استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر د.أحمد كريمة فأفاض بما لديه من علم أراد به وجه الله ووأد الفتنة. وقال الإعلامي حسن الشاذلي إنه على مدار ألف سنة وزيادة كان الأزهر مضطلع بالتعليم في مصر، وكأنه معد سلفا لمهمة تاريخية عظيمة، حتى أن الجامعات أخذت من التجربة التراكمية للأزهر الذي كان متاح للجميع أن يدخل لأروقته بصرف النظر عن ديانته. وأضاف: بين من يدعي الإسلام والعلماء المسلمين، مساحة يصل فيها الفهم المغلوط، وتتسع المساحة لمن يصدرون لنا علما، لابد أن نعود فيه للمرجعية الحقيقية للعالم الإسلامي وهو الأزهر. وأسف الشاذلي لتعرض الأزهر في وقت من الأوقات لتقليص دوره، إلا أن الأمل ما زال معقود بالأزهر، وقدم للحضور عالما جليلا قدم الكثير من الرؤى الفكرية والخطاب الاسلامي المعاصر من خلال رؤية حقيقية لواقع نعيشه، ووجه سؤلا للدكتور كريمة: الخطاب المعاصر كيف يكون؟! .. فكانت الإجابة محاضرة عرض فيها أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر كتابه الصادر مؤخرا "خطاب إسلامي معاصر". وبرر د.كريمة الدافع في محاولته لطرح تصوره لخطاب ديني معاصر بأن مفاهيما مغلوطة شاعت نتيجة تدخل أدعياء وجهلاء وتفرق المجتمع فنشأ العنف الفكري في جماعات تنسب الى الدين وتفرع عنه العنف المسلح! وقال إن وسطية الإسلام واعتداله، والتعايش مع الأخر، والمواطنة، والشورى، والذوق العام، والعناية بالمعوقين والرفق بالحيوان من مسلمات الاسلام. وشدد على أهمية التمييز بين الخطاب الإسلامي والديني فالأول ينسب إلى الدين ولا تمثله طائفة، ويستند إلى النصوص الشرعية من القران الكريم والحديث الشريف أما خطاب المسلمين فهو فهم النصوص ولو كان الفهم صحيحا كان العرض صحيح ولو كان الفهم خطأ كان العرض خطأ وهو ما نراه الآن!. وأوضح أن الخطاب الديني يجمع بين الخطاب الإسلامي كنصوص، ولكن غاب عن المجتمع فقه النصوص والمقاصد والأولويات فقدمت قوالب جامدة وكأنهم يريدون للموتى أن يخرجوا من قبورهم وينظموا لنا الحياة، وبالتالي لابد من مراعاة إشكالية فهم النصوص وتغيرات الزمان وفهم المقاصد وهنا تبرز إشكالية ضخمة في الطرح الإسلامي.. فمن الأهمية أن نتنبأ النصوص ونستنطق القواعد حتى نقدم طرحا إسلاميا معاصرا بمتغيراته دون أن نذوب فيها، وذلك عن طريق الاستقراء العلمي في الشرع والاستنباط بأدوات العلم. ولفت إلى وجوب حسن معاملة أتباع الشرائع المنسوبة إلى السماء، اليهود والنصارى، فقد أثنى الإسلام على رسلهم، سادتنا موسى وهارون، وعيسى المسيح وأمهما عليهم السلام بنصوص قرآنية وأخبار نبوية واضحة، وعلى كتبهم المقدسة. وقال: يرسي الإسلام زمالة الشرائع وحرمة الاعتداء على معابدهم، وكتبهم، وعلى رجال الدين في السلم والحرب معا، إن الإسلام سماهم أهل الذمة أي لهم ذمة الله ورسوله والمسلمين مما يعني حقوق وواجبات المواطنة دون أي تمييز ديني. وتابع: السلام أصيل في الإسلام ومكون رئيسي ومقصود أعظم، فالسلام من أسماء الله تعالى وتحية المسلم لرسول الإسلام في "تشهد الصلاة" ومن أسماء الجنة دار السلام، والتحية فيها سلام. وذكر الدكتور كريمة أن الحرب في الإسلام دفاعية أو لمنع الاضطهاد وجاءت أوامر الإذن بالقتل مقيدة بينما آيات السلام محكمة