إلي أين تسير الثورة السورية بعد عشرة أشهر من الشهداء؟ وماذا يفعل الذين صاروا أسري لنتائجها..؟ وهنا لا أقصد نصرا أو هزيمة، فالنصر مضمون بعد هذا الصمود الأسطوري في وجه أعتي نظام قمعي إنما ارمي إلي الهدف الابعد المتعلق بأخ عربي تقاعس عن نصرتها إلي أن احترقت إطرافه بلهيبها، وجوار فارسي شارك بفعالية في قمعها بأشد مما قمع به انصار موسوي اثناء انتفاضة الانتخابات. ايرانيا لا يمكن ان تشك بذكاء اي نظام يقاتل معركته بدماء شعب آخر مقابل دفع ملاليم لنظام سوري يظن انه يحارب معركته الخاصة مع أن طلاب العلوم السياسية في الصفوف التمهيدية والأولي يلاحظون الربط المحكم بين الملف النووي الايراني ومستقبل الثورة السورية ونتائجها علي حلفاء ايران في لبنان والعراق. وعربيا مر العرب بظروف مشابهة كثيرة وما حركوا ساكنا، فمنظر العجائز العربيات، وهن يبكين ويصرخن أمام الكاميرات: اين أنتم يا عرب، يمكن العثور عليه بكثافة منذ الحرب علي الفلسطينيين في لبنان ثم غزة وصولا إلي العراق، والثورة الليبية التي حاولت ان تكون عربية الاستصراخ في بداياتها الدموية. سوريا ادرك الشعب منذ اللحظات الأولي للمبادرة العربية في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني الماضي- انها مؤامرة علي الوقت وحبل نجاة لنظام تعلق بعد مشاهد المليونيات في حماة وحمص ودير الزور بأي قشة، وما أن استعاد بعض رباطة جأشه حتي دأب علي تحجيم وتقزيم »مبادرة الاشقاء« ليصل بها إلي حفنة مراقبين لم يحتملهم شهرا واحدا. واليوم اذ تأتي الدعوة إلي قوات ردع عربية تعقب المبادرة العربية يستعيذ السوريون من »مهزلة« أخري، ويسارع العاقل منهم للاشارة إلي ضرورة ربطها أولا وقبل كل شئ بجدول زمني، وقرار دولي مضمون التنفيذ بدل تركها لفريق سوداني أو لواء جزائري أو عقد عراقي يقسم أغلظ الايمان علي الحياد ويظل ولاؤه للمالكي. ومن الابعد إلي الاقرب لابد ان نلاحظ أن السودان والجزائر لم تظهرا ارتباكا ولا ترددا في دعم النظام السوري بسبب بعدهما الجغرافي اما العراق، فقد بدأ مرتبكا تحت الضغوط الايرانية، ومضطرا لتغيير خطابه السياسي من النقيض إلي النقيض، من التهجم علي النظام السوري الذي يصدر إرهابين وقتلة إلي الجار الطيب الذي يجب انقاذه ومساعدته في تحقيق اصلاحات. في الخليج كانت الصورة اكثر وضوحا، فأمير قطر ليس متعهد ثورات من الباطن عبر الجزيرة بقدر ما هو مسيس حتي العظم، ومطلع حتي النخاع علي كواليس السياسة الدولية التي تعطي دوما وبأعتراف معظم سماسرة الازمات بعد تقاعدهم أهمية خاصة للموقف الاسرائيلي الذي يمكن تلخيصه بالرغبة في اعطاء الاسد فرصة زمنية محدودة ليدمر سوريا لا ليصلحها، ثم الالتفات إلي ايران لضربها عسكريا قبل ان تحقق طموحها النووي. وعند هذا المفترق المحير والمربك للجميع تحمس السعوديون للموقف القطري من الثورة السورية فكان خطاب الملك الذي أعقبه استدعاء سفراء الخليجي، وبعدها باسابيع تضاعفت الضغوط الايرانية التي بلغت ذروتها بوصول وزير الاستخبارات الايراني الشهر الماضي لمقابلة العاهل السعودي برسالة واضحة: فرملوا دعمكم للشعب السوري كي يبقي بشار ونحن نضمن لكم هدوء المنطقة الشرقية. وقد وصلت الامور إلي مقربة من خواتمها، أو تكاد مع مطلع العام فهذا الشهر، والذي يليه حاسمان في تحديد مستقبل الثورة السورية، ومستقبل الملف النووي الايراني، فمع اقتراب تطبيق الحظر النفطي علي ايران، وتهديد طهران باغلاق مضيق هرمز تبدو الاطراف الدولية وليس العرب وحدهم تقترب من لحظة حسم جراحية مكلفة، تحاشتها عشرة أشهر، ودفع السوريون من دمائهم تكلفة هذا التكتيك الدولي البطئ الذي أكتوي بناره السوريون، ورضي به العرب لعدم استقلالية قرارهم، وعجزهم عن ابتكار خيارات اخري.