إذا كان مقياس تقدم الشعوب وحضارتهم، هو مدى حرصهم على نشر ثقافتهم والحفاظ عليها وتقديمها للعالم بأسره، فإن مصر دائماً ما تقدم للعالم عشرات المواهب من الشعراء والأدباء والكتاب. وتظل أزمات قطاع النشر هي تلك العثرة التي تقف دائماً حاجزاً لوصول إبداعات هؤلاء الموهوبين، رغم أن قطاع النشر هو المجري الحقيقي لنشر الإبداع بين جمهور القراء وإخراج هذه المواهب الدفينة إلي النور. ويبقي صاحب الإبداع في حيرة بين جهات النشر الحكومية وروتينها المعتاد، ودور النشر الخاصة وتحمل نفقات النشر، وبين هذا وذاك يصف الشاعر سالم عبادة تجربته مع نشر دواوينه بالجهات الحكومية، قائلاً: "صدر لي سبعة دواوين منها ديوان واحد فقط صادر عن جهة حكومية هو "رقاصة" في شعر العامية المصرية، حيث إنه صدر عن هيئة قصور الثقافة عام 2011 كجزءٍ من الجائزة الأولى في المسابقة الأدبية المركزية لموسم 2010/2011، وإحقاقًا للحق، فالطباعة محترمة للغاية وكونه صادرًا عن جهة حكومية مدعومًا جعل سعره جنيهًا واحدًا فقط وهو سعر مناسب للجميع". أضاف: "وكان يفترَض أن يصدر ديواني (قُدّاسٌ أسود) في شِعر الفصحى عن المجلس الأعلى للثقافة منذ عام 2010 إثرَ فوزه بالمركز الأول في مسابقة الشعراء الشباب لشعر الفصحى العمودي، لكنّ الديوان تعثّر في حبائل التخبط الإداري وتضارُب القرارات هناك منذ منتصف مارس 2010 وحتى مارس 2012 تقريبًا حين تبيّنتُ بشكلٍ نهائيٍّ أن المجلس الأعلى للثقافة لن ينشره". تابع: "وكانت لائحة المسابقة تقضي في البداية بأن يُنشرَ الديوان الفائز ضمن سلسلة "الكتاب الأول" التي يُصدِرها المجلس .. ثم ذَيَل اللائحةَ إمضاءُ د.عماد أبو غازي بالموافقة إبّان توليه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، على أن تكون جهة النشر هي المجلس الأعلى للثقافة وإنما في سلسلةٍ جديدةٍ للفائزين في مسابقات المجلس، وليس في سلسلة "الكتاب الأول" كما كان مقرراً". وقال: "ثم تعاقبَ على الأمانة العامة للمجلس الكثير وهذا منذ قيام الثورة .. وضاع تنويه د.عماد أبو غازي ولم يصدر قرار رسمي بإصدار تلك السلسلة الجديدة الموعودة، فما كان من مسؤولي النشر هناك إلا أن قطعوا أملي من صدور الديوان ضمن إصدارات المجلس، ونصحوني بإصداره في دار نشرٍ خاصة، وصدر الديوان بالفعل في دار "كلمة" السكندرية في يوليو الماضي". وعلق محرر دار العين للنشر، الشاعر تامر عفيفي، علي أزمة النشر عند المبدعين قائلاً: "استطاعت دور النشر الخاصة في السنوات العشر الأخيرة أن تكسر حاجز الخوف من النشر للشباب والمغامرة بالأسماء الواعدة". أضاف: "تبنت الكثير من الدور نشر الأعمال الأولى للشباب في مجالات الكتابة المختلفة ليصبح المقياس الحقيقي للنشر هو جودة العمل وتحقق العناصر المختلفة التي تجعل العمل يستحق الظهور والمتابعة". وكانت دار العين للنشر من أولى المؤسسات التي اهتمت بتلك الخطوة، حيث تبنت الدار في السنوات العشر الأخيرة فكرة النشر للكتاب الشباب وخصوصاً في الكتابات الأدبية، بالإضافة إلي استمرارها في الاعتماد على كبار الكتاب والعناوين المعروفة، ومن هذا المنطلق ظهرت على الساحة عدة أسماء لكتاب شباب استطاعوا الاستفادة من ذلك الانفتاح في تجارب النشر ليحققوا نجاحات متفاوتة المستوى تبشر بأجيال جديدة في الكتابة، وخصوصاً هؤلاء الذين يمتلكون مشروع أدبي مميز. وتعد هذه الميزة التي أعطتها دور النشر الخاصة للشباب منقذا حقيقيا من كل المشاكل التي يعانون منها حال رغبتهم في نشر عملهم الخاص في الهيئات الحكومية، حيث يسيطر روتين محبط، وسياسات عقيمة قد تتسبب في تأجيل نشر العمل لسنوات، ربما تصل في بعض الأحيان لخمس أو سبع سنوات، لارتباطهم بسياسة "الدور"، ولجحافة معايير النشر والتدخل والرقابة.
