قومي المرأة بسوهاج ينظم برنامجا تدريبيا للقيادات الدينية حول القضية السكانية    موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025.. متى يتم تغيير الساعة في مصر رسميا؟    الإدارية العليا : وضع اليد لا يكسب حقًا في تملك أراضي الدولة دون جدية الاستصلاح    "اليونيسيف": آلاف الأطفال في غزة يواجهون سوء التغذية وإصابات جسدية بعد القصف الإسرائيلي    نقابة الصحفيين تحتفل باليوم الوطني للمرأة الفلسطينية.. والبلشي: ستبقى رمزا للنضال    267 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لإغاثة قطاع غزة    تبعات فلسفة السلام المصرية    ريال مدريد يتفوق على برشلونة بثنائية في الشوط الأول من الكلاسيكو    الزمالك 2005 يتعادل مع المصري البورسعيدي    داري يرفض الرحيل إلى الدوري الليبي ويتمسك بالبقاء في الأهلي    إصابة 11 طالبة ومعلمة في انقلاب سيارة مدرسية بكفر شكر    ضبط المتهم بإصابة 3 أشخاص في حفل خطوبة بسبب غوريلا.. اعرف التفاصيل    مصر وفلسطين والشعر    التاريخ وكيف يُستخدَم    طاهر الخولي: افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة أمل تعكس قوة الدولة المصرية الحديثة    الماضى والحاضر.. إذاعة فرنسية تسلط الضوء على افتتاح المتحف المصري الكبير قرب الأهرامات    وزير الصحة يبحث مع جمعية أطباء الباثولوجيا المصريين في أمريكا تعزيز التعاون في التعليم الطبي والبحث العلمي    حالة الطقس غدًا الإثنين .. شبورة مائية كثيفة وأجواء خريفية مائلة للبرودة    اللجان الفرعية تواصل اجتماعاتها للوصول لخارطة شاملة لتطوير الإعلام    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    بسبب خلافات بينهما.. إحالة مدير مدرسة ومعلم بالشرقية للتحقيق    وزير الخارجية يتابع استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير    أستون فيلا ضد مان سيتي.. السيتيزنز يتأخر 1-0 فى الشوط الأول.. فيديو    محافظ المنوفية يتفقد عيادات التأمين الصحي بمنوف    التنسيقية تشارك في فعاليات الاحتفالية الكبرى "وطن السلام"    إطلاق مبادرة "افتح حسابك في مصر" لتسهيل الخدمات المصرفية للمصريين بالخارج    محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    روزا والبيت الأبيض!    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    تامر حبيب يهنئ منة شلبي وأحمد الجنايني بزواجهما    «بينشروا البهجة والتفاؤل».. 3 أبراج الأكثر سعادة    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقى طلبات الأعضاء الراغبين فى أداء فريضة الحج    وزير الصحة يتفقد مجمع السويس الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    مدير الكرة بالزمالك يحذر شيكو بانزا من إثارة غضب الجماهير    مساعد وزير الثقافة يفتتح مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الرئيس الفلسطيني يصدر قرارًا بتولي نائبه رئاسة فلسطين حال خلو منصب الرئيس    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مايوركا وليفانتي بالدوري الإسباني    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    «الداخلية» تكشف حقيقة اعتداء وسرقة «توك توك» بالإسماعيلية    اتحاد التأمين يوصى بارساء معايير موحدة لمعالجة الشكاوى تضمن العدالة والشفافية    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    بوتين: قوات الردع النووي الروسية في أعلى مستوى وتتفوق على الدول النووية الأخرى    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والفوضى .. وضرورة التفرقة بينهما
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 08 - 2011

منذ أيام، قطع سكان إحدى قرى الجيزة خط قطار وجه قبلى، بسبب نزاع بين عائلتين على أرض زراعية. وفى الأسبوع الماضى، عطل العاملون بإحدى المصالح الحكومية العمل بالمصلحة اعتراضا على عدم تعيين أبنائهم.
