وسط أجواء صيفية حارة عاشت مدينة مراكش أياما من نوع خاص علي ايقاعات موسيقي المهرجان الوطني للفنون الشعبية الرابع والستين والذي اختتمت فاعلياته مساء الأحد الماضي وسط حضور كبير من قبل عشاق التراث المغربي والمسئولين والمثقفين والجماهير التي تنفست رائحة التاريخ في قلب المدينة الساحرة الصاخبة بالسهر والموسيقي. شهد حفل الختام الذي أقيم في قصر بديع حضورا جماهيريا كبيرا خاصة أن دورة هذا العام رفعت شعار (تراث القرن في تجدد) وذلك بهدف خلق حالة تواصل بين الأجيال للتعرف علي تراث الأجداد في مختلف الفنون حيث شارك في حفل الختام ما يقرب من عشرين فرقة فلكلورية من مختلف مدن المغرب لتقدم لوحات فنية تعبر عن موروث كل منطقة بداية من جبال أطلس ووصولا إلي فاس وأغادير وبقية المدن المغربية. وتضمن برنامج هذه الدورة التي نظمت، ما بين 92 يونيو وحتي 3 يوليو الجاري تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، احياء عروض فنية للأهازيج الشعبية ورقصات فلكلورية وموسيقية تراثية للفرق المشاركة من مختلف مناطق المغرب، كفرقة المنكوشي والغيطة وعيساوة وعبيدات الرمي من الشمال الشرقي، وفرقة روكبة والكدرة وأحواش تيسينت وهوارة وأحواش ورززات من الجنوب، وفرقة حاحا تمنار وأحواش ايمنتانوت وأحيدوس وتازاويت من الأطلس، وفرقة الحوز أو العيطة الحوزية والدقة المراكشية وكناوة وأولاد سيدي حماد أو موسي من الحوزومراكش وقدمت هذه الفرق عروضها علي ثلاثة مسارح هي خشبة الحمراء وخشبة الأطلس وخشبة توبقال. وقد تنوعت أنواع الموسيقي الفلكلورية المغربية وفقا لكل مدينة قادمة منها فعلي سبيل المثال قدمت فرقة الكدرة مجموعة من الرقصات الروحية لدي أهل الصحراء وأغلب كلماته اتجهت إلي تسبيح الله ومدح جلاله، أما فرقة الدقة المراكشية فاتجهت في فنها إلي الايقاع الراقص، بينما قدمت فرقة أحواش وازازت تابلوها راقصا يمثل طرق الاحتفال في الأفراح الشعبية بتلك المنطقة. ولأول مرة خصصت إدارة المهرجان قرية بمنطقة غابة الشباب لتكون ساحة فنية لتبادل الأفكار الفنية والثقافية وشهدت مشاركة بعض الفرق الشعبية مثل مجموعة أولاد البو عزاوي وجيل جيلالة والفنانة الشعبية الداودية وعبدالرحيم الصنهاجي وحميد القصري وسعيد موسكير والفنانة الأمازيجية تاشينويت والفنان الشعبي الستاتي، إلي جانب فرق غنائية من الهند. واللافت للانتباه أن أغلب العروض الشعبية تضمنت فقرات أقرب إلي الغناء الصوفي المتواجد في مصر وهو ما يشير إلي وجود تواصل وتلاق بين ثقافات الشعوب خاصة ان الدين واحد واللغة واحدة وبالتالي تبدو الموروثات متقاربة ومتشابهة خاصة تلك العروض التي كانت تقدم مدحا للرسول صلي الله عليه وسلم وآل بيته والصحابة والذكر الصوفي الذي يمثل غذاء للروح والقلب. وسعي منظمو المهرجان، الذي شارك فيه حوالي 005 فنان وفنانة يمثلون مختلف المناطق المغربية، أن تجسد دورة 1102 صورة حقيقية لقيم التسامح والتضامن، والترحاب وقبول الآخر، خاصة بعد الحادث المأساوي الذي شهدته مراكش وتجسيدا للروح الوطنية الحقيقية في الحفاظ علي قيم السلم والتسامح. وعلي امتداد خمسة أيام، شهدت قرية المهرجان تنظيم ورش عمل فنية يشارك فيها الشباب وندوات لضمان تواصل جيد وتفاعل فني وثقافي. وقد شهدت أيام المهرجان تقديم عرض رسمي في العاشرة من مساء كل ليلة في قصر بديع أحد القصور التي تتميز بطابع أثري عريق ولقد تميزت عروض قصر بيع باحتوائها علي رؤية درامية تجمع بين التمثيل والإلقاء والمونودراما التي تحيط بالعرض الفني. ومن جانبه أكد السيد كريم العشاق رئيس مؤسسة مهرجانات مراكش ان الإعداد لدورة هذا العام بدأ منذ شهر يناير الماضي حيث وضعت المؤسسة جميع جهدها للخروج بالدورة بالشكل اللائق بمدينة مراكش، موضحا ان ادارة المهرجان تسعي لتوسيع محتوي المهرجان خلال السنوات القادمة بشكل تدريجي حتي تكون الدورة الخمسين بمثابة احتفالية استثنائية بهذا المهرجان الأعرق في المملكة المغربية. أما محمد نايت مبارك مدير المهرجان فأعرب عن سعادته بالاقبال الجماهيري الكبير علي دورة هذا العام، مشيرا إلي ان إقامة المهرجان ونجاحه في هذا التوقيت جاء كرسالة حب وسلام من مراكش التي تعد رمزا لتلاقي الثقافات والحضارات في المغرب، وقد سعت دورة هذا العام لاتخاذ خطوات أهم من تسليط الضوء علي فرق الفنون الشعبية فقط بل جعل هذه الفنون متواصلة مع الأجيال الجديدة التي لابد أن تتعرف علي تراث أجدادها من خلال مشاركة أفضل الفنانين الشعبيين في جميع أرجاء المغرب لتقديم أفضل المواهب في هذا المجال.