أنا من الجيل الذي تأثر بشدة بأشعار المبدع أحمد فؤاد نجم وتوأمه الشيخ إمام عيسي مطربا وملحنا لاشعاره التي شكلت وجدان عدة اجيال مختلفة كانت تري نفسها في كل هذا الكم الهائل من الاشعار التي جاءت لتعبر بصدق عن واقع أليم اكتوينا به لسنوات طويلة حتي جاءت لحظة الخلاص منه مع نسمات ثورة 52 يناير المجيدة. وقبل اندلاع الثورة بشهرين كان السيناريست والمخرج عصام الشماع قد بدأ في تنفيذ فيلمه الجديد »الفاجومي« وكأنه جاء علي موعد مع القدر ليتزامن تقديم قصة حياة شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم مع ميلاد مصر الجديدة التي عاش نجم وعشاقه يحلمون بها منذ زمن طويل. وانتظرت بفارغ الصبر عرض فيلم »الفاجومي« لاذهب لمشاهدته والاستمتاع باحداثه التي اعتبر نفسي وأبناء جيلي من روافدها بجانب انني من عشاق الممثل القدير خالد الصاوي واعتبره واحدا من أعظم ممثلي هذا الجيل وهو ليس ممثلا فقط ولكنه ايضا شاعرا واديبا وناشطا سياسيا وصاحب رؤي وفكر ولابد انه سوف يمتعنا بادائه لشخصية »الفاجومي« الاسطورية التي يحفظها كل من عاش تلك الحقبة الزمنية حيث تغنينا جميعا بأشعاره ودغدغ الشيخ إمام رفيق دربه مشاعرنا وقلت في نفسي ان اختيار نجم النجوم صلاح عبدالله لاداء هذه الشخصية سوف يزيد من توهجها ولمعانها فهو ممثل عتويل وشاعر مجتهد ومؤد جيد وقادر علي توصيل مفردات هذه الشخصية الينا بسهولة. ووسط كل هذه الامنيات المتفائلة بمشاهدة عمل سينمائي متميز يروي قصة حياة »الفاجومي« جلست بين مجموعة من الاصدقاء القدامي لنستعيد معا ذكرياتنا مع احمد فؤاد نجم والشيخ إمام ولكننا وجدنا شيئا اخر دفعنا الي تبادل نظرات تحمل كل علامات التعجب والاستغراب وربما كان كل منا يسأل الاخر بصوت خافت لماذا لجأ عصام الشماع إلي اغفال اسم احمد فؤاد نجم والاكتفاء بالرمز الي شخصيته باسم اخر مستعار هو »ادهم فؤاد نسر« بينما تحول الشيخ إمام عيسي الي الشيخ »همام« ثم ترتب علي ذلك بالطبع تغير اسماء زوجات شاعرنا الكبير فصافي ناز كاظم الكاتبة المحترمة اصبحت »ماهيتاب« والمطربة القديرة الصديقة عزة بلبع أصبحت »منة« وهكذا تبدلت الامور ولم تعد الصورة واضحة في اذهاننا فنحن الان امام عمل يشوه سيرة ذاتية لشاعر كبير يعلم عشاقه ومحبيه كل شيء عنه فلماذا لا تقدم قصة حياته كما هي دون حذف أو اضافة ومن خلالها تستطيع ان تتابع كل الاحداث السياسية والاجتماعية التي عاصرها بكل ما لها من ايجابيات أو سلبيات خاصة ان مخرجنا وكاتب السيناريو عصام الشماع قال انه اقام البناء الدرامي ونسج خيوط شخصياته معتمدا علي المذكرات الحقيقية لاحمد فؤاد نجم ثم نجده ايضا يركز علي فترتي عصر عبدالناصر والسادات فقط فأين عصر حسني مبارك الذي استمر 03 عاما وكان خلالها احمد فؤاد نجم مقاتلا شرسا لهذا العصر البائد وتعرض فيه لمشاكل كثيرة ومؤلمة؟! وتعجبت ايضا من عدم التركيز بقدر كاف علي الحياة الانسانية والاجتماعية لاحمد فؤاد نجم وهي مليئة بالمتعة والاثارة والاكتفاء فقط بالاهتمام بالخط السياسي عبر سنوات محددة اختزل من خلالها سنوات اخري مهمة من مشوار حياته الحافل بالمغامرات وحياة الصعاليك المضحكة والمبكية! وبقدر اعجابي وانبهاري بالنجمين خالد الصاوي وصلاح عبدالله وهما علامات فارقة في تاريخ الحركة الفنية الان إلا انني لم انفعل معهما ولم اقتنع بانني أمام الثنائي الحقيقي نجم وإمام اللذين ذبت عشقا فيهما ومعي الملايين من عشاقهما ولا ادري ايضا الحكمة من اصرار المخرج عصام الشماع علي أن يأتي بأحمد فؤاد نجم بشحمه ودمه في مشهد ختام الفيلم فشعرنا بالفارق الكبير بين الاصل والصورة وشتان بين خالد الصاوي - أدهم فؤاد نسر - بطل الاحداث واحمد فؤاد نجم صاحب مشهد الختام في فيلم »الفاجومي«!! وعلي الرغم من وجهة نظري المعارضة لعصام الشماع في فيلم »الفاجومي« إلا انني احيي منتج الفيلم حسين ماهر علي وقوفه وراء تقديم عمل يحمل ولو عن بعد رائحة رجل في قامة وشموخ وكبرياء احمد فؤاد نجم.. وهناك كلام كثير عن العمل ولكن ضيق المساحة تحول دون البوح بالمزيد من الأمور النقدية الاخري!