ومنذ أسابيع قليلة، اعتدى طلاب إحدى الجامعات على الموظفين وأعضاء هيئة التدريس، لأن نتائج الامتحان جاءت على غير هواهم. وفى محافظة ساحلية، حاصر أهالى المنطقة مركز الشرطة للمطالبة بالإفراج عن مسجونين صدرت عليهم أحكام فى جرائم عادية (غير سياسية). وقبل ذلك، اقتحم أهالى بعض المتهمين قاعة إحدى المحاكم الجنائية واعتدوا على القضاة، لأن قرار المحكمة بإدانة المتهمين فى جرائم سابقة على الثورة لم يعجبهم.
هذه ليست إلا عينة من الأخبار التى صرنا نقرأها فى صحف الصباح، فلا تلفت نظرنا، بل نعتبرها من المواضيع اليومية المعتادة. كان من الممكن أن تكون هذه أخبار جرائم تنشرها الصحف فى باب الحوادث، لولا أن نهايات القصص أسوأ بكثير من بداياتها. سكان قرية الجيزة لم يتعرضوا لأية مساءلة، بل قامت أجهزة الدولة بشكرهم على إعادة تسيير قطار الصعيد، وأبناء العاملين فى المصلحة حصلوا على وعد من رئيسها بالتعيين، وامتحانات الطلاب سوف يتم إعادة تقدير درجاتها لتحسين الوضع، والصادر ضدهم أحكام نهائية تم الإفراج عنهم وعادوا إلى منازلهم سالمين.
لم يصمد سوى القضاة فى محكمتهم، واحتموا بغرفة المداولة حتى تمكنت قوات أمن المحكمة من إخراجهم فى مشهد يذكر بخروج الفدائيين من حصار بيروت عام 1982.
لا أظن أن هناك من يختلف على أن هذه مصيبة. الجرائم والمخالفات أمر معروف فى كل مجتمع وعصر ونظام حكم. ولكن التجاوب معها كما لو كانت مطالب مشروعة، بل كما لو كانت أعمالا وطنية تستحق الثناء والتحية هو ما لا يوجد وصف له سوى أنه مصيبة، لأننا لا نتحدث عن ضياع هيبة الدولة فقط، ولا عن مشكلة الشرطة وغيابها عن الشوارع، ولا عن ظاهرة البلطجة وصعوبة تطبيق القانون. نحن أمام قضية أكبر من ذلك بكثير، وهى الغياب التام لقدرة المجتمع على التمييز بين المطالب المشروعة وبين الجرائم التى لا يمكن أن يكون لها وصف أو اسم آخر.
كيف وصلنا إلى هذا الحال المؤسف؟ فى غمار الثورة وأيامها الأولى تطورت المطالب السياسية التى نزل بها الشباب فى ميدان التحرير إلى مطالب نقابية وفئوية للعاملين فى مختلف المجالات، من القطاعين العام والخاص وفى المصالح الحكومية، فأحدثت بذلك نقلة نوعية وحاسمة فى إيقاع الثورة، وحسمت الصراع لصالح الجماهير، وانتقلت بالمشهد كله من انتفاضة سياسية إلى ثورة اجتماعية بالمعنى الكامل. هذه المطالب العمالية أو الفئوية كما تم تسميتها عن خطأ أم صواب كانت تعبر عن تراكم سنوات طويلة من الخلل البالغ فى نظم العمل والأجور والحوافز وعن استعداد العاملين فى مختلف المجالات للتنظيم والتفاوض الجماعى من أجل تحسين أوضاعهم فى العمل.
ولكن مع الوقت بدأت المطالب العمالية والفئوية المشروعة تختلط بالسعى لتحقيق ما لا يجوز وما لا يمكن تبريره تحت أى مسمى.
