الأعلى للجامعات يوضح موقف الطلاب غير المسددين للمصروفات من دخول امتحانات نهاية العام    وزير التجارة والصناعة يبحث مع ممثلي غرفة مواد البناء الآليات التنفيذية والقرارات الخاصة بتطوير منطقة شق الثعبان    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    وزير التعاون الدولي تناقش الإعداد لاجتماعات الدورة السادسة للجنة «المصرية - الأذرية»    محافظ المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات بقرى حياة كريمة    حماس: انتهاء الجولة الأولى من مفاوضات القاهرة بشأن هدنة غزة.. ونتنياهو يحاول كسب الوقت    مسؤول إسرائيلي: لا نرى أي مؤشرات على تحقيق انفراج في محادثات الهدنة في غزة    روسيا تؤكد ضرب مواقع عسكرية وشبكة الطاقة الأوكرانية "ردا" على هجمات كييف    أخبار الأهلي : بعد اصابته ..موقف إمام عاشور من المشاركة فى مباراتي البلدية ونهائي أفريقيا    رئيس نادي خيتافي يكشف مصير ميسون جرينوود في الموسم المقبل    أخبار الأهلي : اليوم ..حفل تأبين العامري فاروق بالأهلي بحضور كبار مسؤولي الرياضة    مصرع طالبة دهستها سيارة مسرعة أعلى محور الضبعة بالوراق    خان شقيقه بمعاشرة زوجته ثم أنهى حياته بمساعدتها في كفر الشيخ    أصالة نصري تحذف صور زوجها من حسابها على إنستجرام    أفضل دعاء للأبناء بالنجاح والتوفيق في الامتحانات.. رددها دائما    أسترازينيكا تسحب لقاحها المضاد لكورونا من السوق بسبب قلة الطلب عليه    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو اليوم.. فيديو    تعذيب حتى الموت| قرار جديد بشأن المتهم بإنهاء حياة صغيرة السلام    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    عبد المعطى أحمد يكتب: عظماء رغم الإعاقة «مصطفى صادق الرافعي»    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    صادرات السيارات بكوريا الجنوبية تقفز 10.3% خلال أبريل الماضي    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    وزير الخارجية الإيراني: طهران والقاهرة تتجهان نحو إعادة علاقاتهما الدبلوماسية إلي طبيعتها    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    فصائل فلسطينية: سنتعامل مع إفرازات أي مخطط للوصاية على معبر رفح كما نتعامل مع الاحتلال    علاء مبارك ينتقد مركز "تكوين الفكر العربي".. بين الهدف المعلن والتحفظ على العقيدة    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    أصالة تحذف صورها مع زوجها فائق حسن.. وتثير شكوك الانفصال    باتور... سيارة حصرية جديدة من بنتلي    تعرف على حد الاستخدام اليومي والشهري للمحافظ الإلكترونية للأفراد والشركات    الإفتاء تكشف محظورات الإحرام في مناسك الحج.. منها حلق الشعر ولبس المخيط    30 جنيهًا للعبوة 800 جرام.. «التموين» تطرح زيت طعام مدعمًا على البطاقات من أول مايو    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    المركزي للمحاسبات: ملتزمون بأقصى درجات المهنية في نظر الحساب الختامي الموازنة    رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية    بدء تنفيذ أعمال مبادرة "شجرها" بسكن مصر في العبور الجديدة    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    مجلس النواب يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    نتائج التحقيقات الأولية فى مقتل رجل أعمال كندى بالإسكندرية، وقرارات عاجلة من النيابة    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقاد والشخصية المصرية
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 03 - 2019

للأستاذ عباس العقاد كتاب ضافٍ عن ثورة 1919 وإن حمل عنوان » سعد زغلول سيرة وتحية »‬ . فالكتاب يستصفي زبدة ما في تلك الثورة وما صاحبها، وتأليف الوفد المصري.
