فؤاد قنديل أنا مسلم بالوراثة، والحمد لله علي نعمة الإسلام وكفي بها نعمة، وأنا علماني بإرادتي، ولأن العلمانية مصطلح سييء السمعة في نظر البعض فأنا مؤقتا سأستخدم بديلا عنه ألفاظا من قبيل »الديمقراطية« و»العقلانية« ويمكن استخدام مصطلح »الإنسانية« حتي نوضح القضية التي تبدو ملتبسة وهي بالفعل كذلك خاصة إذا تصدي لها بالرفض ضيقو الأفق. الشعب المصري منذ آلاف السنين وقبل الأنبياء والرسل يميل للتدين الذي ترسخ في أعماقه مع أشكال العبادة المصرية القديمة، وخاصة إيمانه بالبعث حيث المثول للحساب أمام الآلهة بعد الموت، وكان للكهنة في ذلك الزمان الاعتبار الأول لأنهم كما أفهموه البوابة الملكية نحو الخلود في الدار الآخرة ومن هنا أصبح شاغل الإنسان المصري هو الآخرة وليس الدنيا، وهو الأمر الذي انشغل به في العقود الأخيرة الدعاة وقيادات التيارات الإسلامية كافة وركزوا عليه ومارسوا الإرهاب عن طريق الالحاح علي تذكير الناس بعذاب القبر، ومع أن المصريين يميلون بالفطرة الي التدين الا ان الدين عندهم ظل معتدلا ومستنيرا في أغلب صوره وتجلياته وأهم غايات العقلانية (العلمانية) دفع الفكر البشري نحو الإنسان، لأن الإنسان هو الأولي بالرعاية وكذلك كل ما هو دنيوي وتجنب الانشغال بالحياة الأخري بما يعوق حراكنا اليومي مع ظروف المعيشة والعمل والعلم والتعمير والسفر والسياحة وتقديم الخدمات المتعددة والحلم بمستقبل مختلف، وكما كتب علينا الموت كحقيقة مؤكدة كتبت علينا الحياة كواقع فعلي يتعذر تجاهله علي أي نحو، ولا يتعين ان نتجاهل ما ورد بالأثر عن كبار العلماء والصالحين ملخصا ومستخلصا الفلسفة الحقيقية لوجود ومسيرة الإنسان في الحياتين »اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا«. من حق القارئ أن أفسر له سر قولي بأني مسلم وعلماني أو عقلاني في الوقت ذاته.. سوف أعرض حالتي وهي حالة الكثيرين الذين يتوجسون من الإعلان عنها، وربما يجهلون تفسيراتها، وأحسب ان هذه الحالة ربما تكون عاملا مهما في مقاومة أيه محاولات لفرض رؤي إسلامية متطرفة، فأنا.. أعتمد في شق طريقي في الحياة علي مصادر معرفية متعددة بل ولا يكاد يحصرها حصر بداية من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم ثم الكتاب المقدس وتعاليم كونفوشيوس وبوذا وكل الأفكار التي وردت في كتب أعلام الفكر والأدب من حجة الاسلام الي القديس أوغسطين وسقراط وأفلاطون والحلاج والسهروردي وابن عطاء الله وابن رشد الي ابن خلدون وكارل ماركس وشوبنهور ونيتشة وطاغور وجبران وشوقي وتوماس مور وسلامة موسي ثم سارتر وبراتراند راسل وفرويد وطه حسين ونجيب محفوظ وحسن حنفي وغيرهم. أؤمن بالعلم وضرورة استخدام العقل في كل الأمور، وأؤمن بحقوق الانسان والحيوان والجماد وكل الكائنات التي خلقها الله وصنعها وأوجدها الانسان، وأحترم القانون وأدعو ليل نهار للحرية المسئولة. أرفض تماما إجبار أحد علي اعتناق أي معتقد أو مذهب لا يريده ولا يتحمس له، وبالتالي فلست مستعدا أبدا لنبذ الآخر أو تهميشه أو ازدرائه كراهية فيما ورثه أو اختاره، لأني ضد العنصرية الدينية، ولأنني أؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع. يقول الله تعالي في كتابه الكريم »من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« ويقول »ليس عليك هداهم«، ويقول الرسول: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »أي أن الدين جاء أساسا من أجل هذه المهمة وما أقدسها من مهمة وبصرف النظر عن كل الشرائع وكل الكتب السماوية والأرضية، فيكفي ان تحل الأخلاق الفاضلة علي الأرض وتحكم سلوكنا قولا وفعلا. قال الإمام العلامة محمد عبده بعد ان عاد من زيارته لأوروبا: لقد وجدت هناك مسلمين ولم أجد إسلاما، وفي الشرق يوجد إسلام ولا مسلمين« أي أن التفرقة في النظر الصحيح تنهض علي أساس السلوك، ونحن في العالم العربي وفي مصر بالذات نتشدق كثيرا بالدين أما السلوك فنحسبه شيئا آخر.. هذه نقرة وتلك نقرة!! يقول الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم »إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوي« إذن الحساب علي الظاهر من السلوك والكلام