غموض حول مصير اتفاق تصدير الغاز المصرى لاسرائيل لسنوات طوال ظلت الارض ولا تزال هي السبب الرئيسي وراء تفجر الحروب والنزاعات في مختلف انحاء العالم.. وفي الوقت الذي توقع فيه كثيرون ان تكون المياه هي محور الصراع في منطقة الشرق الاوسط خلال الفترة المقبلة، جاءت اكتشافات الغاز المتتالية في البحر المتوسط لتنذر بتفجر حروب طاحنة ستكون ساحتها هذه المرة مياه البحر، خاصة بعد ان اكدت التقارير والابحاث أن منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط تحوي مخزونات هائلة من الغاز قدرتها هيئة المساحة الجيولوجية الامريكية ب 223 تريليون قدم مكعب. والحقيقة ان الصراع علي احتياطيات الغاز في مياه البحر بدأ بالفعل بين دول جنوب وشرق المتوسط, حيث تتصارع إسرائيل وكل من لبنان وقطاع غزة حول ملكية حقول الغاز. وعلي الجهة الاخري تتنافس تركيا مع قبرص واليونان حول الامر نفسه بما يجعل من شبح تحول المتوسط الي بحر من نار أمرا لا مفر منه. وقبل ايام أكدت مصادر بوزارة البترول في مصر اعتزام القاهرة طرح مناطق للتنقيب عن الغاز قرب الحدود مع اسرائيل وذلك نهاية الشهر المقبل بهدف تأمين الحقوق المصرية من الغاز في خطوة وصفها مراقبون وخبراء بانها تأخرت كثيرا لان الحكومة الاسرائيلية تميل الي سياسة فرض الامر الواقع ولا تنتظر ترسيم الحدود البحرية لانها لم توقع علي اتفاقية الاممالمتحدة لترسيم اعالي البحار. ودعا الخبراء مصر الي ضرورة الاسراع في خطواتها لطرح مناطق جديدة للتنقيب عن الغاز في المياه العميقة بالمتوسط في ظل تسابق دول المنطقة علي تأمين مصادر الطاقة عندما استخدم العرب في السبعينات النفط كسلاح أطلقت جولدا مائير رئيسة الوزراء الاسرائيلية آنذاك تعليقها الشهير ان النبي موسي قاد اليهود الي المكان الوحيد في الشرق الأوسط الخالي من النفط . لكن هذا القول انقلب رأساً علي عقب فاسرائيل ترقد الآن علي ثاني أكبر منطقة رواسب للصخور الزيتية في العالم، وقد قامت خلال الاسبوع الماضي باستخراج النفط من الصخر الزيتي من خلال تسخينه حتي يصبح سائلاً ، واتضح انه ينتج نفطاً من نوعية جيدة ، وتأمل الشركة القائمة بالعمل هناك ان تتمكن من انتاج 22 ألف برميل يومياً بحلول عام 2020 . هذا بخلاف الاكتشافات الكبري لها في مجال الغاز الطبيعي والتي تمثلت في حقلي تمار وليفياثان شرق البحر المتوسط اللذان قدّر "موقع أويل برايس " اجمالي انتاجهما بحوالي 688مليار متر مربع. هذان الحقلان سيحققان لاسرائيل الاكتفاء الذاتي ل100 عام قادمة، وسينقلاها الي خانة الدول المصّدرة للغاز الطبيعي . وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فان هذه الاكتشافات ستؤثر علي ميزان القوة الجيوسياسية في المنطقة وتمنح اسرائيل تفوقاً في مجال الطاقة علي جيرانها العرب. وهي نظرية تتفق مع تصريحات عوزي لانداو وزير البني التحتية الاسرائيلي " بأن تحول اسرائيل الي دولة مصدرة للغاز باتجاه جنوب أوروبا، سيحدث أثرا سياسياً مهماً جداً". والسؤال هنا في ظل هذه النقلة في مجال الطاقة هل ستظل اسرائيل متمسكة باتفاقية الغاز مع مصر؟ وهل لدي مصر الرغبة أو القدرة علي المضي قدماً في هذا الاتفاق؟ يري موقع " انيرجي سيكيورتي" أن هناك أسبابا استراتيجية وإقتصادية تدفع كل من مصر واسرائيل لمواصلة التجارة في مجال الطاقة علي الأقل علي المدي القصير. فالي جانب اشكالية الوضع القانوني لحقول الغاز الواقعة خارج مياهها الاقليمية ، تعي اسرائيل ان عملية استخراج الغاز من الحقول المكتشفة حديثاً عملية بالغة التعقيد وتستغرق أعواماً، وباكورة الانتاج لن تبدأ قبل النصف الثاني من عام 2013 . في الوقت نفسه تعتمد اسرائيل علي الغاز في توليد 36٪ من احتياجاتها من الكهرباء ، وبما أن الغاز المصري يمثل 40٪ من استهلاك الغاز في اسرائيل، فان توقفه يعني اعتمادها علي زيت الديزل وزيت الوقود الثقيل، والفحم لتلبية الطلب علي الطاقة، وهذه المصادر ليست فقط أكثر تلوثاً ولكنها أكثر كلفة، حيث تكلف اسرائيل ما يقرب من 1.5 مليون دولار في اليوم وفقا لوزارة البنية التحتية الوطنية . من هنا جاءت تأكيدات الساسة في اسرائيل علي ان تأمين الاتفاق مع مصر هو أولوية سياسية وهو ما يؤكد تصريحات عوزي لانداو الذي قال ان اسرائيل تتمسك بالاتفاق بقدر الامكان . ويشير موقع " انيرجي سيكيورتي" أن حالة الشلل التي أصابت قطاع السياحة في مصر وتقلص الاستثمارات الأجنبية يجعل من مبيعات الغاز المصري عامل استقرار مهم في الاقتصاد الكلي للبلاد، علاوة علي كونها مصدراً للنقد الأجنبي. ويتوقع " انيرجي سيكيورتي" ان تعوض مصر خسائرها الناتجة عن ضعف السعر، عن طريق رفع السعر ليتناسب مع الأسعار الأوروبية. وبحسب الموقع فان زيادة السعر التي ستشمل الأردن أيضا ستحقق هامش ربح من 3 الي 4 مليارات دولار للاقتصاد المصري. لكن علي المدي البعيد سيكون من الصعب علي البلدين الحفاظ علي الاتفاقية . فمن المتوقع أن تواجه مصر ارتفاعاً في حاجاتها للطاقة تجعلها عاجزة عن التصدير، الي جانب ما تواجهه الاتفاقية من معارضة علي المستوي الداخلي . أما اسرائيل التي تتكبد خسائر يومية قدرها 2.5 مليون دولار من جراء ما تتعرض له خطوط امدادات الغاز في سيناء من تفجيرات، فستعمل قدر استطاعتها علي تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في ظل اكتشافاتها الجديدة من مصادر الطاقة لتبتعد عن المصدر المصري غير المضمون في ظل احتمالات وقوع الرئاسة والحكومة في قبضة الاسلاميين المعارضين للاتفاقية أساساً .