كان يمكن أن أجد مبرراً للدعوة التي وجهتها بعض القوي الليبرالية للشعب للقيام ب" عصيان مدني"، لو لم يحدد المجلس العسكري جدولاً زمنياً لتسليم البلاد إلي سلطة مدنية منتخبة بحد أقصي 30 يونيو القادم، حيث تم الاعلان عن فتح باب الترشيح رسمياً لانتخابات رئاسة الجمهورية في 10 مارس المقبل ..وكان يمكن أن يكون لهذه الدعوة مبرر، إذا كان حسني مبارك ما زال موجوداً علي عرش مصر كما هو الحال في اليمن وسوريا، أو في حالة اعلان المجلس العسكري عن تمديد بقائه في السلطة إلي عام آخر .. ولكن لم يحدث كل ذلك، وفي نفس الوقت يتم حشد الناس بهذه الطريقة وخاصة شباب الجامعات والنقابات، وهذا يعني ببساطة أن هناك شيئا آخر يراد لهذا الوطن، فبدلاً من الاحتفال بذكري تنحي مبارك عن السلطة، ندعوا الناس للعصيان المدني والاضراب، وبالتالي تخريب الاقتصاد الذي أوشك علي الانهيار، ولذلك فأنا أسمي هذه الدعوة ب "الهذيان المدني" لأن من يدعون لذلك هم بالتأكيد يعانون من مرض نفسي خطير يمكن أن نسميه "جنون الثورة" .. والذي أصبح مرض العصر بين عدد لابأس به من المصريين. وكنت أتمني أن يكون جميع الداعين لهذا العصيان مرضي .. ولكنني اكتشفت أن عدداً كبيراً منهم يعلم تماما ما يفعله، وهدفه نشر الفوضي في هذا الوطن ..، والدليل علي ذلك أن هناك حشدا عالميا لدعوة العصيان في مصر، وقد قالت منظمة العفو الدولية في بيان لها منذ يومين، أن الآلاف من أنصار منظمة العفو الدولية والنقابيين والطلاب وغيرهم في 16 دولة سيشاركون في إضراب مفتوح يوم 11 فبراير، بالتزامن مع الإضراب الذي تمت الدعوة إليه في مصر، في الذكري الأولي لتنحي مبارك عن الحكم. وقال سليل شيتي، أمين عام المنظمة : "في الذكري السنوية لمرور عام علي سقوط حسني مبارك، سنتجمع في الأماكن العامة في جميع أنحاء العالم لإظهار تضامننا مع الناس في جميع أنحاء المنطقة التي لا تزال مستمرة للوقوف في وجه القمع الوحشي بشجاعة وكرامة"..هذا الكلام لم يأت صدفة .. ولنسأل أنفسنا .. ما هو السبب وراء اهتمام الأخ "سليل" بمصر فجأة ؟ ولماذا لم نسمع صوته ونشعر بكرم مساندته لضحايا الظلم والاستبداد في دول كثيرة، ولماذا لم نلاحظ جهود منظمته في مساندة الفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الوحشي الاسرائيلي ليلاً ونهارا منذ أكثر من 60 عاما. أفيقوا أيها المصريون .. ولاتهدموا وطنكم .