ويرى الشاعر سالم الشهباني، إن النشر الحكومي يمر بالعديد من المشاكل منها على سبيل المثال عدد المتقدمين للسلاسل الحكومية كثير للغاية مما يجعل الشاعر ينتظر دوره في الطابور وهذا يأخذ الكثير من الوقت مما يصل إلى سنوات ثم يخرج العمل الأدبي بشكل غير مرضى للشاعر، كما يتعرض أيضاً العمل الأدبي لمشاكل في التسويق تجعلها يظل رهن المخازن. وقال: "كان لي تجربة هناك ولكن بعد وجود الكثير من دور النشر الخاصه أعطت الفرصة للنشر الحكومي أن تتطور من عملها وذلك لأن الطوابير على النشر خفت وأيضا حتى تستطيع المنافسة مع هذه الدور بمعنى اصح أن حال دور النشر الحكومي الآن في طريقه للإصلاح وخروج العمل في وقت اقل مما سبق". أضاف، وتظل مشاكل التسويق لم تجد حلا مرضيا، فقد كانت لي تجربة مع النشر الحكومي في ديواني الأول "ولد خيبان" الصادر عن سلسلة الكتاب الأول المجلس الأعلى للثقافة وكنت أكثر حظا ذلك لأن ديواني لم ينتظر كثيرا في الطابور بحكم أن عدد المتقدمين حينها كان قليلاً، كما كانت لي تجربة مع الهيئة العامة للكتاب في ديوان "السنة 13 شهر" فبشكل عام النشر في مؤسسة حكومية له عيوبه ومزاياه التي تتلخص ف صك الاعتراف من قبل نقاد وشعراء كبار في اللجان التي تحكم، كما يكون ايضا سعر الكتاب قليلا وعدد النسخ اكبر وفرص ترشيح الكاتب للندوات والأمسيات تكون كبيرة بالنسبة للكاتب الصادر عمله عن دار نشر حكومي". تابع: "دور النشر الخاصة لها مزاياها وعيوبها فمن مزاياه سرعة نشر العمل وبالكيفية التي تترأى للكاتب من اختيار غلاف ونوع الورق وغيره لكن هناك عيوب تتلخص أيضاً في التسويق". وأكدت كرم يوسف، صاحبة دار الكتب "خان"، أن الدار تفتح ذراعيها أمام شباب المبدعين من المؤلفين والشعراء.. وأوضحت أن الشرط الوحيد للنشر هو أن يكن العمل يستحق النشر فعلا حتى تكون الفرصة في الظهور لمن يستحقها، مؤكدة على أنه بمجرد نشر الكتاب تتحمل الدار التوزيع في القاهرة والمحافظات. وأشار الشاعر ميسرة صلاح الدين، إلى أن النشر بالجهات الحكومية به العديد من المشاكل فالسلاسل المختصة تشهد زحاماً كبيرا نظراً للإقبال الشديد عليها، كما أن الطريقة التي يجاز بها العمل غير واضحة، فالعمل يجب أن يرد علية بالقبول أول الرفض بعد فترة زمنية، في حين أن بعض الأشخاص ممن لهم علاقات بالهيئة يجاز أعمالهم خلال أيام أو أسابيع .كما أكد علي أن طابور عملية النشر تدخل فيها "المحسوبية " على حد وصفة. تابع: "ويأتي بعد نشر العمل مشكلة التوزيع، فالجهات الحكومية يتم توزيع أعمالها عن طريق جريدة الجمهورية، فثمن الكتاب يكون زهيدا مما يجعل بائع الجرائد لا يهتم به فالهيئة غير مهتمة بتوزيع ألأعمال التي تقوم بنشرها، وشدد على أن هناك صعوبة أمام المبدع أن يقوم بإصدار طبعة ثانية لامتلاء طوابير النشر".