وعامة ومطلقة.. فقد حرم الإسلام قتل كبار السن، والأطفال، والنساء، ورجال الدين غير المسلمين والمدنيين. وأضاف: كان الإسلام هو أول من حرم استخدام اسلحة الدمار الشامل وقد ضرب الفقهاء في الفقه التراثي الموروث بالسهام والرماح المسمومة.. وجاءت نصوص تحظر تحريق الأعداء بالنار وتغريقهم بالماء كما تحظر الشريعة الإسلامية إتلاف الثروات الزراعية، والحيوانية، فقد نعى الله تعلى جل شأنه إهلاك الحرث والنسل كما أوجب حماية الأسرى وتأمين الغذاء والكساء والدواء لهم. وتطرق الدكتور كريمة إلى حقوق ثابتة للمرأة في الإسلام: حسن استقبالها عند الولادة، وتسميتها باسم حسن، ورعاية طفولتها وعدم تفضيل الذكر عليها وحقها في الميراث حسب ما قررته الشريعة الإسلامية وإكرامها في تزويجها من عدم إجبارها على ارتباط مشروع بمن لا ترغب، أو العيش مع من تكره، وتأمين عدم الاضهاد من زوجها وأولياءها واحترام إرادتها وحقها في التعليم النافع، وأهليتها للتكاليف الشرعية في العبادات وغيرها وزمتها المالية المستقلة من سن الرشد الشرعي ومن حقها في تولي ولايات عامة وخاصة. واستطرد د. كريمة: الأنثى ممنوعة فقط من (الخلافة العظمى) والتي تخصها نصوص شرعية واجتهادات فقهية، أما توليتها رئاسة دولة أو أعمال قيادية، فالشرع المطهر لا يمنعها متى توافرت شروط الكفاءة، ويحفل القرآن الكريم بنماذج من قائدات كحاكمة سبأ وماجدات كأمهات الأنبياء والرسل ومشاركات في أعمال دعوية كالمبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد المشروع وزوجات النبي. وصوب كريمة مفاهيم مغلوطة كنقصان مدارك الأنثى وأكثرية دخولها النار وعدم مشاورتها ومن صور ذلك الختان بمفهومه الشعبي السائد فهو اعتداء على جسد الأنثى والفقه التراثي الموروث يتفق مع الطب المعاصر أنه (عملية) تجميلية إذا وجدت الدواعي والمقتضيات وقال: الختان لا علاقة له بالشريعة الاسلامية، وأعلنت في الإشراف على رسالة دكتوراه ذلك ومنعتني جهات سيادية، فالختان مجرد عملية تجميل وعادة فرعونية يقوم بها أهل مصر والسودان وجيبوتي. وأكد أن الإسلام يؤمن الحرية بضوابطها؛ فقد قالت امرأة لعمر ليس لك الأمر يا عمر ولم تقل يا امير المؤمنين فقال الخليفة العادل - الذي لا وجود له الآن إلا بالانتحال - أخطأ عمر وأصابت امرأة..لكننا نعاني من فقه البداوة في سوق النخاسة الفكرية. وبيّن أن عقد الزواج يكون من الرشيد وهو سن 18 سنة للأنثى وأن الافتراء بان النبي تزوج بعاشة كلام كذب فقد كان سنها حين تزوجها 17 عاما ورفض أن يختطف وغد طفلة في سنة رابعة ابتدائي لترعى له مزاجه. واقترح كريمة إصدار (ميثاق المرأة) في قوة الدستور الملزم الذي يصحح مفاهيم ويؤكد حقوقا كفلتها الشرائع وأن تلتزم مؤسسات دعوية وتعليمية وإعلامية بنشره. وتحدث عن الحقوق في الاسلام وقال إنها مكفولة، وتناول صحيفة المدينة التي أقرها الرسول من 54 مادة وقضى خمس سنوات في تدبيجها ولم يسلقها في يوم واحد(!).. وذكر من حقوق المواطنة أن الإسلام لا يحارب انتساب الناس إلى أقوامهم وعقائدهم وقال إن التعدد يقوم على التعارف والتآلف والتراحم والتعاطف والتعاون والتواصل فقد قال الله عز وجل "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ودعا الدكتور كريمة إلى