لم تكن هزيمة سنة 7691م مجرد هزيمة عسكرية في ميدان القتال، وإنما كانت فوق ذلك، و أعمق من ذلك هزيمة لنماذج التحديث الغربية، التي سَّوقها الاستعمار والتغريب والمتغربون في العالم الاسلامي علي امتداد قرنين من الزمان.. فلقد جرب المسلمون هذه النماذج، فلم يتعد تأثيرها عقول المتغربين، الذين خربت عقولهم في المصانع الفكرية الغربية للحداثة الغربية.. هؤلاء الذين وصفهم جمال الدين الأفغاني فقال: »إن المقلدين للتمدن الغربي إنما يشوهون وجه الأمة، ويضيعون ثروتها، ويحطون من شأنها. إنهم المنافذ لجيوش الغزاة، يمهدون لهم السبل، ويفتحون لهم الأبواب«!..أما واقع العالم الاسلامي، فلقد ظل علي حاله من التخلف الموروث، ومن الجمود والتقليد في الثقافة والأفكار.. ولقد سادت في هذا الواقع الإسلامي »لعبة شد الحبل« التي لا غالب فيها ولا مغلوب فلا الأمة مكنت المتغربين من تغريب عقولها ووجداناتها وواقعها.. ولا المتغربون الذين ملكهم الاستعمار مفاتيح المؤسسات السياسية والثقافية مكنوا الأمة من بعث هويتها وتجديد ذاتيتها الإسلامية، والنهوض وفقا لمعاييرها.. وهكذا امتد الصراع بين المتغربين والإسلاميين علي امتداد قرنين من الزمان دون أن يتمكن أي من الفريقين من تحقيق ما يريد.. أي ان ثمرة هذه اللعبة لعبة شد الحبل التي استنفدت جهود الفريقين، قد وقفت عند »صفر كبير«!.. وخلال هذين القرنين سواء في ظل الاستعمار المباشر، أو الاستقلال الشكلي تم »تجريب« نماذج التحديث الغربية في واقع الأمة الإسلامية من »القومية العنصرية«.. إلي »الليبرالية الرأسمالية«.. إلي »اشتراكية وحتي شيوعية المادية والصراع الطبقي« .. لكن الجسد الإسلامي ظل رافضا قبول هذه الأجسام الغريبة عن هويته الحضارية وذاتيته الاسلامية، وعصيا علي التماهي فيها. ولقد كانت هزيمة سنة 7691م »اللحظة الفارقة«، التي طوت فيها هذه الأمة الإسلامية صفحة هذه النماذج الغربية في التحديث، واستدارت تبحث عن ذاتها الإسلامية. وعن نموذجها الحضاري الذي أفرزه الاسلام طريقا للتقدم والنهوض.ويشهد علي هذه الحقيقة، أن هذا التحول قد امتد علي نطاق عالم الاسلام، ولم يكن مقصورا علي الساحة التي تمت فيها المواجهة العسكرية في يونيو سنة 7691م. وإذا شئنا أن نضرب مثلا بالواقع المصري في هذه التحولات، فإننا سنجد أن عقد السبعينيات من القرن العشرين قد شهد انتشار الجماعات الإسلامية، التي بدأت في الجامعات المصرية، ثم امتدت إلي مختلف شرائح المجتمع، لتتحول إلي »ظاهرة للاحياء الإسلامي« متعدية للحدود والقوميات. وفي ذات العقد، وضع بمصر دستور سنة 1791م، الذي أضاف إلي النص علي أن دين الدولة هو الاسلام، أضاف أن مبادئ الشريعة الاسلامية هي مصدر من مصادر التشريع.. ثم جاء تعديل هذه المادة سنة 0891م.. لتصبح مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.. وهكذا بدأ التحول عن القبلة الغربية إلي قبلة الإسلام!