انقلب الإسلام السياسي المصري علي أردوغان، وأعني تحديدا جماعة »الإخوان المسلمين« التي تناسل اسم حزبها من اسم الحزب الذي يتزعمه الرجل، وقد جاءت التسمية علي خلفية المشابهة والقياس، بوصفه حزبا إسلاميا نظيرا، انطلاقا من أن المنطلق إذا كان مشتركا، فالوصول يكون واحدا. تحدد مبعث الانقلاب حين نصح اردوغان المصريين ان يؤسسوا دستورا علي مبادئ العلمانية، عندئذ أدركت الجماعة خطورة المؤثرات المحتملة لدعوته في خيارات المصريين، اعتمادا علي ما يطرحه البعد الأدائي لممارساته الظاهرة إعلاميا، فهو رئيس وزراء دولة يبلغ تعدادها 17 مليون نسمة، ولديها الاقتصاد السابع عشر في العالم، كما يمارس الرجل حاليا سجالا منهجيا وسياسيا ضد صلف إسرائيل، ممسكا بضمادة الجرح العربي، في حين أن مصر يبلغ تعدادها 08 مليون نسمة، ولديها الاقتصاد الثاني والخمسين في العالم، وتلك أمور تؤخذ علي محمل الجد في طرح تساؤلات الناس، بغية الإحاطة بالاطر، والآليات، والتدابير التي مارستها تلك الدولة الإسلامية، والتي يمكن الرهان علي تفاعلاتها لتولد مأمولا اجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا مماثلا للمصريين ويأتي تشخيص المحلل السياسي جورج فريدمان، المنشور عام 9002، ليؤكد ان تركيا لاتملك اقتصادا رئيسيا حديثا فحسب، بل انه أكبر اقتصاد في المنطقة، وربما الاقتصاد الحديث في العالم الإسلامي كله، كما أن موقعها الاستراتيجي بين أوروبا والشرق الاوسط وروسيا، يجعلها غير معزولة أو مقيدة، لذا فمع صعود اقتصادها فأنه من المحتمل ان تعود قريبا لممارسة دورها القديم بالقوة المسيطرة في المنطقة، كما يقرر فريدمان أن تركيا لاتمثل تحديا للمصالح الامريكية. إن دعوة أردوغان إلي العلمانية ضربت الاطروحة المركزية لجماعة »الإخوان المسلمين«، وشكلت لها أزمة ظرفية في مرحلة تتنافس فيها علي الحكم. صحيح ان الجماعة لم تقدم ردا بديلا إيجابيا علي ما طرحه اردوغان، وصحيح انها توسلت لتغطية موقفها بنوع من التأثيم، تجلي في وصفها لدعوة أردوغان أنها تعد تدخلا في الشأن الداخلي، لكن الصحيح أن الموقف في امتداده كشف ان الإسلام السياسي غير متجانس في منطلقاته ومعاييره، ففي زيارة أردوغان لتونس تبدي موقف الإسلام السياسي مختلفا، إذ إن حزب حركة النهضة، الذي يترأسه راشد الغنوشي، عضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين أبدي احتفاء وترحيبا بالرجل، ووصفه الغنوشي في خطابه بالقائد الكبير، وأشاد بدوره في إرساء التنمية الاجتماعية والاقتصادية في تركيا علي أسس إسلامية، إن موقف الغنوشي من العلمانية يتبدي واضحا في كتاباته، حيث أورد سردا استيعابيا لتعدد سياقات نمو العلمانية وتطورها، وسجل اعتراضه علي مراحل تجاوزاتها التي اتخذت طابعا فلسفيا شموليا متطرفا متنكرا للدين، فرفض شموليتها التي لاتتصادم مع الدين الإسلامي فحسب، بل مع كل دين، مستأنسا بما كشف عنه مفكرنا الراحل د. عبدالوهاب المسيري في التمييز بين منظور علماني جزئي وآخر شمولي، واعتبر الغنوشي ان هذا التمييز يتيح تجنب إطلاق حكم عام علي مفهوم يبدو لأول وهلة واحدا، ولكن عند فحصه يبرز تعدد سياقاته، ولأن العلمانية الجزئية محض إجراءات وتدابير لتحرير العقول، أعلن الغنوشي أن العلمانية بوصفها حرية مطلقة للعقل والبحث والنظر والتجربة لايعترضها من مصادر الإسلام معترض، مستندا في ذلك إلي أن القرآن كله دعوة إلي النظر في كل شئ، مضيفا انه كما ارتبط الإيمان في القرآن بالتعقل والنظر والمصير، ارتبط تعطيل أدوات المعرفة من حواس وعقل بالكفر. ويقرر الغنوشي ان هذه العلمانية الجزئية يمكن ان تجد لنفسها مكانا في تصور إسلامي اعترف بنوع من التمايز بين المجال السياسي والمجال الديني. إن مايجلوه خطاب الغنوشي ان علاقة التمييز تلك تتبلور في ظلها مؤسستان، إحداهما سياسية، والأخري دينية، ومسعي ذلك التوصيف تحقيق حياد الدولة تجاه ضمائر الناس في شأنهم الديني، بمعني ألا ترغم المؤسسة السياسية الناس بفرضها تصورا عقديا، أو مذهبا دينيا وحيدا تتبناه، وتحارب غيره، ويضيف الرجل ان ذلك ما يتيح تعايشا خصيبا بين الإسلام بمذاهبه المختلفة، والديانات الأخري علي تنوعها في اطار شبكة الوجود الاجتماعي، ويعترف الغنوشي ان الغرب قد نجح في انجاز التنظيم المدني للشوري عبر آليات الديمقراطية، ويجب علينا الإفادة من قدرات ذلك الانجاز. تري هل في موقف الغنوشي ما يتناقض مع صحيح الإسلام، وماهو المسكوت عنه في أزمة الإخوان مع أردوغان؟