ليست ذاكرة الوطن وحدها هي التي تحمل التاريخ، وإنما الروايات تفعل ذلك أيضا بشكل أو بآخر، تحفظ الأماكن والتراث الثقافي، ما حدث من احتراق كاتدرائية نوتردام أشعل النار في ذاكرة التاريخ الإنساني، كم من حرائق وحروب دمرت أماكن ونسفت ذاكرة أمم، وبقيت الروايات حافظة لها، رغم عدم وجودها في الواقع الحقيقي مثل شوارع وأحياء وأزقة روايات نجيب محفوظ »بين القصرين وقصر الشوق والسكرية» و»زقاق المدق» التي سجل فيها خرائط لأحياء لم تعد موجودة بأسمائها الحقيقية. ما حدث في باريس من تدمير سقف وبرج الكاتدرائية أوجع قلب الإنسانية في العالم، وقفز في ذهني لحظة اشتعال المبني الأثري التاريخي في أحداث رواية أحدب نوتردام للكاتب الفرنسي فيكتور هيجو والذي وصفه فيها الشاعر الفرنسي الكبير ألفونس دي لامارتين بعد ظهور روايته ب »شكسبير الرواية الفرنسية»، وهي الرواية التي تدور أحداثها التاريخية داخل كاتدرائية نوتردام، حيث اتخذ فيكتور هيجو دائما موقفا ضد الظلم وغياب العدل وأنصت لصوت الضعفاء والمحرومين، في (شخصية الأحدب) الذي وقع في حب شابة جميلة محاولا التضحية بحياته عدة مرات من أجلها، وبدا أنه حب رجل لامرأة لكن الواقع أن الأحدب بعاهته والنكران والقمع التي عاني منها، وقع في حب دفء الجمال الإنساني المحروم منه في صورة امرأة، عطفت عليه ولم تسخر من عاهته لقد أدرك بعظمه (وهو الأحدب) أن فناء جسده القبيح يعني استمرارية أعماقه الإنسانية الجميلة بالبقاء، لقد ظل أحدب نوتردام قابعا خلف جدران الكاتدرائية، منعزلا عن العالم، عاجزا عن أي اتصال خارجي، كرمز لعاهة تبعده عن العالم، وكاتهام لمجتمع يعزل العاهة ويخفيها ويحتقر الضعيف وينهش المحرومين، لقد تحول الأحدب إلي كيان منعدم وعاجز عن الفعل حتي تأتي الشرارة التي أنارت ما بداخله المتمثلة في الجمال الإنساني ويتفوق أحدب نوتردام علي الجميع بأن يصبح أفضل منهم.. وتبقي روايات هيجو ومحفوظ سجلا للتراث والأماكن التي دارت فيها أحداث التاريخ وحفظ التراث ضد أي حريق أو تدمير.