البحث عن أسباب ما يشعر به الكثيرون من إحباط لا يحتاج إلا متابعة سلوك الناس وقراءة أفكارهم ومشاعرهم، وهي تنتقل من فرحة عارمة بنجاح ثورتهم وقدرتهم علي تغيير نظام ظل راسخا لسنوات طويلة ، إلي حماس منقطع النظير للمشاركة والتعبير عن الرأي والتحرر من الخوف، ثم حماس أكبر للمحاسبة والمحاكمة لكل رموز الفساد ،ثم توقعات بتغيير شامل وحاسم للقواعد والأساليب والمناهج القديمة في إدارة شئون الدولة، مثل اختيار القيادات في المواقع المختلفة، والتعامل مع الأزمات اليومية، ووضع حلول ثورية للمشكلات المستعصية! خلال هذه المراحل المتوالية التي أعقبت الثورة، تسربت أحداث كثيرة زرعت بذرة الإحباط في نفوس المصريين، أولها غياب الأمن والتراخي في إصلاح ماحدث فيه من خلل جسيم أدي إلي سيادة البلطجة والفوضي، وضياع هيبة القانون واحترامه، حتي أصبح كل من يريد قطع طريق أو اعتداء علي منشآت عامة أو ترهيب سكان شارع في وسط العاصمة، يفعل هذا دون خوف من عقاب! ..ثم جاءت أحداث امبابة لتشعل أحاديث الفتنة وتصطنع صراعا طائفيا مقيتا، أثبتت الثورة فشله بما حققته من تلاحم متين بين كل من شاركوا فيها دون تفرقه في الدين والعقيدة، وصاحب هذا كله تصاعد في أسعار الاحتياجات الضرورية لحياة الناس، وتزايد الشعور بالإحباط حين شعر الناس أن أشياء كثيرة مازالت تستحق التغيير، في أجهزة الدولة والإعلام والتعليم والمحليات والخدمات، بينما السلطة القائمة لا تحقق طموحاتهم في هذا التغيير ولا تواكب الإيقاع السريع الذي أرادوه، بل تعاندهم أحيانا، أو تستخدم نفس القواعد القديمة في فرض وجوه أو سياسات غير مرغوبة، تكون عبئا علي السلطة نفسها لأنها تخصم من رصيدها لدي الشعب..وهذا ما يجعل الناس يشعرون بالحاجة إلي الضغط المستمر للحفاظ علي الثورة وحماية الرغبة في التغيير الحقيقي، خاصة حين أدرك الجميع أن التخلص من النظام القديم لم يتحقق لمجرد تنحي الرئيس السابق ومحاكمة رجاله، لأن هذا النظام مازال متغلغلا في القلوب والعقول!