تعيين الأبناء فى المصلحة التى يعمل بها الآباء (وفى حالة مشهورة وفريدة المطالبة بقصر التعيين على أبناء العاملين)، اقتحام أقسام الشرطة للإفراج عن معتقلين فى جرائم قتل وسرقة وهتك عرض، الاعتداء على قضاة فى محاكمهم لمنعهم من إصدار الأحكام، التظاهر للحصول على تعويضات لمن لا يستحقونها، وعشرات المطالب الأخرى التى لا هى فئوية ولا عمالية ولا نقابية، بل وتتعارض مع مصلحة باقى أفراد المجتمع. ولكن المجتمع صمت على ذلك، والإعلام لم يفرق بين المشروع وغير المشروع بل وغير المعقول، بين التظاهر من أجل حقوق الشهداء وزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، وبين اقتحام محطات الكهرباء والمياه من أجل تعيين الأبناء، والحكومة ضعفت وفضلت مجاراة الجميع بدلا من الدخول فى مواجهات مع من يغتصبون الحقوق ويحصلون على مكاسب لا يستحقونها. لذلك كان طبيعيا أن يصل الاضطراب فى المفاهيم إلى الحد الذى نشهده اليوم.
خطورة الوضع الحالى ليست فقط فيما يترتب على السكوت على هذه الجرائم من فوضى وتعطيل للمصالح، وإنما فيما يؤدى إليه أيضا من اختلاط الحابل بالنابل، وإساءة بالغة لكل ما حققته الثورة من مكاسب سياسية واجتماعية ومن مزايا للعمال والموظفين وللمعتقلين السياسيين ولأهالى الشهداء.
وهذا الخلط بين المطالب المشروعة وبين البلطجة والفوضى سوف يؤدى إلى نتائج خطيرة، أهمها أن الناس سوف تفقد رغبتها فى تأييد المطالب النقابية والفئوية ولو كانت مشروعة ومنطقية بسبب القلق من استمرار الفوضى.
كذلك فإن عدم التمييز بين الثورة والفوضى سوف يؤدى إلى اندفاع الناس نحو المطالبة بتطبيق القوانين العرفية والاستثنائية وتقييد الحريات ومنع التظاهر والاعتصام وتشديد العقوبات واستخدام العنف ضد الجميع سواء كانوا ممن يطالبون بحقوق مشروعة أم ممن يستغلون الموقف لتحقيق مصالح لا يستحقونها. وهكذا تتوافر الظروف الطبيعية التى تؤسس لاستبداد جديد، ولكنه أخطر الأنواع، حيث يأتى استجابة لمخاوف الناس، وتعبيرا عن رغبة حقيقية فى تقديم الأمن والنظام المفقودين على الثورة والحرية.
كيف يمكن الخروج من هذه الحالة الخطيرة؟ لا شك أن عودة الشرطة للشوارع ضرورية لتحقيق أى قدر من الانضباط فى الشوارع. ولا شك أيضا أن اتخاذ الحكومة والمجلس العسكرى لمواقف أكثر حسما وتمييزا وعدم الرضوخ للمطالب غير المشروعة شرط ضرورى لوضع نهاية للفوضى الجارية. ولكن فى تقديرى أن هناك واجبا أيضا على القوى والأحزاب السياسية وعلى الإعلام فى التفرقة بين الثورة والفوضى وبين المطالب النقابية والبلطجة. المجتمع والرأى العام بحاجة لأن نقف جميعا حكومة وقوى سياسية وإعلاما وراء موقف واحد، بقدر ما يدافع عن الحرية وحقوق الاعتصام والإضراب والاحتجاج السلمى، بقدر ما يرفض بشكل قاطع ترويع الناس واغتصاب حقوقهم واستغلال الموقف لمصالح خاصة غير مشروعة.
أعلم أنه من الصعب على الحكومة وهى تحت ضغوط شديدة لإرضاء الجميع أن تتخذ مواقف خلافية قد تعرضها للنقد، وأنه من الصعب على القوى السياسية وهى مقبلة على انتخابات أن تقف موقفا حاسما قد يفقدها بعض الأصوات، ولكن هذه اختيارات ضرورية لمصلحة الناس والمجتمع، وللحفاظ على مصداقية الثورة، والناس سوف تقدرها وتحترمها، لأنها فى النهاية تحقق صالح الوطن والمواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.