لم أولد بعد مازلت جزءا من العدم لا أسمع شرا ... لا أري شرا... لا أقول شرا .... وأيضا لا أفعل شرا.. بريء كالمياه .. كالنجوم والشمس وزهور الحقول المعطرة . لم أولد بعد لا أعرف متي أولد، ولست أدري ماذا يكون إحساسي عندما تقع هذه المعجزة.. معجزة تحول العدم إلي وجود .. ثم تحول هذا الوجود إلي حياة. بدأ الكاتب الكبير أحمد بهجت بهذه الكلمات الفلسفية العميقة سطور كتابه " الطريق إلي الله " الذي صدر عن دار الزهراء للأعلام العربي مؤكدا في مقدمته الخيالية المبنية علي قصة الخلق من كتاب الله قائلا: آثرت أن أكتب لكم قصة إنسان في طريقه إلي الله وقد بدأت القصة من الأيام الغامضة التي سبقت خلق البشرية ، ثم تعرضت لموقف أخذ العهد وموقف سجود الملائكة لآدم ورفض إبليس ،ثم تتبعت الأيام الأولي في الجنة ، ثم انطفأ كل شيء وأدم يهبط إلي الأرض .. انزوي بطل قصتنا في خلايا آدم وظل ميتا حتي ولد ذات صباح شتائي بارد. تتبع الكاتب الكبير أحمد بهجت بطل قصته وهو جنين في رحم أمه ، ثم حين ولد ، ثم حين بدأ يستقبل الوعي ويكبر . وقد اختار كاتبنا الكبير مواقف من حياة هذا البطل وهي المواقف التي كانت ترفع عنه غطاء الخيمة الترابية وتحاول إعادته إلي أصله الروحي القديم المجيد . كتب أحمد بهجت يصف بداية الخلق : قبل بدء البدء كان الله لاشيء مع الله ولا شيء سواه استغني بذاته عمن عداه ، وافتقر إليه كل شيء سواه ، وما كان هناك سواه ، ولا كان هناك ما عداه لا نعرف متي كان هذا، ولا أين كان ، ولا كيف كان ،كل ما نعرفه وهو ما تصوره الآية في قوله سبحانه وتعالي " وكان عرشه علي الماء" "هود7" وهو مشهد مياه عظيمة تحمل عرش الله. أصدر الله سبحانه وتعالي أمره إلي العدم قال " كن " لا أحد يدري متي ؟ كل ما ندريه أن الموقف كان موقف عطاء الهي شامل من العدم إلي الدخان ، إلي الماء ، إلي بلايين النجوم ، إلي قطعة الصلصال إلي الخلية الحية إلي إنسان يتلو مزامير داود فتوراة موسي فإنجيل عيسي فقرآن محمد ويقول بطل القصة: هكذا انتقلت من أحضان المياه الخاشعة إلي ظهر أبينا أدم قبل أن يخلق الله أبانا ادم. انتقلت طائعا راضيا يدفعني الحب وكذلك انتقلت السماوات والأرض طائعة راضية يسوقها الحب . في البدء كان خلق السماء والأرض يقول الله سبحانه وتعالي :"ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " "فصلت 11" لا إكراه هناك لقد أمر الله الكون أن يكون حضورا من العدم طائعا أو مكرها ، هنالك سجد الكون بين يدي الطاعة ، وولد العشق يومذاك بني الكون علي الحب وخلق الإنسان من الحب. حكمة الخلق وفي الفصل السابع من كتاب الطريق إلي الله " يقول كاتبنا الكبير: كان الملائكة لا يعرفون حكمة استخلاف آدم .. رغم ذلك لم يكد أمر السجود يصدر إليهم حتي سجدوا. وهذه حقيقة الإيمان .. أن يطيع الكائن حتي لو كان لا يفهم الحكمة فوجئت كما فوجئ ادم بأن هناك مخلوقا يقف وسط الملائكة ولا يسجد معهم لم أكن أعرف حتي هذه اللحظة ما اسم هذا الكائن حتي خاطبه الله تعالي قال "يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من العالين" عرفت أن أسمه إبليس .. وأدهشني عصيانه .. ثم سمعت أسباب رفضه السجود فكانت أعجب من رفضه السجود ذاته قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" خاطب الله تعالي إبليس قال " فاخرج منها فإنك رجيم وان عليك لعنتي إلي يوم الدين " ارتعشت روحي من الخوف أمام هذه اللعنة الإلهية تضعضعت رغم انها أنصبت علي غيري . نعيم الجنة يصف الكاتب الكبير احمد بهجت حال بطل قصته الخيالية في الجنة فيقول علي لسانه : اعتقد ان الجنة زمان وليست مكانا هي زمان القرب من الله تعالي هذا جوهر الجنة الجنة هي زمن الدهشة والبراءة، وهي زمن الحب الجميل الذي لا يحمل هم تغييرات المحبوب أو تحولاته.. لا شمس فيها ولا زمهرير لا حر ولا برد ، ثمة ربيع دائم من الرضا الإلهي كان ادم قريبا من الله تعالي وكنت بالتالي قريبا من الله عز وجل الجنة حلم الخلود فيها ولسوف يحمل كل إنسان هذا الحلم كما حمله ادم ، من هذا الحلم من ثغرة الحلم نفذ إبليس إلي أبينا الأول ادم .. أغواه يوما بقوله " هل أدلكما علي شجرة الخلد وملك لا يبلي " وتقلبت الفكرة في رأس ادم نسي تحذير الخالق بشأن الشجرة وراح يقترب منها. لا أنكر إنني أحسست بالفرح كنت أعرف أن أدم في طريقه إلي المعصية ولكن هذه المعصية ستكون سببا في ميلادي أن كل عجائب الحياة الإنسانية مدينة بالوجود للحظة نسيان بشري كان الخالق يعلم أنها واقعة ويواصل كاتبنا الكبير قصة بطل روايته التي بدأت بميلاده هو أحمد ويأخذنا معه من خلال سطور كتابه الممتع المفعم بالتجربة الذاتية بحبه وعشقه للخالق سبحانه وتعالي في أسلوب لا تمل منه ولا تشبع بل قد تعيد قراءته مرات ومرات .