وبدء عمله، والقارعة التي تمثلت في اعتقال سعد زغلول وإسماعيل صدقي ومحمد محمود وحمد الباسل ونفيهم إلي مالطة، واندلاع شرارة الثورة، وما تلا ذلك من أحداث الثورة وما أسفرت عنه بدايةً من الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، ثم ما اعترضها من خلاف علي المفاوضة وحصول القطيعة بين سعد والوزارة، مما أدي إلي فشل المفاوضات الرسمية، وإعادة نفي سعد زغلول في هذه المرة إلي »‬ سيشيل » ومعه سينوت حنا، ومصطفي النحاس، ومكرم عبيد، وعاطف بركات، وفتح الله بركات، وما تلا ذلك من صدور تصريح 28 فبراير، والذي وصفه سعد بعد عودته ورفاقه من المنفي إلي الوزارة فقال : »‬ هوناقة البدوي التي تباع بمائة درهم وتباع التميمة التي في رقبتها بألف، ولكن لا تباع الناقة بغير التميمة .. فما أملحها من صفقه »‬ لولا الملعونة في رقبتها » !
اتخذ الوفد المصري فور تشكيله موقفًا رافضًا من الامتيازات الأجنبية، ولكنه لم يجهر به حتي لا يحول دون الاستقلال، ومن المعروف أن الامتيازات الأجنبية، لم تلغ إلاَّ فيما بعد سنة 1949، وسافر الوفد إلي أوروبا لطلب استقلال مصر، وعارض والشعب لجنة ملنر، فيما شب الخلاف علي المفاوضة بين الوفد والوزارة العدلية، وما أدي إليه ذلك من قطيعة بين سعد زغلول والوزارة، انتهت بفشل المفاوضات الرسمية، وصدور تصريح 28 فبراير، وإعادة نفي الزعماء هذه المرة إلي سيشيل، وعودة سعد من المنفي إلي رئاسة الوزارة ثم إلي رئاسة مجلس النواب، إلي آخر ما أنجزته الثورة وما فاتها، وليس هذا موضوع هذه السطور .
الشخصية المصرية
ليس من أغراض هذه السطور، تتبع ما كتبه الأستاذ العقاد عن ثورة 1919، وإنما التوقف عند البحث العميق الضافي عن الشخصية المصرية، والذي افتتح به الكتاب ومهد لرؤية الثورة .
وأكاد لا أعرف بحثًا أعمق من هذا البحث في دراسة الشخصية المصرية، وهي غير »‬ عبقرية المكان » التي انصرفت إليها المجلدات الأربعة للدكتور جمال حمدان عن »‬ شخصية مصر » .
من معالم الشخصية المصرية أنها حصاد تاريخ قديم العهد بالمدنية والحضارة، وتوارثت من العقائد والمأثورات ما صار به لها تراثًا مصونًا .
أمة ذات أرزاق مطردة، ومعيشة منتظمة مستقلة، لا عدوانية فيها، ولا تلجأ إلي الحرب حين تلجأ إليها إلاَّ لأنها ضرورة لا محيص عنها واتقاءً لنكبة أكبر منها .
أمة لا تطيع حكامها كما يطيع البدوي زعيمه، وإنما هي أمة توارثت العقائد والمأثورات جيلاً بعد جيل، وصار لها من بعض تلك العقائد تراث تصونه فوق صيانة المصلحة .. يستعصي قيادها إذا أصيبت في عقائدها وموروثاتها أوظهر لها الجور علي أرزاقها ومرافقها، هنالك يستعصي قيادها وتصمد للحرب صمود المقاتل المجبول عليها .
بطلان فرية الخنوع !
ليس أكذب من رجم الأمة المصرية بالاستسلام والخنوع، فلوأحصيت الثورات في تاريخ مصر القريب، لبدا جليًّا بهتان هذه الفرية . ثار المصريون علي الفرنسيين، وثاروا علي الترك والمتتركين ؛ وثاروا علي الانجليز أكثر من مرة في قرن واحد، وكان للعقيدة والموروثات دخل في معظم هذه الثورات من حساب المصلحة القومية أوالفردية .
