استيقظت علي إحساس طفولي غائب ، غسلت وجهي ومشطت شعري، ودخلت أعد الفطور من جبن أبيض وبيض مسلوق أفرح بسخونته عند تقشيره وأسعد وأنا أتلقفه بين يدي اليمني واليسري حتي تهدأ سخونته ويمكنني تقشيره دون وضعه في الماء البارد ، كانت أمي تعد لنا الإفطار كل صباح بيض ولبن وفول مدمس مصنوع في البيت الواسع الكبير الذي لم نشعر فيه أنا وأخوتي يوما بالبرودة أو الخواء ، كانت أنفاس أمي تدفئ المكان ، وحنان أبي يذكرنا بالالتزام وإتقان واجباتنا ، وكان أجمل ما في هذا الزمان كبر واتساع الأحلام التي صغرت مع مرور الأيام ، كان القلب خاليا من الأحزان ، والآمال تطال عنان السماء ، والمال القليل يصبح وفيرا بدعاء أمي المشهود " ربنا يبارك في القليل " و أتذكر بحزن شديد : أين ذهب الخير والسلام والأمان ، وأحاول أن أتجنب تشغيل التليفزيون أو سماع نشرة الأخبار حتي لا أفسد إحساسي الصباحي . الذكريات تؤلمني ، ليس لأنها صارت في زمن لا يمكن استعادته ،وإنما لعدم قدرتي علي مواصلة الحاضر الخالي من الأمان والاستقرار ، ومما زاد من افتقادي لزمن الطفولة تلك القصة الرائعة التي الفتها كاتبة الأطفال أماني العشماوي تحت عنوان " طيري يا طيارة " وأخذت أدندن أغنية فيروز طيري يا طيارة علي سطح الجيران بدي أرجع طفلة صغيرة ،وينساني الزمان... وما كدت أقرأ السطور الأولي من القصة حتي وجدت نفسي أسيرة لسطورها التي وجدتها حلا لحالتي حين كانت الطفلة بطلة الحكاية حزينة لفقد أبويها وانتقالها إلي بيت خالتها للعيش في بيت جديد وبلد غريب وناس غرباء عنها فينصحها صديقها الطفل بان يصنعا طيارة ورقية يلهوان بها و قبل انطلاقها في الهواء طلب من صديقته الطفلة أن تأتي بقلم مقصوف ، وأحضرت الطفلة القلم المقصوف وهي لا تفهم سببا لذلك ، ثم قال لها : هيا اكتبي ما يضايقك علي ورق الطيارة ! ونظرت له الطفلة باستغراب ولكن القلم مقصوف لا يكتب، قال ببساطة هذا هو المقصود.. إذا كتبنا بقلم له سن ستبقي أحزانا أمامنا علي الورق إلي الأبد ،ولا نستطيع التخلص منها ،ولكن كتابتها بالقلم المقصوف يخلصنا منها وننساها ، وحلقت الطيارة الورقية حاملة الأحزان في الفضاء !! واحتفظت أنا بالقلم المقصوف .