قليلة هي الإجازات التي يروق لي فيها القراءة الحرة بالمفهوم الذي يعني قراءة بلا مسئولية الكتابة عنها، وهي مهنة لا أنكرها ولا أكرهها ولكنها أحيانا تصيبني بحالة من الحيرة، فأحن لقراءة كتاب لا أكتب عنه، ولا أتحدث مع أحد حوله، كتاب يخصني وحدي، استمتع معه في عزلة بعيدا عن أي ضوضاء،وكان القرار بالفرار إلي هناك، إلي ذلك الشاطئ المهجور، الذي لا يزوره أحد ولا يهتم به أحد، حتي في أيام الإجازات، فهو شاطئ ينعم فيه البحر بالهدوء، البحر الذي أجد فيه نفسي دوما بلا مشقة في هذا المكان النائي. لا أعرف لماذا وقعت عيني علي رواية الأبله للكاتب العبقري دوستويفسكي لتكون رفيقة لي، ربما كانت بايحاء من أحد الاصدقاء المقربين، وربما وقع اختياري عليها لأنني أريد أن أعيش حالة الشفافية والنقاء مثل الامير ميشكين الشخص الوحيد المثالي في الرواية، الذي يمثل الطيبة في حين اعتبرها البعض نوعا من البلاهة، اعترف أنني أعيش حالة من هذه البلاهة. وأعيش فيها دوما حالة من الوجع والالم أيضا حينما يدركني نتاج بلاهتي. رواية »الأبله» واحدة من أكثر النماذج تعبيراً عن قدرة دوستويفسكي علي النظر في دواخل النفس الإنسانية فهذا »الأبله» هو أمير من سلالة أمراء معروفة في تاريخ روسيا، لكن شخصيته ومسار حياته لا يشبهان أبداً أولئك الأمراء الذين يأمرون فيُطاعون. بل هو شخص طيّب بسيط، يمكن استدرار عاطفته والتأثير عليه بمجرّد إبداء الرقة أو التعبير عن الحاجة او الحزن أو الأسي... ولذلك يبدو »أبله» في نظر المجتمع. في رواية الأبله وجدت صدي لروح البحر وطبيعته الرحبة التي تبتلع عذاباتنا ولا يشكو، بل يحاول أن يمنحنا السعادة ونحن نقف أمامه نشكو له قسوة الحياة، تماما مثل صورة الرجل المثالي الذي وجد في آلامه تطهيرا له كالبحر، هذا الرجل المثالي الذي لا يعرف النفاق ولا الخداع الذي يحاول أن يسعد جميع من حوله سواء كانوا أصدقاءه أم اعداءه، هذه الروح الصافية التي تحمل هذا الواقع المرير هل تستطيع أن تعيش وسط هذا المجتمع المليء بالشرور والكراهية ؟ سؤال لم يستطع البحر الإجابه عنه ولا أنا، وأجاب عنه الأبله.