لكل وسيلة تعبير لغتها الخاصة، ولغة الإذاعة هي الأصوات التي تخاطب العقول وتؤثر في الوجدان، وكما توجد اللغة المكتوبة التي تخاطب العين، فإن لغة الإذاعة هي الصوت الذي يخاطب الأذن، فالكلام في الإذاعة يكون مكتوب للحديث وليس للقراءة، لذلك تعتمد الكتابة للإذاعة علي أسلوب التخاطب الذي يحرك المشاعر، ويوحي بموقف الاتصال المواجهي المباشر. وأسلوب التحادث اليومي هو أفضل أشكال الكتابة الإذاعية، والإذاعة تخاطب المستمع الفرد مما يجعلها وسيلة حميمية تحقق الألفة مع المستمع. يعتمد الصوت في الإذاعة علي ثلاثة مكونات هي الكلام، والموسيقي، والمؤثرات الصوتية، مما يتيح له التأثير علي العقل والعاطفة معا، ولعل من أبرز جوانب قوة الراديو ما يتميز به الصوت من إثارة اهتمام المتلقي وتحريك خياله بما يجعله مشاركا في العمل الفني حيث يستكمل الصورة المفقودة بإعمال الخيال، ولعلنا نتذكر أسلوب راوي الحكايات الشعبية وما كان يثيره من حب الاستطلاع الغريزي لدي المتلقي في إثارة خياله وجذب اهتمامه، وتحقق الإذاعة هذا الفضول من خلال امتزاج الصوت المنطوق بالموسيقي والمؤثرات الصوتية. والإخراج الإذاعي عبارة عن عملية مركبة تعتمد علي اختيار الأصوات وترتيبها في نظام محكم له مغزي، ويجب أن يتمتع المخرج الإذاعي بخبرات متنوعة وإتقان جميع العمليات الفنية، والقدرة علي تمييز الأصوات بدقة ومعرفة خصائصها وتناقضاتها، فالأصوات مثل الألوان لها ظلال عديدة من المعاني والتعبيرات، ويمزج المخرج الإذاعي بين الكلام والموسيقي والمؤثرات الصوتية مثل الرسام الذي ينتقي الألوان اللازمة لابتكار لوحة فنية. وعلي خلاف الأداء التلفزيوني الهابط الذي انحدر بمستوي الذوق العام في السنوات الأخيرة، نجد الإذاعة لاتزال تحافظ علي رصانتها وجودة برامجها ووعي القائمين عليها بأهمية التنوير وإيقاظ الوعي الناتج عن ميراث الخبرة التراكمية عبر أجيالها المختلفة. ويعد المخرج الإذاعي علي عبد العال واحدا من عشرات المبدعين الذين تزخر بهم المحطات الإذاعية المصرية الذين يعملون دون صخب، ويدركون قيمة الرسالة الإعلامية الجماهيرية، ويحرصون علي ما بقي لنا من قوة ناعمة، وفي المقابل يواجهون التجاهل وعدم التقدير المادي والمعنوي. التحق علي عبد العال بالإذاعة منذ عام 2003،ويشغل حاليا مدير إدارة الإخراج بإذاعة الأغاني، وقام بإخراج العديد من البرامج المتميزة في إذاعات البرنامج العام، وصوت العرب، والأغاني، ومن بينها: افهمونا- مصابيح الحرية- إنت الكسبان- حكايات من الشرق والغرب- من وراء الأسوار، بالإضافة إلي الرؤية الدرامية بعنوان " المغنواتي" عن قصة حياة المطرب الشعبي محمد رشدي،و" المزيكاتي" للمايسترو صلاح عرام، وإخراج العديد من الصور الغنائية والحفلات الفنية لكبار المطربين. كذلك أخرج علي عبد العال إثني عشر مسلسلا إذاعيا لكبار النجوم مثل : يوسف شعبان، وآثار الحكيم، وأحمد بدير، وأحمد عبد العزيز، وطارق لطفي، وصابرين، ومصطفي شعبان، وحورية فرغلي. وعبر إذاعة الأغاني، تابعت بشغف الرؤية الإذاعية الإبداعية للمخرج علي عبد العال للمسلسل التلفزيوني"أم كلثوم"، والذي سبق أن عرضه التلفزيون المصري عام 1999 وحظي بقبول جماهيري واسع النطاق، والمسلسل عن السيرة الذاتية لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وكان من إنتاج قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون- وقت أن كان هناك وعي بإعلام الدولة- واستغرق تصوير هذا المسلسل التلفزيوني حوالي عامين ونصف، وكتبه الراحل الكبير محفوظ عبد الرحمن، وأخرجته المبدعة إنعام محمد علي، وشارك في بطولته لفيف من النجوم مثل صابرين، وحسن حسني، وسميرة عبد العزيز، ورشوان توفيق، وكمال أبورية،ومحمد كامل، وموسيقي وألحان العبقري الراحل عمار الشريعي. كان عدد حلقات المسلسل التلفزيوني 37 حلقة استطاع علي عبد العال ترجمتها إلي رؤية إذاعية في مائة حلقة، وهي تجربة فريدة تستحق الإشادة والتقدير. هل وصلت الرسالة لمن يهمه الأمر ؟.