من سوريا لتجنيب القوات النظامية الدخول في معارك جديدة في غرب البلاد. وأوضحت الصحيفة انه خلال الأسابيع الماضية قصف الجيش السوري بمسانده عناصر في حزب الله العديد من القرى المحيطة بمدينة القصير للسيطرة عليها وأنهاك المسلحين التابعين للمعارضة. ونقلت "لوموند" عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ان سكانا من وادي البقاع –معقل حزب الله- شهدوا مؤخرا ارتفاعا ملحوظا في عدد جنازات مقاتلي هذا الحزب .. كما سلطت الصحيفة الأمريكية الضوء على استياء بعض الشيعة اللبنانيين الذين يرون ان جنود حزب الله يحاربون السوريين أكثر من إسرائيل العدو الأول لهم. وترى الصحيفة الفرنسية ان المشاركة غير المعلنة لحزب الله في معارك القصير قد يؤدى إلى تفاقم التوتر في لبنان وامتداد الصراع السوري إليه .. إذ شهدت مدينة طرابلس اللبنانية الواقعة بالقرب من القصير إطلاق صواريخ وأعيرة نارية ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أربعين آخرين خلال اليومين الماضيين بحسب مصادر مقربة من أجهزة الأمن اللبناني. كما ذكرت صحيفة "الوطن" السورية المقربة من السلطات ان عددا من قادة مقاتلي المعارضة فر إلى طرابلس كبرى مدن شمال لبنان. وعلى الصعيد الدولي أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن قلقه إزاء قصف القوات النظامية مدينة القصير السورية على الحدود اللبنانية مما أسفر عن مقتل أكثر من 90 شخصا. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية باتريك فينتريل إن "نظام الأسد يتعمد إشعال التوترات الطائفية من خلال اعتداءاته ضد السنة". وقال المتحدث "كما أننا ندين أيضا التدخل المباشر لحزب الله والاعتداء على القصير حيث قام مقاتلو الحزب بدور كبير في هذا الهجوم". وعلى الصعيد الدبلوماسي لا يزال الغموض يكتنف المبادرة الأمريكية الروسية لعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا .. إذ يستبعد العديد من الخبراء السياسيين نجاح المجتمع الدولي في التوصل إلى اتفاق أو إلى أي نتائج ملموسة. ورأت "لوموند" انه فيما يبدو فان احتمالية موافقة الاتحاد الأوروبي على رفع حظر إرسال الأسلحة لصالح الثوار يتضاءل، كما بدأت فرنسا في تغيير استراتيجيتها في الشأن السوري خاصة فيما يتعلق بمطلب رحيل بشار الأسد من السلطة بسبب مخاوف من سيطرة إسلاميين متشددين على الحكم.