مشكلة الشاعر والمفكر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح أصعب من مشاكل غيره من الكتاب والمفكرين في بلاد أخري فالتظاهرات اليمنية المطالبة بالحرية علي أبواب جامعة صنعاء منذ شهور وهو كرئيس لتلك الجامعة لا يستطيع الزعم انه لا يسمعهم من مكتبه وكونه يسمعهم يلزمه الوضع الصعب بإعلان موقف مما يجري حوله وأمام جامعته ليس لأنه شاعر ومفكر ورئيس جامعة فحسب بل لأن تراثه الثقافي وما أصدره من دواوين وكتب كان يشي بنزعة ثورية تستحضر الشخصيات الفاعلة والمتمردة في التاريخ. وهنا لا أحكي تحديدا عن مجموعتيه »عودة وضاح اليمن« و»رسالة الي سيف بن ذي يزن« بل عن الديوان الأخطر علي سمعته الحالية وهو »الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل« فمن يكتب بسيف ذلك الثائر القرمطي الذي أسس دولة ثورية في يمن القرن الثالث الهجري لابد ان يدعم الثوار الذين يموتون برصاص بلاطجة علي عبد الله صالح يوميا امام جامعة صنعاء بكلمة او موقف . لقد مضت ثمانية أشهر ونيف علي الثورة اليمنية والرجل صامت صمت من نسي الكلام لا صمت من لا يريد أن يحكي ويجاوره في الصمت الشاعر السوري سليمان العيسي الذي أمضي سنواته في صنعاء يكتب ويخزن، ويزور المقالح ويشاركه في الثورة الشفاهية، فهو شاعر البعث قبل صابر فلحوط، ونزعته الثورية منشورة بيارقها ما بين دمشق وصنعاء ومع ذلك فقد اكتشف كالمقالح صدفة كما يبدو ان الصمت من بلاتين مع أن تصريحات الأسد الأخيرة لصحيفة »صندي تلغراف« تعطيه المجال ليصحح التاريخ علي الأقل ويشهد بأن صراع القوميين والعلمانيين مع الاسلاميين لم يكن هو الصراع الأساسي في سوريا الخمسينيات وأن الصراع الحالي ليس بين قوميين وإسلاميين أيضا، فالنظام المتحالف مع الفرس والمهادن لإسرائيل لا يمكن ان يكون حامل لواء القومية العربية، والمنافح عنها. وفي مسألة الصمت المريب لثوار النظريات المعلبة الغائبين والذين يبحث عنهم ثوار الميادين لي أن أضيف الي هذا الثنائي المعروف بنزعته الثورية كتابيا القاص زكريا تامر صاحب »النمور في اليوم العاشر« . هؤلاء جميعا كتبوا للثورات ونظروا للثوريين وكانت بضاعتهم تماما من نوعية الأفكار التي حملها علي أكتافه شباب الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن وبعض هؤلاء الثائرين قبل فترة الخذلان نظر الي الكتاب من هذا الصنف كرموز وعدهم ضمن مرجعيات الثورة لكن هذا الشباب ينظر كما أنظر اليوم فلا يجد موقفا شجاعا واحدا من هذا الرعيل الطيب . ويشهد الله أننا لا نطلب من هؤلاء أن يؤيدوا الثورات فهي سائرة ومنتصرة بهم وبدونهم لكن الذي قرأ لهم وآمن بأفكارهم وبعض طروحاتهم يريد أن يري لهم موقفا ولو ضد الثورات، فأنا أحد الذين سيحترمونهم جدا لو خرج أحدهم وقال إنه لا يحب الثورة ولا يؤيدها، ويفضل عليها الاستقرار مع الديكتاتورية علي مجهول لا يضمنه. ان الثقافة الحقيقية حرة وجدلية وحارسة قيم بطبيعتها، والمثقف الحقيقي هو صاحب العقل النقدي لا العقل المستسلم المستكين لذا تري المثقفين في المعارضات والثورات أكثر مما تراهم مع الأنظمة والحكومات، وقد كان إدوارد سعيد محقا حتي العظم وهو لا يري للمثقف مكانا في غير صفوف المعارضة، ومع هذه التأكيدات كلها شذ المثقف العربي بالمجمل وحسب الأغلبية عن القاعدة واستطاب المكان الذي أجلسه فيه ابن خلدون »الكاتب آلة السلطان« ومن هنا كان تقدير الناس في الماضي القريب كبيرا لتلك الفئة القليلة التي رشحت من أدبها نظريا رائحة التمرد علي السائد والتبشير بعالم الحرية والعدالة. ومن المؤكد أن معظم هؤلاء الشعراء والكتاب كان يتمني ألا تضعه الظروف في ذلك الامتحان الصعب وتضطره للدفاع عمليا عن نظرياته أو الوقوف بجانب التزاماتها المسبقة كما فعل المتنبي الذي كان أمامه فرصة للهرب من قاتله لكن القاتل ذكره، وهو يستعد للفرار بمسئولية الكلمة حين سأله: أولست انت القائل: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فقال المتنبي: ويحك قتلتني. وادار وجه حصانه وعاد ليقاتل دفاعا عن شجاعة ادعاها نظما ولو في لحظة عنجهية. الكاتب بلا موقف ليس كاتبا، وهذا ما يعرفه جيدا علي سبيل المثال كاتب كمحمد حسنين هيكل، فقد صمت مثلهم قليلا ثم خرج من أسبوع ليقول تليفزيونيا أنه غير راض عن ثورات اليمن وليبيا وسوريا لأن الظروف الموضوعية لقيامها لم تنضج، وطبعا ناله علي هذا الرأي الكثير من الانتقادات لكن رأيه أصبح معروفا، والمقالات التي ناقشت أفكاره وسلقته بألسنة وأقلام حداد . إن الكاتب لا يجوز له الصمت في الأحوال العادية فما بالك في ظروف الثورة ومناخ التغيير، فهل نأمل ان ينطق هؤلاء ليدافعوا عن إرثهم إن كانوا ما يزالون علي قناعة بأهمية الثورة والتمرد والتغيير، أو ليتخذوا موقفا معاكسا، وليقفوا في المكان الذي يختارونه، فعدم الموقف لا يليق بكتاب صغار، فما بالك بقامات سامقة سبق لأحدها أن قال محقا في طلب الموقف: كن حارا، كن باردا، إن فتورك يقتلني. مفكر سوري