من الذي يلعب بالنار في مصرنا المحروسة؟! لقد أصبح من السذاجة ان نتعامل مع الكثير من المشاكل والقضايا باعتبارها حوادث وسلوكيات فردية لا رابط أو صلة بينها. كما انه أصبح من غير الصواب ان نقرن كل ما يحدث من ظواهر شاذة وغريبة علي مجتمعنا وتقاليدنا بمفاهيم الحرية والديموقراطية والتي تؤكد كل الظواهر والشواهد أننا نسيء فهمها كثيرا وقد تتحول ممارستها مع الأيام إلي وبال ندفع جميعا ثمنه. فتحت تأثير المفاهيم الكثيرة لحقوق الإنسان والمواطنة تمارس أفعال وسلوكيات تضرب في الصميم قواعد اخلاقية راسخة في وجداننا شكلت في مجملها تلك القيم النبيلة والاصيلة التي تصون مصريتنا وانتماءنا. لقد تابعنا جميعا الأحداث المؤسفة التي وقعت بين بعض المحامين ورجال القضاء في اعقاب واقعة اتهام محاميين بالاعتداء علي احد رجال النيابة. وهي الأحداث التي استغلها خفافيش الظلام وبعض القوي غير الشرعية لاذكاء روح الفتنة والانقسام واشعال الموقف. وواقعة الاعتداء وإن كانت مرفوضة جملة وتفصيلا فإنها تمثل جريمة يحدد القانون أركانها وعقوبتها مثلها مثل أي جرائم أخري، ولكن يبدو ان المزاج العام ساهم في زيادة عمليات الشحن للطرفين اللذين يمثلان بالنسبة للمواطن العادي ركني العدالة اللذين يلوذ ويحتمي بهما. إن قضاء مصر الشامخ صنعه رجال اجلاء اعتلوا منصة العدالة وسجلت الأيام والأحداث وقائع كثيرة لهم جعلتهم يرسخون مبدأ العدالة لتظل حصنا لجميع المصريين. أخطر شيء هو أن يضيق صدر بعض سدنة العدالة؛ لأن ذلك ينذر بخطر جسيم من الواجب ان نحذر جميعا منه ونناقش اسبابه ونعالج تداعياته وعدم تكراره. لقد كان الاسراع بالمحاكمة بعد تحقيقات أجرتها النيابة وتحولت فيها إلي سلطة تحقيق واتهام ثم اصدار الحكم في الجلسة الأولي بسجن المحاميين المتهمين 5 سنوات عنوانا لهذا الضيق ودليلا عليه وهو يمثل حالة إنسانية تغلبت فيها العواطف وغفت عنها روح القانون! لا أحد في مصر يستطيع ان يشكك في نزاهة قضاة مصر الاجلاء الذين يشكلون في الوجدان المصري المرجعية الأولي للعدالة والأمن والامان. وإذا كانت كثرة اعداد القضايا بالمحاكم تشكل أحد أوجه الخلل المطلوب علاجها إلا انها تشكل أيضا ملمحاً هاماً في علاقة المصريين بالقضاء وتقبلهم لكل احكامه وقواعده إيماناً في حيدة وعدالة القائمين عليه. هذه القناعة جعلت أي مواطن يشعر بالظلم يسارع للقضاء لنيل حقوقه ورفع الظلم عنه وهو ما أدي لزيادة اعداد القضايا المرفوعة وشكل عبئاً جسيماً علي القضاة. لقد تمت التحقيقات في واقعة اتهام المحاميين في مناخ مشوب بالتوتر والعصبية وسلوك ممجوج قام به قلة من المحامين الشبان وهو الأمر الذي كان يستدعي ضرورة التروي وعدم التسرع سواء في التحقيق أو المحاكمة السريعة. واعتقد ان حصافة وذكاء ونزاهة المستشار عبدالمجيد محمود جديرة بان تحتوي تلك النار التي يحاول البعض اشعالها والان بالذات. كما ان نقيب المحامين وشباب المحامين مطالبون بعدم تصعيد القضية أو الخروج منها لقضايا فرعية وهامشية حول تعاملات بعض رجال النيابة والقضاء معهم وكلها يمكن ان تندرج تحت عنوان التعاملات والسلوكيات الفردية التي يصبح من الخطأ تعميمها، لكن يبدو أيضا ان الأمر يحتاج إلي معالجة من الجذور من كليات الحقوق التي تضم مدرجاتها عشرات الآلاف من الطلاب يتقاسم نخبة خريجيهم صفوف القضاء أو المحاماة دون محتوي ثقافي وعلمي وقانوني. الأمر أيضاً يحتاج إلي نظرة من وزير العدل ومجلس الوزراء للبحث في الوسيلة المثلي لإدارة العدالة وتوفير المناخ والبيئة الملائمة لقضاة مصر الجالسين والواقفين. القاضي الذي لا يجد مكاناً مناسباً ليجلس فيه داخل المحكمة أو يجد أمامه مئات القضايا التي يطالب بالفصل فيها خلال جلسة واحدة. المحامي الذي يجلس في أروقة المحاكم أو يتنقل بصعوبة بينها انتظاراً لقضيته التي لا يعرف موعداً محدداً لها. كلها حلقات من الواجب إعادة البحث فيها وتوفير المناخ المناسب لها. ان مليارات الجنيهات لمياه الشرب والصرف الصحي تمثل حاجة وضرورة ملحة لا تقل عنها بأي حال من الأحوال ضمانات تحقيق العدالة وتوفير البيئة المناسبة لإقرارها. ساعتها فقط لن تضيق صدور أبناء مهنة واحدة هي اقدس المهن.. مهنة أصحابها تظل هاماتهم مرفوعة بقدر احترامهم لها وتقيدهم بأصولها وقواعدها. واياً كان الحكم الذي صدر فلابد ان يسارع الجميع بالتعامل معه وفق القواعد القانونية الراسخة التي تضمن كل حلقاتها إقرار العدل بعيدا عن العواطف الجياشة أو صدور تضيق. أتمني أن يصدر النائب العام قراراً بوقف تنفيذ الحكم لحين تقديم المتهمين لمحكمة استئناف تراعي كل أبعاد الموقف. كما أتمني أن يلتقي النائب العام مع نقيب المحامين بحضور الدكتور فتحي سرور لينتهي الاجتماع بموافقون.. موافقة!!
لا أحد فوق القانون اللاعبون بالنار يحاولون بشتي الطرق والوسائل ضرب الوحدة الوطنية بمصر والتي اعتقد انها أصبحت شعاراً ممجوجاً لا يصح الحديث عنه لان الواقع والتاريخ والأرض تخالفه. لقد صدر حكم المحكمة الإدارية بمنح مسيحيين مطلقين الحق في الزواج الثاني. وهذا الحكم علي خلاف ما يدعي بعض اللاعبين بالنار ينطبق علي هاتين الحالتين فقط ولا يمتد لبقية الاشقاء المسيحيين؛ لان من يرغب في الزواج الثاني عليه إقامة دعوي مماثلة وهكذا. لكن ان يتم تحويل القضية علي انها اجبار من الدولة للاخوة المسيحيين فهو قول مغلوط يجافي الحقيقة ويمثل محاولة لاصطناع أزمة ما كان لها ان تحدث بهذه الوتيرة التي تهدف إلي إشعال نار الفتنة والشك والريبة. وبعيداً عن حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يعتمد علي القانون بعيداً عن العاطفة أو الخوض في تفاصيل ما يحظر أو يباح في الديانة المسيحية فاننا أمام قضية اخطر وهي احترام القضاء من الجميع مسلمين ومسيحيين. أعرف عن يقين أن حكمة البابا شنودة الذي نكن له كل المحبة والاجلال كفيلة بأن تغلق باباً ما كان له أن يفتح بسبب حكم من الطبيعي أن يكون له مؤيدوه ومعارضوه وإن كنا نؤيد حق الأشقاء الأقباط في قانون للأحوال الشخصية ينظم أمورهم فإن ذلك يتم بالحوار من خلال القنوات الشرعية التي يجب أن تكون أكثر انفتاحاً وتقبلاً لمطالب يجمع عليها الأشقاء الأقباط. واعتقد ان قداسة البابا شنودة سوف يحبط تلك المحاولات الرخيصة التي لا تهدف فقط للطعن في قدسية القضاء وإنما أيضا في طعن الكنيسة المصرية وإذكاء روح الخلافات بين قادتها الدينيين. وأعتقد أن الأمر لم يكن يستدعي أبداً الدعوة لعقد المجمع القدسي. لقد هالتني المظاهرات الغاضبة داخل كاتدرائية العباسية؛ لان المطلوب هنا ليس حقاً وإنما محاولة للخروج عن القانون وقدسيته بعيداً عن الأديان. أما الحقوق فان لها مساراتها القانونية والتشريعية والتي أعرف تماماً ان الحكومة سوف تعطي لها الأولوية المطلقة وحتي لا تظل هناك نار تحت الرماد تنتظر من يوقد جذوتها. جمعيات سداح مداح اللاعبون بالنار اعتقدوا أن الساحة السياسية أصبحت سداحا مداحا. يمكنك بكل بساطة أن تشكل جمعية وتعقد اجتماعات ومؤتمرات وتقوم بجولات تطالب فيها بما تشاء دون ضابط أو رابط ودون أن يكون لهذه الجمعية أي أوراق للتأسيس أو الاشهار وتحت أي بند يمكن ان تندرج!! اعرف أن الاجهزة المعنية بضبط ايقاع هذه الجمعيات أو المنتديات ربما تجد حرجا عندما يكون مؤسس الجمعية أو رئيسها شخصية مرموقة مثل الدكتور محمد البرادعي. لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا لمخالفة القانون خاصة أن الجمعية التي تطلق علي نفسها اسم الجمعية الوطنية للتغيير تقوم بالفعل ببعض الأنشطة التي قد لا يحظرها القانون ولكنه علي الأقل ينظمها ويراقب أمورها المالية والإدارية كغيرها من الجمعيات. والأمر لا يقتصر علي تلك الجمعية فقط ولكنه يمتد ليشمل بعض جمعيات تطلق علي نفسها اسم جمعيات حقوق الإنسان وتقوم بطبع منشورات وأوراق دون أي سند من قانون أو اجراءات بل وبعضها يتعامل بالفعل مع بعض السفارات داخل مصر باعتباره كيانا قانونيا يندرج تحت مظلة المجلس المصري لحقوق الإنسان. وكثير منها يتقاضي مبالغ مالية للقيام بدراساته وأبحاثه واحصائياته. واعتقد انه قد آن الأوان لإعادة مراجعة هذا الطوفان الذي يتخفي وراء أثواب فضفاضة لحرية وديمقراطية هي منه براء.