التناظر الذي يصل إلى الحق وهو ما يغيب عن الحراك المجتمعي فنعاني من وطئة جدال ينتصر فيه الشخص لنفسه ولو ظالما والإسلام لا يعرف الجدال. وتناول كريمة حقوق الصغار فقد أوجب الاسلام حسن الرعاية وحق الإرضاع ويوجب الإسلام توفير حياة كريمة ويحرم معاناته الجسدية أو تعريضه للأذى.. كما كفل الإسلام حقوق المعوق وعلينا أن نحترم من اصيب ببلاء قال الله تعالى "ليس على الاعمى حرج" وهو ما يعني عدم التنقيص من شأنه. وحددت الشريعة حماية البيئة وعلاقة الإنسان بالبيئة تقوم على حماية الإنسان للمكونات البيئية فله حق الانتفاع في حدود المباح شرعا وعدم الإضرار والإفساد والتخريب والإتلاف بل بالتحسين والتطوير ومراعاة الموارد والنظم البيئية. وحول الحكم ذكر كريمة قول الله تعالى "كونوا قوامين بالقسط وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وقال إن الإسلام لم يرسم نظاما سياسيا بعينة ولا يهدف لتولي سلطة دينية فلا توجد ولاية الفقيه في الإسلام إلا في الشيعة ونحن نرفض ذلك ولكن نريد مجتمع مدني يحترم الاسلام. وأضاف الدين الذي جاء به النبي ليس موجود الآن للفهم وانتقد جماعات أساءت الفهم والعرض وقال إننا نعاني من أمية دينية والرجاء في الله والازهر الذي يتربصون به ويهدفون إلى محو مصر باثارها الفرعونية التي حافظت عليها الأجيال.. وحافظ عليها الصحابة الذين فتحوا مصر وفهموا الإسلام .. ولكننا نعاني من اعتداء أثيم على أزهرنا الشريف وهناك دول تضخ الأموال لمصر بهدف إبعاد الأزهر عن موقعه وهدم التماثيل الفرعونية ليتم تفريغ مصر مما يميزها. ولم تخل الندوة من جدل فقد حاول أحد الحضور استفزاز د.كريمة وهو يسأله: أحكام العبادات في الفرائض صلاة وصوم وزكاة ومواريث حق اصيل لله.. فماذا تقول عن دولة تشرع قانون يبطل ثلاث أحكام من فريضة؟ وكانت إجابة كريمة: هذا ليس موجودا عندنا في العالم الاسلامي .. فعاد السائل يقول مصر أبطلت المواريث وتحدث عن الوصية الواجبة.. وحين حاول كريمة أن يعرفه الفرق بين العبادات وأحكام بعد الموت ثار الرجل وتطاول على الشيخ الجليل الذي امتنع عن الدخول معه في جدل لا يفيد. وقام بعده آخر فتحدث عن زواج البنت في سن صغيرة وقال إن الأمر لا يعدوا أن يكون اجتهادا شخصيا وما اعرفه بالنسبة لعصرنا الحديث واتصال الفتاة بالميديا أنها تصل إلى مرحلة البلوغ في سن مبكرة؟ وأضاف: أنت ضد هذه المادة في الدستور وأنت مع الذين يحددون سن البنت. فرد عليه كريمة قائلا: في المعاملات لابد أن يكون العاقد بالغا عاقلا رشيدا مختارا والبلوغ ليس مناط صحة العقد ومعنى الرشد في الفقه اقله مع البلوغ واكثره بعد البلوغ وأن العقد يعتبر باطل ما لم تصل البنت لسن الرشد الذي حدده أبو حنيفة ب 18 عاما. ومرة أخرى يثور الرجل ويعلو الصياح وهو يزعم أنه يريد أن يزوج ابنته الصغيرة وأنه مقتنع باجتهاده فما كان من كريمة إلا أن يقول له زوجها ولكن لا تطبق ذلك على غيرك. وحول موجة التكفير التي تواجه شباب الثورة قال كريمة: الاسلام في مصر ولم يخرج من مصر ورغم القصور فالبثور ستذهب ويعود الوجه الصبوح لهذا البلد الطيب. في الماضي حفظ الأزهر الإسلام الوسطي والمسألة الآن فى وجود دويلات تحلم بأخذ دور مصر.. ومحو اثارها الضاربة في عمق التاريخ والأزهر.