بعد ثورة 52 يناير المجيدة أخذ أحياناً الحوار بين المصريين منحي غريباً، ولا سيما ممن يطلقون علي أنفسهم الليبراليين أي الأحرار ومنهم من يدعو بدعاء العلمانية منطلقاً من فلسفة جدلية علي غير هدي ولا منطق كالسفسطائية إلي إقامة دولة مدنية وقصدهم إقامة دولة علمانية تقوم علي فصل الدين عن الدولة بدليل أنهم يرفضون نص الإعلان الدستوري المصري علي أن الإسلام دين الدولة بل ومنهم من يرفض مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع الدستوري والقانوني واللائحي، وذلك بالرغم من أن الدولة تظل مدنية ولو أنها ليست علمانية مادامت سلطة الحكم فيها سلطة مدنية وليست فيها ولاية لفقيه أو لرجال دين ولو كان مرجعيتها شرعية إسلامية، أي تقوم علي تطبيق الشريعة الإسلامية بما علم منها من الدين بالضرورة من مبادئ وأصول ثابتة ثبوت اليقين وأحكام شرعية مقطوع بثبوتها ودلالتها فالدولة التي ليست لها مرجعية شرعية إسلامية هي دولة علمانية وليست مجرد دولة مدنية. ولا يقف جدل الليبراليين الجدد عند هذا الحد، بل يتحدون بأن هناك مبادئ فوق الدستورية تؤسس لدعواهم بعلمانية مصر، أو علي حد تعبيرهم مدنية الدولة. والحقيقة أن المبادئ فوق الدستورية في مصر لا تنطق إلا بما ورد في الإعلان الدستوري المشار إليه من نص المادة الثانية الكاشف عن أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. والمراد بقولنا »نص كاشف« أنه لم يضف جديداً بل يعبر عما كان قائماً فعلاً من مبدأ دستوري غير مقنن أي حتي قبل أن يتم النص عليه في وثيقة رسمية صادرة عن الدولة. وللتنويه بأن النص الدستوري القاضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع هو نص كاشف أهميته فهو يستند بأثر رجعي إلي أكثر من ألف وأربعمائة سنة وأن الاستقراء التاريخي القانوني والتحليل والتأصيل لقواعد القانون المصري يدل علي أن معيار مشروعيتها وبقائها يتبلور في مدي مطابقتها لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي هي الشريعة العامة في البلاد وأن كثيراً من قواعد القانون المصري القائمة أو القديمة تستمد أصل وجودها من الشريعة الإسلامية، ولا سيما في مجال الأحوال الشخصية المرتبط بالشعب باعتباره الركن الأول في الدولة ولا خشية ولا خوف من كل ذلك لأنه ليس أسمي ولا أقوم من الشريعة الإسلامية في صون حقوق الإنسان وحرياته العامة بل إن المقرر في هذه الشريعة السمحاء أن الله سبحانه وتعالي لا يرضي عن هدم بنيان إنسان بغير جريرة وأنه لا يجوز التضحية بحياة إنسان التي يعتبر إهدارها قتلاً للناس جميعاً وإحياؤها إحياء للناس جميعاً والإسلام دين إنساني متمدين يكفل للإنسان حقوقه وكرامته ولم يعرف عنه إيذاء للمسلمين أو للذميين.