قدم العهد بالمدنية
أفرز قدم العهد بالمدنية، حب الأسرة واستقرار النظام البيئي علي أساس بعيد القرار . وينسي المصري كل شيء إلاَّ وشائج الرحم وآداب الأسرة . فالأسرة عظيمة الشأن في آداب المصريين من أقدم عصور التاريخ، فلا يتجرد المصري من عواطف الأرحام بين أبوّة وأمومة وبنوّة وقرابة وآصرة دانية أوقاصية .. وذلك هوقوام العرف الاجتماعي في أخلاقه وعلاقاته، وهوأيضًا قوام »‬ المحافظة المصرية » التي تحب الألفة وتعرض عن البدع والخوارق .
بين الآصرة الاجتماعية
والارتباط بالنظام السياسي
المصري اجتماعي من ناحية الأسرة وعراقة المعيشة الحضرية، وهذا الارتباط أقوي في نفسه جدًا من ارتباط النظام السياسي والمراسم الحكومية.
والمصري علي خلاف المظنون وإن كان متحفظًا إلاَّ أنه متحفز أيضًا للتغيير حين تتجمع دواعيه.
ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن المصري ضعيف الاهتمام بالسياسة، أومنصرف عن تتبعها واستطلاع أخبارها ومجرياتها، أوأنه قليل البصر بمداخلها ومخارجها .
الذهن المصري
والذهن المصري العريق ذهن عملي واقعي، سهل المنطق، شأنه في ذلك شأن أبناء الأمم الزراعية عامة .
فالأرض والغلة والنيل والفيضان وأطواره كلها من الوقائع المحسوسة المطردة في قياس عقل المصري بغير توثب في خيال ولا جموح خاطر .. لا يحوجه اتصاله بالغيب إلي التخيل، وإنما يحوجه إلي التدين والإيمان والانتظار في شيء من التسليم .
لهذا فعندما خلق المصري القديم عالمه السماوي خلقه عالمًا أرضيًّا آخر علي غرار العالم الأرضي المشاهد بالعيان .
ولهذه العقيدة المصرية واستوائها وحضارة الأمة التي تعتقدها وعذوبة طبعها وإيناس عشرتها وألفتها سلم الدين في مصر من »‬ لوثة العصبية العمياء »، وسلم تاريخ مصر من المذابح الطائفية والضغائن الدينية إلاَّ أن يكون تسللاًّ من طائفة غريبة أوتطرف دخيل .
الصبر والألفة بالأرض
فالمصري عامل في حياته كما هوعملي في النظرة إلي الحياة، وما يحسبه البعض ركودًا ما هوإلاَّ ألفة بأرضه وسكنه وتربة وطنه . لا يخف إلي هجرتها إلاَّ للعذر القوي .
صبره علي العمل والمشقة، نسيج في شخصيته، زرعه فيه جريان النيل والمواسم الزراعية التي ينتظر كل منها في أوانه ولا يتقدمه . يربط كل أمل بأجله . لذلك كان المصري طويل البال، فيه أثر »‬ القدرية » وانتظار الغيب، قليل الاستعجال للمقادير .. جلود مسالم صبور .. شعاره في الخصومة .. »‬ اصبر علي جار السوء .. إلخ » . لا يعجل بالشر إلاَّ أن يُدفع دفعًا إلي الانتقام، ولا يحجم عن خطر في سبيل الخصومات الأهلية المرتبطة بالأسرة . فإذا احتمل من الحكومة ما لا يحتمله من غيرها، فليس ذلك جبنًا ولا فتورًا، وإنما لتغلغل الأسرة في نسيجه وكيانه .
ولم يحل هذا الصبر دون أن يكون المصري »‬ ابن نكته »، يقدر النكتة والدعابة، ولعل ذلك مما يعينه علي الصبر والاحتمال .
تلك هي الخطوط الرئيسية العاجلة »‬ للنفس المصرية » التي رآها الأستاذ العقاد بعين الواقع، وهي خصائص انسانية تقترن بالقوة وتعتنق أفضل ما عرف من أخلاق الشعوب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.