أشرت الأسبوع الماضي إلي أننا لا نعرف حقيقة أبعاد ما يسمي حرية، وبعد ظهور المقال سألني بعض الأصدقاء عن بقية الأرجوزة، وفضلت أن أبدأ بنشرها اليوم كاملة، ثم نعود للنقاش إن كان ثم داع لذلك (لاحظ أنها أغنية للأطفال، بما في ذلك الأطفال داخلنا) وها هي ذي: حرية إيه ؟ بتقول علي إيه؟ دي حكايه ْ وباينْ مِشْ نافعهْ دانا زي باخطَي فْ نارْ والعهْ باينْ أهالينا ما هيش مش فاهمة بيقولو كلامْ مالهوشْ لازمهْ الحريهْ ما تجيش أبداً كِدَا مالآخرْ، ولا كلّ ما اقرَّبْ تِتَّاخِرْ بصراحة أنا خايف أبقَي حُرْ أصل أنا ما أعرفشي "أسيبْها تْمُرّ" حا تمرِّي ازاي وتروحِي علي فينْ وانا مِشْ دَارِي أصل أنا ما اقدرشِي وبَادَارِي لكنْ ما هو لازمْ برضُو يا ناسْ دي العبوديهْ ألعَنْ إحساسْ الحرّيهْ هي "الحركهْ" جوّاك برّاكْ هيا انّك تبقي واحدْ تانِي غير اللي هناكْ يعني تْكِبَرْ وتشوف ما الأَّول وتفكّرْ وتغامر تحمِلْهَا أمانة مش تِتْمَنْظَرْ. الحرّيهْ إنك تقدر ترمِي طوبِتْهَا لو مش قادر انك تحمل إلا خِيبِتْهَا تِبْدأ بنفسك واللي حواليكْ يعملوا زيّكْ لو حر لوحدك مش نافعة، وحياة والدك وبعد أصدقاء آخرون طلبوا مني أن أفك رموز الأرجوزة، وتعجبت لأنها وصلت للأطفال مباشرة، وبعد بداية المحاولة ، عدلت، وفضلت أن أضيف بعضا من مقتطفات في نفس الموضوع خرجت مني من قديم كالطلقات بعد أن وصلتني إرهاصاتها من ممارستي مهنتي مع أصدقائي المرضي، حتي أسميتها "حكمة المجانين"، لكن خوفا من التصفيق للجنون وهو هزيمة في نهاية النهاية، عدلت الاسم إلي "رؤي ومقامات"، وإليكم بعض هذه الطلقات التي فضلت أن أقدمها دون شرح حتي لا تنقلب المسألة إلي درس سخيف: ونحن أحوج ما نكون إلي إعادة النظر فعلا في "الحرية وأخواتها" (الديمقراطية والشفافية ...إلخ) تحت شعار الحرية، قد يفقد الإنسان نفسه، ابتسامة بلهاء ترتسم علي وجهه. إياك من دعوة ي الحرية باللسان، فاحذر ممن يكثر الحديث عنها مانِحًا، وإلي درجة أقل: مُطالباً. يكاد يتناسب الحديث عن الحرية تناسبا عكسيا مع ممارستها. الحرية الحقيقية هي تصارع دكتاتوريات الأفراد علانية وبأسلحة متكافئة أي في إطار عدلٍ حقيقي...... كيف بالله عليك؟...وأين الشهود العدول. من الشجاعة والصدق ألا تلبس قناع الحرية وأنت عبد لرمشٍ أو قرشٍ، أو كرشْ. ليست حرية تلك التي تستعملها للحصول علي لذتك علي حساب شخص غير ناضج، حتي لو أوهمتَ نفسك بأنه رضي بذلك مختارا. بالله عليك كيف تطلب من الطفل أن يميز اللبن المغشوش. إن ادعاءك قبول الاختلاف مع الآخرين قد لايكون دليل حريتك، أو حريتهم، إنه يمكن أن يكون تعميقا للمسافة بينك وبينهم، ليظل كلًّ في مكانه، يلوّح الواحد للآخر "أنا عرفت كل حااااجة". الحرية القرار.. هي فرضٌ يُختبر بالفعل والاستمرار، فالقرار لا يحتاج أن يوصف بالحرية، بقدر ما يحتاج أن يُختبر بالفاعلية. لاتخيِّرْ من لا خيار له، إذا أحببته فساعده أن يشحذ قدرته علي التمييز، حتي يري ما يراه "حقا" بنفسه وفلن يحتاجك وصيا، ولن يستأذنك إذ يختارو لن يضل الاختيار إلا ليعيد الاختيار. وهكذا. في مرحلة ما... افعل عكس ما تريده تماما، ولو علي سبيل التجريب، ربما يتضح لك ماذا تريد فعلا، تتعرف علي بعض حريتك الأعمق. لا تستطيع أن تدعي الحرية إلا إذا عرفت ألاعيب داخلك... فتواضع في الصراخ بالمناداة بها حتي لا يضحك منك العارفون، (داخلك وخارجك). إذا طلبت الإذن لممارسة الحرية فأنت لست أهلا لها. ما أقسي أن تترك الأطفال يغوصون في الطين حتي الموت... تحت دعوي تركهم يمارسون حرية جهلهم بالعوم، هلاّ علمتهم العوم قبلا ياسيد الجبناء الكسالي وهل أنت تحذق العوم أصلا؟ إن الاختيار الحقيقي.. هو اختيار المجال الذي ينمي قدرتك علي الاختيار. شرط أن تكتسب حريتك هو أن تعبُر جِسر الألم رافعاً رأسك، ممسكا القرار بيدك، وقلم التغيير، باليد الأخري: للتعديل، لا للتراجع. فلماذا الشكوي والتبرير المُعادْ؟ أستاذ الطب النفسي كلية الطب جامعة القاهرة