رفعت رشاد من السهل أن يعلن السيد وزير الداخلية أن الحالة الأمنية مطمئنة ، بينما الواقع يؤكد أن الحالة الأمنية تزداد سوءا. ربما يكون وزير الداخلية معذورا إذا لم يستطع خلال الفترة التي تولي فيها المسئولية أن يحقق الأمن ولو بنسبة كبيرة، لكن عليه والحكومة أن يصارحا الناس بالحقيقة. كيف يكون الأمن مستتبا بينما تباع الأسلحة البيضاء والنارية عيني عينك في الشوارع والميادين ؟. كيف يكون الأمن مستتبا والسيدات والفتيات تخطف حقائبهن في عز النهار وعز الزحام ويسحلن إذا ما تعلقت الحقيبة بيد أي منهن؟. كيف يستتب الأمن وحال الشوارع والمرور بهذا الكم من الانفلات؟. كيف استولي البلطجية -حتي لو لم يكونوا مسجلين خطر - علي الشوارع ولا يسمحوا إلا بمرور سيارة واحدة فتتكدس الشوارع ويزيد الزحام وتضيق الأخلاق والنفوس فيقتل الناس بعضهم بعضا.
لقد حادثتني سيدة فاضلة هي أم لضابط شرطة شاب بعد مقال الأسبوع الماضي عن " تردي" الشرطة وعاتبتني لأنني من وجهة نظرها ظلمت ضباطا وأفرادا مخلصين وشرفاء. هي تعتقد أن كل الضباط والأفراد علي شاكلة ابنها الضابط الذي يعود مع أول ضوء للصباح والذي ينقلب ليله إلي نهار ونهاره إلي ليل باذلا كل الجهد في خدمة وطنه ومهنته السامية. أوضحت لها أن ابنها وإن كان ليس حالة استثنائية لأن هناك مثله الكثير ولكن المشكلة ليست في ضابط واحد أو حتي عشرات وإلا كانت المسألة هينة وبسيطة ، لكن المشكلة في النظام الشرطي نفسه، التراكم الذي حدث علي مدي عقود طويلة من ثقافة بالية وعتيقة لا تصلح في زمن حقوق الإنسان ولا تصلح في زمن الثورات ورفع الصوت عاليا للمطالبة بالحقوق.
في العام الماضي قيل ان الشرطة فقدت هيبتها وقوتها ولذلك عانينا من غيبتها ومن الانفلات الأمني الذي أضر بملايين المواطنين الذين سرقت سياراتهم ومنازلهم ومحلاتهم، لكن عادت الشرطة مسلحة وقوية وعلت تصريحات وزير الداخلية وارتفعت نبرة تحذيره للبلطجية والمجرمين لدرجة أنه أعلن عن مكافأة لمن يقتل بلطجيا، ومع ذلك مازال البلطجية يمارسون الإجرام ومازال الناس في رعب ومازال رجال الأعمال والأطفال يخطفون ويعودون أو لا يعودون مقابل الفدية. كل ذلك يعني أن هناك حاجة غلط. لقد ارتفعت في الفترة الأخيرة المطالبات بتطهير الشرطة وإعادة هيكلتها حتي تكون فعلا في خدمة الشعب لا في خدمة نفسها وخدمة مصالح ضباطها وأفرادها، وها نحن نؤكد علي هذه المطالب بعيدا عما أثير عن مطالب الإخوان المسلمين بأن يكون لهم كوتة - إذا كان ما نشر صحيحا - فهذا المطلب يعني ان تكون الشرطة ميليشيات لجماعة الإخوان المسلمين، بينما الدستور المصري يمنع تكوين أو تشكيل الميليشيات حتي لا تكون هناك قوات مسلحة إلا للدولة.
نعلم جميعا أن تعميم الفساد أو الانحراف أو حتي الإهمال أمر لا يجوز لأن هناك من الشرطة من يستحق التكريم لوطنيته وإخلاصه، ولكن من يترك الشوارع في هذه الفوضي يستحق العقاب والمجازاة، من يترك المرور في هذه الحالة يستحق المحاسبة. ألا يكفي ما حدث علي مدي سنوات طوال من فساد الشرطة وانحرافها ؟. لقد سمعت الكثير والكثير عما كان يحدث في سيناء ولأهالي سيناء علي سبيل المثال وللمعتقلين ولأهالي الصعيد وحان الوقت لكي ينتهي كل ذلك. حان الوقت لتولي وزير مدني يؤمن بحقوق الإنسان مسئولية وزارة الداخلية، فليس يكفي تحقيق الأمن بالشدة مع المجرمين بل يجب أيضا أن نشعر بآدميتنا. واللعن علي كل من يعيش حالة الجبروت مثل التي يعيشها بعض الشرطيين.