قدرنا في مصر أننا كبار.. كبار القيمة.. وكبار المقام.. وقدر الكبير الدائم والملازم له طوال حياته أن يحتضن الصغير ويحتويه في صدره محاولاً أن يتفهم ظروفه ليجد الحد الأنسب لما يعترض طريقه من مشاكل تعوق مسيرته وتوقف تقدمه.. وقدرنا في وطننا الأكبر أن »تصب« عندنا الأزمات.. أزمات الدول التي نعيش بينها كجزء منها.. عواصف الأزمات تهب علينا من جهات الأرض الأصلية الأربع.. وعند مواجهة عاصفة الأزمة يظهر دور مصر عظيمة القيمة.. كبيرة المقام.. تعرض رأي العقل.. وتساند قول الحق.. فلا نرضي الانحناء أمام ريح عاصفة هبت علينا من جهة الشرق تحمل نبأ احتلال دولة عربية لدولة عربية شقيقة، ولا نرضي أيضاً الانحناء أمام ريح عاصفة تهب الآن علينا من الجنوب تحمل أنباء العبث بالتاريخ ودك العهود والمواثيق دون احترام لقانون أو توقير لتوقيع.. وكأن إلقاء زجاجة الحبر الأسود علي أوراق ميثاق العهد لمحو التزاماته بالأمر السهل الهين ولا يعي من يفعل ذلك أن سابقيه استخدموا الحبر نفسه في توقيع يحترم الاتفاق ويحمي الحقوق!! آخر العواصف التي تهب علي مصر الكبيرة أزمة مياه نهر النيل التي أثارتها بعض دول حوض نهر النيل عندما صنعت اتفاقية منفردة تضم البعض وتنأي بالمجموع.. تشق الصف وتهدم الجمع.. لقد تناست هذه المجموعة ما سبق وتم إقراره من حقوق أصيلة لمصر.. أنها لم تقرأ التاريخ فأحدثت مشكلة وخلقت خلافات عند دولة مصب نهر النيل. تناست اتفاقية روما الموقعة يوم 51 أبريل 1981 بين كل من بريطانيا وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا، واتفاقية أديس أبابا الموقعة يوم 51 مايو 2091 بين بريطانيا وأثيوبيا، واتفاقية لندن الموقعة يوم 31 ديسمبر 6091 بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتفاقية روما عام 5291، كانت كلها تنص علي عدم المساس بحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل وعدم إقامة مشاريع بتلك الدول من شأنها إحداث خلل في مياه النيل أو التقليل من كمية المياه التي تجري في الأراضي المصرية. تناست اتفاقية عام 9291 بين مصر وبريطانيا التي كانت تنوب عن السودان وأوغندا وتنزانيا متناغمة مع جميع الاتفاقيات السابقة، فقد نصت علي ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أية أعمال ري أو كهرومائية أو أية إجراءات أخري علي النيل وفروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها، سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية والتي من شأنها إنقاص مقدار المياه التي تصل مصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه علي أي وجه يلحق ضرراً بالمصالح المصرية، كما تنص علي حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل. ولعل أخطر ما في تلك الأزمة من ضمن ما تضمه من مخاطر هو محاولة البعض »تفريع« نهر القضية الأساسية إلي روافد ليس لها مكان أو دور إيجابي في القضية الأساسية التي هي الدفاع عن حق مصر التاريخي في نهر النيل فأحدثت هي الأخري خلافات في الفكر والرأي. عند التصدي لمواجهة قضية وطن لا يجوز أن يوجد مؤيد ومعارض.. وإذا تواجد المعارض فدوره أن يشد من أزر المفاوض.. قضايا الوطن هي قضايا حياة.. وحياة الوطن هي حياة أبناء الوطن.. المؤيدون والمعارضون.. علي الفكر والرأي أن يتوحدا وراء المفاوض المصري الذي يتكلم باسم أبناء الوطن.