وليس علي النوايا لأنها ملك لمولاها، وقال خاتم النبيين »الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل«. لا أظن ان الله وكل عنه أحدا ليتحدث باسمه وأن يطارد الناس لحسابه، ولكنه قال: ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن«، كما أني لا أؤمن بأن هناك علي الأرض حقائق مطلقة غير الموت، فكل المطروح نسبي يقبل الحوار والتعديل والتطوير وأؤمن بقول الشافعي: كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلامك خطأ يحتمل الصواب. أنا ميال لإيجابية الحكمة الشعبية، ومن ذلك المثل الشعبي القائل: اللي يعوزه بيتك يحرم علي الجامع »أي أنني أسلم تماما بكل ما دعاني إليه ديني، لكن إذا احتاج أولادي للقمة العيش وأنا بالكاد أوفر جزءا منها فلن أتبرع لشراء سجادة للمسجد، وإذا احتجت علاجا ضروريا وعاجلا لصحتي فليس من المقبول أن أساهم في شراء ميكروفون للزاوية«. يقول المثل الشعبي: بيت المهمل خرب قبل بيت الظالم، وأنا أعدله تعديلا بسيطا فأقول: بيت المهمل المتدين خرب قبل بيت الظالم الملحد، ذلك لأن الله لن يدافع عن العقل الغائب، والقرآن في كل فقرة من فقراته يدعو الي إعمال العقل كما ان القانون لا يحمي الغافلين، والثواب والعقاب من جنس العمل. لي جار لا يكاد يترك المسجد وولده فاشل في الدراسة ويصاحب المدمنين.. اهتم الرجل بالله الذي ليس بحاجة إلينا وأهمل ولده، لأنه تصور بالخطأ أن الله لابد ناصره ومعينه حتي لو نام وأهمل، وهي القضية ذاتها التي تكشف أسباب فقر وتخلف كثير من الدول الإسلامية، حيث يؤمن المسلمون في شتي بقاع الأرض الا من رحم ربي أن الجنة في الجيب، وأن محمدا شفيعهم وإنهم المفضلون كما يعتقد اليهود أيضا لكن ثقة المسلمين زائدة لذلك لا يعملون، فما قيمة العمل والفكر والكفاح والدقة والإتقان وتحصيل العلم والثقافة والتنافس في الأخذ بأسباب القوة، فأي قوة في الدنيا لا تساوي قدرة الخالق.. وهي رؤية عاجزة وغريبة تدفعهم للتواكل وتجنب كل مناهج العلم والتكنولوجيا والاستعانة بكل أساليب ووسائل التفوق وعدم الاعتداد بالنقد، المهم التقرب الي الله بالصلوات وتربية اللحي، ومن المسلمين الآلاف يرتكبون المعاصي ويحرصون علي طلب المغفرة بالحج والعمرة كل عام فعلي من يكذبون؟!! أؤمن بأن الله خلق الإنسان من طين.. أي خلقه للدنيا لسنوات ولذلك يقول سبحانه: »ولا تنس نصيبك من الدنيا«والدنيا تحتاج الي بناء وتعمير وكدح وخبرات، وولد الإنسان ليموت بعد حين، أي أنه لم يخلق للخلود وأبدعه الله من مادة وروح، فالدين لعلاج وغذاء الروح، فما مصير المادة؟ ألا تحتاج الي كل ما يلزمها، قال تعالي: »ولقد خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا«.. أظن أن هذه الكلمات القليلة تتضمن كل ما يحدث علي الأرض من حراك وتعامل وبناء وتبادل ونفع وتطوير. اعتدت ان أتعامل فقط مع الذي يتقن عمله حتي لو كان ملحدا، وقد أتلقي علاجي علي يد بوذي أو هندوسي إذا كان بارعا، وأصلح سيارتي عند المسيحي مادام ماهرا ويمكن ان أركب طائرة اليهودي إذا كانت أفضل من طائرة المسلم وإذا كنت صاحب عمل سوف أختار ليساعدني الأمهر والأكفأ وذا الخلق الحسن سواء كان شابا أو شيخا امرأة أو رجلاً.. كونفوشيا أو درزيا. أؤمن بأن الحياة تتطور ولا تبقي دائما علي حال، ولابد بالتالي أن تتغير كثير من المعايير والقوانين حسب ظروف العصر ومتغيرات الحياة، وكان طبيعيا أن يقول الرسول الملهم »أنتم أعلم بشئون دنياكم«. أحافظ قدر الطاقة علي قيم الحق والخير والجمال والتسامح والمساواة ولدي الاستعداد غير المحدود للدفاع عن مبدأ المواطنة الذي لا يميز بين الناس علي أساس الجنس أو العرق أو العقيدة أو اللون أو المكانة الاجتماعية، كما أني أحرص جدا علي ترسيخ مبادئ العدل والمحبة والكرامة، وتجذبني الفنون والآداب، وأتوجس من النقاب، وأؤيد سياسات الثواب والعقاب، وأحرص علي الصلوات في مواعيدها حبا في الله ورسوله وإيمانا بكتبه وجميع رسله واليوم الآخر، وأتوجه الي الله بالدعاء كي يهديني لما يحب ويرضي، وأن يعينني علي ذكره وشكره وحسن عبادته. لا أظن أن ما ذكرته ضد الدين؟.. ولذلك لا أجد غضاضة في أن أعتقد بأني مسلم علماني.