في تجربة صارت سمة من سمات صناعة الكتاب حاليا، جاءت فكرة إعادة طبع الأعمال الإبداعية المميزة لأعمال كبار الأدباء والمبدعين منهم الكاتب المفكر توفيق الحكيم التي صدرت عن دار الشروق في طبعات حديثة لثلاثة أعمال هي:» كتاب »القصر المسحور» وكتاب » شجرة الحكم » والذي نشر لأول مرة في عام 1945 ، ثم كتاب »راقصة المعبد» ، . و الروائي إحسان عبد القدوس الذي صدرت له مجموعة قصصية ورواية في سلسلة إعادة طبع أعماله الكاملة عن الدار المصرية اللبنانية لمجموعة قصص»لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص ، ورواية » يا ابنتي لاتحيريني معك. مما يؤكد علي أن الأدب الجيد لا ينتهي بالاقدمية بل يزداد تألقا. في كتاب القصر المسحور» الذي يمثل تجربة فريدة من نوعها في الأدب العربي كله. اشترك توفيق الحكيم وطه حسين في تأليف كتاب يستلهم تراث ألف ليلة وليلة؛ ويتجاوز الأشكال التقليدية المعروفة. ماذا يحدث لو بعثت »شهرزاد» لتحاسب توفيق الحكيم علي كتابته مسرحية هي بطلتها؟ وماذا لو دخل طه حسين علي الخط فيحرض »شهرزاد» علي محاسبة الحكيم ومحاكمته وحبسه في قعر قصرها المسحور؟! لن يسكت توفيق الحكيم بل سيدافع عن نفسه دفاعًا مجيدًا وحارًا. من هذه الفكرة البديعة، غير المسبوقة في أدبنا العربي، تدور فصول هذا الكتاب النادر، وتلك المساجلة الفنية والعقلية المدهشة بين الأديبين الكبيرين، يكتب أحدهما فصلا ويرد عليه الآخر وتمضي فصول الكتاب الممتعة بين تأملات وفكاهات ودعابات بين الأطراف الثلاثة؛ طه حسين وشهرزاد وتوفيق الحكيم، إلي أن ينهيها طه حسين بإحالة قضية الحكيم مع شخصيته إلي الزمن يقضي فيها قضاءه. يقول توفيق الحكيم في سطور كتابة »شجرة الحكم» :»ما من شك عندي في أن أكثر رجال السياسة والحكم في مصر قد خالجتهم يومًا أعظم مشاعر التضحية والبطولة، ولكن إلي أي وقت عاشت في قلوبهم هذه المشاعر؟.. وإلي أي مدي احتفظوا بقوة هذه العواطف فلم يلينوا بعد ذلك لمغريات المنصب ولم يذعنوا لشهوات النفس، ولم يخضعوا لمطالب العيش، ولم يجرفوا في تيار النعمة والأبهة والرفاهية»، عبر ثلاثة أجزاء يتضمنها هذا الكتاب، يكشف لنا توفيق الحكيم عن مأساة الحكم في كل زمان ومكان. الجزء الأول »مقدمة» يستعرض فيها الحكيم الأزمة التي تسببت فيها فصول نشرها في الصحف بعنوان »شجرة الحكم» عام 1938 منتقدًا فيها النظام البرلماني في مصر. الجزء الثاني مسرحية بعنوان »في الآخرة»، وهي فانتازيا يستعرض فيها عدة حوارات تكشف شكل »شجرة الحكم» من وجهة نظر »صاحب الدولة وصاحب المعالي»، »الزعيم الوطني وكاتم السر»، »رئيس الشيوخ ورئيس الحزب»، »المهندس والمفتي»، و»الخواجة في جنة عملائه». وفي الجزء الأخير »في الدنيا»، ينتقل من الفانتازيا إلي الواقع في شكل نوفيلا تكشف عن أشياء كثيرة يمكن أن يفعلها الأشخاص من أجل السلطان أو »شجرة الحكم». إحدي علامات توفيق الحكيم البارزة التي تؤكد صلاحية الأدب الخالد للقراءة عبر كل الأزمان ومهما تغيرت الأحوال والعصور. ثم يأتي كتاب »راقصة المعبد» التي نُشرت طبعته الأولي عام 1939 علي قائمة السلسة المتميزة والتي صدرت في طبعات جديدة :» تفتحت أعين توفيق الحكيم علي عالم الفن مبكرًا من نافذة شارع محمد علي الذي كان يمثل كونًا مصغرا لفرق التخت الشرقي والآلاتية وأسطوات العوالم. تركت التجربة آثارها النافذة في نفسه وعقله؛ للدرجة التي يقرر فيها استلهام نموذج »الأسطي حميدة الإسكندرانية» التي تعرف عليها في باكر حياته وكانت السبب المباشر في ولعه بالفن وغرامه بالموسيقي والغناء الذي لن يفارقه عمره كله. في »راقصة المعبد» يهدي الحكيم نصيه القصيرين إلي أول من علمته كلمة »الفن»؛ تحضر »الأسطي حميدة» في الكتاب كنموذج فني ومعادل موضوعي يطل منه الحكيم علي عالم »العوالم» والتختجية وفرق محمد علي والآلاتية، في القطعة الأولي التي أسماها »العوالم»، وتدور أحداثه في قطار يتجه من محطة مصر إلي الإسكندرية، يقل فرقة تخت شرقي لإحياء مناسبة في منزل أحد كبار الأعيان. ثم يأتي النص الثاني الذي سمي الكتاب باسمه »راقصة المعبد» وتنطلق أحداثه أيضا في قطار يتجه من سالزبورج إلي باريس، تتخلله مناوشة عاطفية بين كاتب وراقصة. تجربة فنية ممتعة غاية في الثراء والعمق والبساطة معًا، سجلها الحكيم بحسه المرهف وبراعته المعهودة ورشاقة أسلوبه وصياغاته الحوارية المتقنة.