بعد ثورة 52 يناير وفي ظل التحول السياسي الضخم الذي نشهده من نظام سلطوي يقوم علي تكريس حكم الفرد وسيطرة حزب واحد الي نظام يقوم علي الحرية والعدالة والتعددية والشفافية وفي ظل واقع جديد لم ينجح بعد في الانتهاء من بناء الكيانات والمؤسسات الاجتماعية والسياسية القادرة علي تمثيل جميع قنواته وتياراته المعبرة عنه والتي تشكل بدورها مؤسسات للتنشئة الاجتماعية والسياسية تكون في مقدمة مهامها صناعة الوعي السياسي بما تضخه من معلومات ومعارف وخبرات وتجارب يظل الاعلام بجميع قنواته ووسائله وبشكل مؤقت هو المؤسسة الاولي لصناعة الوعي السياسي وقيادة الجماهير وتشكيل رؤيتها وتوجهاتها. وخلال الشهور الماضية حدثت تحولات كثيرة في المجتمع المصري ولكن مازال هناك إجماع علي ان الاعلام بعامة والحكومي بصفة خاصة لم يرتفع بعد لمستوي طموحات الجمهور . بداية لابد أن نعترف بأن هناك مجموعة من التحديات لابد من مواجهتها بشكل مخطط وعلمي ومنهجي وعلي مستوي استراتيجي للانتقال بالاعلام المصري الي مرحلة جديدة تنتهي بتحرير الاعلام المصري. أبرزها: التحدي المهني فقد كشفت أحداث 9 أكتوبر الماضي عن قصور مهني شديد في أداء وسائل الاعلام الحكومي وبعض الوسائل الخاصة، ولابد من مراجعة خطط تلك المؤسسات لأساليب عملها، وتطوير أدائها، من خلال نظم متطورة للتدريب المهني المستمر. - وكذلك التحدي المؤسسي: حيث اتسمت المؤسسات الاعلامية الحكومية بحالة من الترهل والإدارة غير الاقتصادية مما أنتج واقعا يتسم بغياب الرضا الوظيفي وغياب العدالة بين العاملين . - اضافة الي التحدي المعلوماتي: فمازال هناك ضبابية وغياب للشفافية في تغطية العديد من الاحداث ينتج عنها نشر الاخبار ثم نفيها، الامر الذي يتطلب أولا توفير تدفق من المعلومات بشكل فوري ومباشر . - التحدي التشريعي والتنظيمي: فالإطار التشريعي الذي يحكم الاعلام المصري يبدو متخلفا وسالبا للحريات الاعلامية وغير مناسب للتعامل مع إعلام جديد يقوم علي الحرية والتعددية . ويطرح ما سبق قضية تنظيم وسائل الاعلام وهي مفتاح فهم كيفية تعامل العالم الآن مع ملكية وإدارة بل وحوكمة وسائل الاعلام في العالم فالعالم يتجه الآن الي فكرة التنظيم والتنظيم لا يعني التقييد أو التكميم بل يعني وضع قواعد حاكمة وعادلة وشفافة لإصدار الصحف وإطلاق الخدمات الاذاعية والتليفزيونية وخدمات النشر الاليكتروني والتليفون المحمول ومراقبة أدائها والنظر في أي تجاوزات مهنية، ومقاومة التركيز والاحتكار في الملكية وابرز الانظمة في العالم تجدها تتمثل في: النظام الفرنسي: المتمثل في المجلس الاعلي للإعلام المسموع والمرئي النظام البريطاني: المتمثل في لجنة الاتصال وذراعها في مجال الصحافة هو لجنة شكاوي الصحفيين التابعة لمجلس الصحافة البريطاني. وبالنسبة للصحافة المطبوعة الاتجاه في العالم الآن - في أكثر من 06 دولة في العالم - يميل الي تكوين مجالس قومية للصحافة تكون بمثابة الرقيب او الضمير المجتمعي علي الاداء الصحفي. وفكرة التنظيم الان تقوم علي التنظيم المشترك بين ممثلين للحكومة وممثلين للمؤسسات الاعلامية ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام، حيث تضم هذه الهيئات ممثلين لوسائل الاعلام الحكومية والخاصة، خبراء اعلام مستقلين، قضاة، وممثلين للرأي العام من الشخصيات العامة. ويقترح في هذا الصدد إنشاء هيئة مصرية مستقلة (لتنظيم الاعلام) تتولي: 1- إصدار التراخيص للصحف عبر الشركات المساهمة وكذلك القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية وشركات النشر الاليكتروني التي تقدم خدمات علي شبكة الانترنت وكذلك الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات عبر الهاتف المحمول. 2- إنشاء قاعدة بيانات عن المؤسسات الاعلامية (القائمة) والجديدة . 3- إصدار ميثاق شرف اعلامي (بواسطة الجماعة الاعلامية) لضمان تحقيق المعايير المهنية . 4- التحقيق في أي شكاوي يتقدم بها الجمهور العادي، أو الهيئات الاعتبارية حول الممارسات الاعلامية وإصدار بيانات للرأي العام حولها. 5- رصد ومتابعة ملكية وسائل الاعلام والتصدي لأي نوع من أنواع الاحتكار بهدف تعزيز الملكية التنافسية . - التحدي الأخلاقي: والحكم في أخلاقيات وسائل الاعلام هو مدي التزامها بالقيم المهنية المتفق عليها عالميا . وختاما يمكن القول ان علي الحكومة الآن مهمة استراتيجية صعبة وشاقة هي إدارة عملية التحول بالاعلام الحكومي الي نظام اعلامي جديد، إعلام دولة حقيقي وليس إعلام حكومة، يتسم بالحرية والتعددية والقومية في ظل متطلب ومرتكز أساسي وهو »توظيف الاعلام لخدمة المصالح القومية لمصر« وحرص علي »الحفاظ علي حقوق وأوضاع العاملين الاقتصادية« ويقترح ان تتم عملية التحول طويلة المدي من خلال التفكير واتخاذ قرارات في الجوانب التالية بشكل متواز. مراجعة أوضاع اتحاد الاذاعة والتليفزيون والصحف القومية. بحث أوضاع الهيئة العامة للاستعلامات ومراجعتها. إصدار قانون جديد للبث . تعديل قانوني الصحافة ونقابة الصحفيين. و إصدار قانون لحرية تداول المعلومات. و إنشاء مجلس صحافة وفقا للأنظمة المتطورة عالميا. و إنشاء نقابة للعاملين بالإذاعة والتليفزيون. وإصدار ميثاق شرف اعلامي. وإنشاء هيئة لتنظيم الاعلام. أستاذ الصحافة ووكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة